الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خريطة طريق تفصيلية لبلوغ السعادة الدائمة

خريطة طريق تفصيلية لبلوغ السعادة الدائمة
14 فبراير 2011 21:13
لا شك أن لنا قابلية وراثية مسبقة لأمزجة وطباع من نوع ما، لكن بمقدرة كل واحد فينا أن يغير «مزاجه» أو طبعه إذا كان يسبب له المتاعب، فالطبع بالتطبع، والعلم بالتعلم والفكر بالتفكر، كما تروي الأقوال المأثورة. كما أن هناك فرقاً جلياً بين اللذة السهلة البليدة وبين الرضى الحقيقي الممتع. أبوظبي (الاتحاد)– تتجدد الخطط والأحلام والطموحات كل عام، بل كل شهر، وعند إشراقة كل يوم عند البعض. يضعون الهدف تلو الآخر ويتعهدون أنفسهم بتحقيقها، معظمهم يحقق جزءاً مما سطره من أحلام، وقلة قليلة منهم فقط تنجح في تحقيق ما وضعته من آمال، بينما يتوقف آخرون في منتصف الطريق بسبب وضعهم لهدف غير مدروس أو دخولهم في مشروع منقوص أو سطْر أهداف كثيرة تفوق بكثير المقدرات والإمكانات، لتكون النتيجة في نهاية المطاف مهام كثيرة لكن غير مكتملة. فهل من خريطة طريق تُرشد الإنسان إلى آليات تحقيق طموحاته وأحلامه وجعله من ثم يستشعر معنى السعادة ويذوق لذة النجاح. إدبار وإقبال لا يعني النجاح في الحياة بالضرورة الشعور الدائم بالسعادة، بل إن ماهية هذه الأخيرة أكثر تعقيداً بكثير مما قد يعتقد البعض، فوصفة السعادة ليست أفقيةً ولا رأسيةً، بل هي وصفة مركبة تتقاطع فيها الخطوط وتتشابك لتصنع نسيجاً لا يلقي على صاحبه من دفقات السعادة إلا إذا اكتملت أليافه. وكان ينظر الكثير من خبراء الصحة الذهنية والعقلية إلى وقت قريب إلى اللاهث وراء سعادته كمن يركض وراء ظله ليمسك به. وكانت أغلب التحليلات تركز عند الحديث عن السعادة على مدى تمتع الإنسان بالطاقة والحيوية، وضرورة إيلاء المزيد من الاهتمام والرعاية والعلاج لحالات الكآبة والقلق واليأس والقنوط، بينما غفلت هذه التحليلات عن التطرق لطرق استدامة السعادة والرضا. غير أن مثل هذه المقاربات التحليلية بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً، وبزغت بدلاً عنها مقاربات جديدة. فالمنافحون عن «علم النفس الإيجابي» يعتقدون أن السعادة هي هدف يمكن تحقيقه أو الوصول إليه، وأن على من لا يشعر بالسعادة أن يعمل من أجل استجلابها. وهم يقولون إن عبور الدروب الموصلة للسعادة ليس أمراً ممكناً فقط، بل هو بالغ الأهمية للشخصية الإنسانية. عقبات وراثية يقول ميهالي سيكزينتهاليي، مدير شريك لمركز بحوث جودة العيش في جامعة كليرمونت للدراسات العليا، «عندما نتحدث عن «الصحة» فإننا لا نقصد خلو الإنسان من الأمراض، بل نعني الإقبال على الحياة بروح إيجابية وقلب منشرح». ويضيف «لن تكون حياتك صحيةً ما لم تعرف كيف تستمتع بها». ولا يعني هذا أن طريق السعادة سهل ويسير، بل إنه مليئ بالعقبات والعثرات. ولعل أولى العقبات وأكبرها هي الجينات الوراثية. فالسعادة تتحدد في جزء منها بالملامح الشخصية التي يكون غالبها موروثاً. وفي بحث سبق نشره سنة 2008، قام باحثون من جامعة إيدنبورج بتحليل بيانات الشخصية والسعادة لمجموعة من 900 توأم، فوجدوا أن هناك علاقةً وراثيةً وطيدةً بين السعادة وملامح الشخصية الإيجابية من قبيل الانغلاق أو الانفتاح أو القابلية للخضوع والانصياع لآراء الآخرين ورغباتهم. وألفى الباحثون أن التوائم المتطابقة كانوا يتشاركون الصفات الإيجابية أكثر من التوائم غير المتطابقة، كما كانت مستويات شعورهم بالسعادة والرضا أكثر تشابُهاً وتقارُباً. كبوات نفسية لا يحتاج الأمر إلى بحث أو دراسة للقول إن بعض الناس هم بطبيعتهم أكثر حيويةً ونشاطاً وإقبالاً على الحياة من غيرهم. ويكون السعداء من الناس غير قادرين على ما يبدو على إخفاء سعادتهم أو التحكم فيما يصدر منهم ويبدو عليهم في المظهر والمخبر، كما تتسم شخصياتهم بوجود نوع من البوصلة الإيجابية التي توجه انفعالاتهم وسلوكاتهم. غير أن ذلك لا يعني أنهم لا يمرون البتة بأوقات عسر تنغص عليهم سعادتهم، بل إن ما يتميزون به هو أنهم سرعان ما يعودون، أو بالأحرى ينجذبون، إلى الحالة الأصل، وهي الانشراح والابتهاج والنظر مُجدداً إلى الحياة بإقبال وإقدام. ولا ريب أن الأحداث التي تتعاقب على الإنسان على المستوى الاجتماعي والاقتصادي تلعب دوراً في جعله أقرب إلى السعادة منه إلى التعاسة أو العكس. وليس هذا فحسب، بل إن حتى أكثر الأشخاص سعادةً وقدرةً على التعافي بسرعة من الأزمات يعانون عاطفياً عندما يفقدون وظائفهم أو يكتشفون خيانة حبيب أو خداع قريب. وعلى الرغم من أن الشخص السعيد يتخطى بفضل إيجابيته أي عقبة يمر بها وتمتلئ شغاف قلبه بحب الحياة، فإن البعض يجدون صعوبةً كبيرةً في النهوض من كبوة نفسية أو استئناف النشاط إثر الإصابة برزية أو صدمة غير متوقعة، مثل الموت الفُجائي لزوج أو ابن. سعادة مُستدامة يميل الإنسان بطبعه إلى التطلع إلى الأمام، وإلى الحصول دوماً على المزيد، وإلى التفكير فيما ليس لديه، وليس فيما يتمتع به من نعم أو في كيفية استدامتها. وعلى الرغم من كون الثراء يعتلي قائمة أمنيات الناس وأحلامهم، فإن الدراسات تلو الأخرى تُشير إلى أنه بمجرد تحقيق الإنسان لحاجاته الأساسية، فإن مراكمة الثروة لا تضيف إليه شيئاً ذا قيمة على مستوى زيادة إحساسه بالسعادة، بل إن الثروة تتحول عند إساءة استغلالها إلى نقمة تنزل بصاحبها من درجات السعادة إلى دركات التعاسة. وما زال خبراء علم النفس الإيجابي يعتقدون أنه يمكن للناس أن يزيدوا مستويات سعادتهم، ليس مؤقتاً أو على المدى القصير وإنما على الأمد الطويل. ويقول مارتن سيليجمان، عالم نفس ومدير مركز علم النفس الإيجابي في جامعة بينسلفانيا ومؤلف كتاب «السعادة الأصلية»، إن السعادة اليومية مقتبسة في العادة من مصدرين أساسيين: اللذة والرضا. والتلذذ بشيء ما، سواء كان حسياً أو معنوياً، يغدق على صاحبه شعوراً بالسعادة من خلال ما يفرزه جسمه من هورمونات تنعكس إيجاباً على حواسه ومختلف وظائف جسمه. وبينما يمكن للذة أن تُشعر الشخص بالكثير من الرضا، فإن المتعة المحققة منها سُرعان ما تتلاشى. أما الرضا، فهو يتحقق في الغالب من خلال قيام الشخص بأنشطة يحبها وينغمس فيها بقلبه وقالبه، وتزداد درجة رضاه كلما كانت هذه الأنشطة صعبةً ومستعصيةً ومن النوع الذي لا يتحقق إلا عبر إعمال المهارات الشخصية ومكامن قوة مميزة ولمسات خاصة. وبالنسبة للبعض، يُعد العمل بحد ذاته مصدراً للرضا. فالجراحون، على سبيل المثال، عادةً ما يستغرقون في العملية ولا يشعرون بمرور الوقت بفضل إحساسهم بأهمية ما يقومون به ورضاهم عن أدائهم. هذا في الوقت الذي يتحقق فيه الرضا لآخرين من خلال ممارسة بعض الهوايات مثل البستنة أو غزل الصوف أو لعب التنس أو جمع الطوابع البريدية وغيرها. ومن المؤكد أن الانغماس في القيام بأنشطة مُرضية يؤثر إيجاباً على المزاج ويُسهم في تحقيق السعادة المستدامة. حبل اللذة قصير يميل الناس في الغالب إلى التفكير في اللذات وتفضيلها على الأنشطة المحققة للرضا نظراً لسهولة الحصول عليها ولسعيهم وراء ما له مفعول فوري وأثر آني. غير أن ما تُغفله هذه الفئة من الناس هو أن الأنشطة المحققة للذة تُصبح أقل إمتاعاً عند الإفراط فيها أو كثرة تكرارها. ويكفي تناول مثال بسيط جداً في هذا السياق وهو المقارنة بين درجة تلذذك باللقيمات الأولى من طبق تشتهيه مع آخر لقيمتين من ذات الطبق. ولذلك فإن تفضيل الأنشطة المحققة للذة على تلك المحققة للرضا يعيق الشخص عن تطوير مهاراته الشخصية ومكامن قوته، والتي تبهت وتتجه إلى الخمود المميت والعطالة القاتلة في حال مرور وقت طويل دون استخدامها. ويرى سيليجمان أن هذا لا يعني هجر اللذات بشكل كامل، ولكن انتقاءها بعناية والسعي إلى الحصول عليها باعتدال ودون إسراف، فذاك هو السبيل الأوحد لاستدامة الاستمتاع بها. وينبغي الانتباه أيضاً إلى أهمية الاستمتاع بهذه اللذات، فإذا كنت من هواة السينما، فاحرص على الاستمتاع بما تتفرج فيه، وإذا كنت تهوى تناول وجبة أو مشروب من نوع ما، فاحرص على أن تتلذذ باحتسائه ورشفه بما يُحقق لك اللذة المبتغاة، وهكذا دواليك. ما زلنا في منتصف الشهر الثاني من العام الجديد، وما زال أمامك أكثر من عشرة أشهر من هذا العام، فاجعله عاماً سعيداً بكثرة الأنشطة المُرضية وبالاعتدال في اللذات المشروعة المتاحة. عن «لوس أنجلوس تايمز» ترجمة: هشام أحناش
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©