الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصومال... بدون ضجيج الأسوأ إنسانياً في أفريقيا

الصومال... بدون ضجيج الأسوأ إنسانياً في أفريقيا
23 نوفمبر 2007 23:15
أكبر أزمة إنسانية في القارة الأفريقية في الوقت الراهن ليست في دارفور كما قد يعتقد الكثيرون، وإنما هنا على هذا الطريق الأسفلتي المليء بالحفر والمطبات والواصل بين مدينة ''أفجويي'' والعاصمــة مقديشــــو· فمنذ عام تقريبا كــــان هـــذا الطريق الذي لا يزيد طوله عن 20 ميلا لا يختلف عن غيره من الطرق الصومالية التقليدية الواصلة بين المدن المختلفة، أما اليوم فإنه تحول إلى ممر يغص بالفقر والتعاســـة، حيث أقيمـــت على جانبيـــه عدد من المعسكرات التي يزدحم فيها في الوقت الراهن قرابـــة 200 ألف من البشـــر الذين أجبروا على الخروج من ديارهــم على أثر تجدد أعمال العنف في العاصمة مقديشو· وقالت ''نصيفة علي'' -هربت من مقديشو على إثر حمام الدم الذي وقع فيها- إن طفلتها البالغة من العمر عشرة شهور فقط، تعاني من الجوع الشديد لدرجة أنها لم تعد قادرة على بلع ريقها، مضيفة -وهي تشير إلى طفلتها التي تقف على قدمين رفيعتين كعودين من الخشب-: ''انظروا إليها كيف تبدو، والمصيبة أن جلدها قد بدأ في التساقط هو الآخر''· يقول مسؤولو الأمم المتحدة المتخصصون في الشؤون الصومالية، إن معدلات نقص التغذية، ومنسوب العنف، ونزيف الدماء والنقص في موظفي الإغاثة، أكبر في الصومال منها في إقليم دارفور التي يشار إليه عادة باعتباره الأزمة الإنسانية الأكبر على مستوى العالم· كان القتال الذي لا يكاد يتوقف حتى يندلع مجددا، بين قوات الحكومات الانتقالية وبين عناصر التمرد الإسلامي، قد دفع موجات من السكان اليائسين للخروج من المدينة والسير في قوافل بشرية على الطريق المؤدي إلى مدينة ''أفجويي'' التي تعد أقرب المدن إلى العاصمة، والتي تكاثرت فيها المعسكرات العشوائية المبنية من أغصان الشجر وألواح البلاستيك بين ليلة وضحاها· المشكلة تكمن في أن عمال الإغاثة الذين تحدوا الظروف الصعبة، وانعدام الأمن في البيئة الصومالية المعروفة بخطورتها الشديدة، غير قادرين حاليا على الوفاء باحتياجات هذه الجموع، بل وغير قادرين حتى على تقديم الحليب لآلاف الأطفال المهزولين· يقول ''إيريك لاروش'' رئيس العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في الصومال: ''الكثيرون من هؤلاء الأطفال سوف يموتون''، ويضيف ''لو كان نفس هذا الشيء يحدث في دارفور لسمعنا الكثير من اللغط والضجيج الآن، أما هنا فإننـــا لا نكاد نسمع شيئا''؛ ومسؤولو الأمم المتحدة العاملون في الصومال، يحاولون بقدر الامكان لفت الأنظار إلى المحنة التي يتعرض لها هذا البلــــد والتي يرون أن أزمة دارفور قد غطت عليها· ومن أجل هذا الغرض، نظم هـــؤلاء المسؤولون عدة رحلات في الآونة الأخيرة إلى الصومال منها واحدة يوم الاثنين الماضي للصحفيين هدفها أن يروا بأعينهم ما يحـدث وينقلوا الصورة إلى العالم· ويقول ''أحمدو ولد عبدالله'' الموظف بالأمم المتحدة بالصومال: ''إن الوضع في الصومال هو الوضع الأسوأ على مستوى القارة''؛ فيما قال مسؤولو الأمم المتحدة، إن الدورة الحالية من الكوارث والمحن التي تعاني منها الصومال، مقترنة مع بقايا الفوضى التي استنزفت الصومال لما يزيد عن عقد من الزمان، قد وضعت البلاد على شفير المجاعة· وفي المناطق التي تضررت أكثر من غيرها مثل ''أفجويي'' أشارت الأبحاث التي أجريت مؤخرا أن 19 في المائة من السكان على الأقل يعانون من سوء التغذية مقارنة بـ13 في المائة في دارفور، علما بأن نسبة 15 في المائة تعتبر هي النسبة التي تدل على أن منطقة ما قد وصلت إلى حالة تستدعي أن يطلق عليها منطقة طوارئ· ويعترف مسؤولو الأمم المتحدة الآن، أن البلاد كانت في ظروف أفضل خلال الفترة القصيرة التي سيطرت فيها مليشيات المحاكم الإسلامية على الحكم العام الماضي؛ وتعليقا على ذلك يقول السيد ''لاروش'': كانت الأحوال في تلك الفترة أكثر سلاما، وكان العثور على عمل أسهل كثيرا مما هو عليه الآن، علاوة على إن الإسلاميين لم يسببوا لنا أي مشاكل في عملنا''· ويذكر أن العالم الذي كان قد أدار ظهره للصومال لسنوات قد بدأ يلتفت إليه ثانية بعد أن سيطرت المليشيات الإسلامية على الحكم، ولكن الذي حدث بعد سيطرة الإسلاميين هو أن الولايات المتحدة وإثيوبيا وغيرها من الدول المجاورة للصومال سرعـــان ما تخوفـــت منهم، وصنفتهم بأنهم يمثلون تهديدا وأنهم يأوون عناصر من تنظيم القاعدة· كان الإسلاميون يحظون بالشعبية في الصومال في البداية، ولكنهم عندما بدؤوا بعد ذلك في تطبيق أجندة متطرفة، ودعوا إلى الجهاد ضد إثيوبيا تحديدا، فإن ذلك دفع الأخيرة التي حصلت على مساعدات تقنية وعسكرية من الولايات المتحدة إلى غزو الصومال بحجة مقاومة الإرهاب الإسلامي· وعندما وصلت الحكومة الصومالية المؤقتة إلى البلاد في نهاية شهـــر ديسمبر الماضي، فإنها عملت منذ ذلك الوقت بالتعاون مع الإثيوبيين على القضاء على التمرد الذي يضم خليطا من المقاتلين الإسلاميين ورجال القبائل وفئة المتربحين من الحرب دون أن تنجـــح في ذلك· فالحكومة المؤقتة لا تسيطر على بوصة واحدة من الأراضي الممتدة من الحدود الكينية إلى مقديشو، على الرغم من أنها لا تتوقف عن تقديم الوعود بإعادة الأوضاع إلى الحالة الطبيعة، والصوماليون المقيمون في المعسكرات البائسة الممتدة على طريق ''أفجويي'' لا يصدقون وعود الحكومة كما يتبين مما يقوله ''محمد أحمد'' -سائق تاكسي متقاعد يبلغ من العمر 80 عاما-: ''نحن نريد عودة الإسلاميين''، مضيفا بأنه ليس متعصبا دينيا، ولكنه يريد عودة الإسلاميين لأن الصوماليين في أيامهم ''كان لديهم طعام على الأقل''· جيفري جيتلمان - الصومال ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©