الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف ينظر الفلاسفة إلى أخلاقيات الطب؟

كيف ينظر الفلاسفة إلى أخلاقيات الطب؟
5 ابريل 2008 01:14
الدكتور محمد جديدي، أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة شرق الجزائر، هو باحث أكاديمي، اشتغل بالفلسفة الأميركية المعاصرة وبوجه خاص معضلات ومسائل الفلسفة في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، ومنها: التجربة الفلسفية والسياسة، الأنوار، جدل الحداثة وما بعد الحداثة، مسألة العدالة والحرية وحقوق الإنسان، وكذلك (البيوإيطيقا)، والجماليات، والإيكولوجيا· شارك في عدة ملتقيات جزائرية ودولية، له عدة دراسات ومقالات· من كتبه المنشورة ''فلسفة الخبرة: جون ديوي أنموذجاً''· في هذا الحوار يتحدث جديدي عن أهمية البيوإيطيقا أو (أخلاقيات الطب) في الفلسفة المعاصرة، ويؤكد أنها ستكون إحدى أهم القضايا الفلسفية في المستقبل إلى جانب البيئة والجماليات، ولا يرى في مواصلة التجارب العلمية في ميادين الجينوم البشري واستنساخ الخلايا البشرية لأغراض علاجية ما يتعارض مع الكرامة البشرية، ويحذر من تحول البيوإيطيقي إلى قسيس جديد أو قاضٍ في هذا المجال· إليكم نص الحوار· ü أبديتم ميلاً واهتماماً كبيرين بـ''البيوإيطيقا'' أو أخلاقيات الطب، ما الذي استهواكم في هذا الميدان ذي الطبيعة ''الطبية العلمية''؟· - ليست المسألة مرتبطة بميل عفوي أو اعتباطي ولكنها تنبع من تفكيرٍ متأن بقضايا الفلسفة اليوم ومستقبلاً، وحيث أن البيوإيطيقا غدت منذ نهاية القرن العشرين إحدى أهم المسائل التي ينبغي الاعتناءُ بها وإيلاؤها المكانة المناسبة تبعاً لما قدمته التطورات الحاصلة في علوم الحياة والطب· وباعتقادنا فإن موضوع البيوإيطيقا يندرج ضمن اهتمامات ما يعرف تحت اسم ''الفلسفة التطبيقية'' التي أضحت مواضيعها جد مهمة في فلسفات الحقبة المعاصرة· ü ما أبرز التساؤلات التي أصبح المشتغل في الحقل الفلسفي يطرحها بحكم التقدم الطبي المذهل؟ - إنها بالأساس تساؤلات تمس الكائن الحي بشكل عام والبيئة التي يحيا فيها وأيضا الكائن الإنساني منه بشكل خاص، لا سيما فيما يتصل بالتجارب التي تمس كرامة الشخصية الإنسانية بدءا من التساؤل حول الشخصية الإنسانية ذاتها: ماذا نعني بها؟، وكذا فيما يتصل بمختلف التجارب والدراسات العلمية الهادفة إلى معالجة مرضٍ ما أو بغرض تحسين حياة الفرد الإنساني في مختلف مراحل نموه وحتى قبل تكونه جنيناً أو في تجريب نوع معين من الدواء قبل إثبات فعاليته وتسويقه· ü إذا كان تدخل الفقهاء في هذا الميدان، مبرراً بالسعي لوضع الخطوط الحمراء للبحوث العلمية الطبية، ومنعها من انتهاك كرامة الإنسان، فما الذي يبرر تدخل رجال الفلسفة؟· - موضوع البيوإيطيقا لا يهم الفقيه فحسب، ولا الفلاسفة فقط، وإنما هو فرع تتعاون فيه جهود مجموعة من الباحثين والمختصين من فروع متعددة ومختلفة منها القانوني والاقتصادي والفيلسوف والفقيه والطبيب والبيولوجي، وهي على شاكلة ما هو موجود في بعض الهيئات والمجالس العالمية مثل ''المجلس الدولي للبيوإيطيقا''· ü برأيكم، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه رجال الفكر والفلسفة في ''أخْلَقة'' البحوث العلمية الطبية، وكيف يمكن ذلك في ظل جموح المتخصصين في هذه المسائل إلى إجراء المزيد من الأبحاث فيها؟· - إذا كان التطور الجاري في البيولوجيا والطب قد أفرز -وما زال- حالات جديدة خاصة -قد تبدو استثنائية- لا تتصف بالعموم الذي تنطبق عليه قواعد الأخلاق وضوابطها، فمن الواجب على البيوإيطيقا أن تلتفت إلى مثل هذه القضايا، وتساهم بالتفكير حولها على أكثر من صعيد؛ أخلاقي، جمالي، اجتماعي· غير أن ما ينبغي التنبيه إليه، ومن ثمة تفادي الوقوع في مزالق وأخطاء العلميين، هو أنه لا ينبغي أن يقع الفيلسوف والأخلاقي ورجل الدين والمشرع في فخ الباحثين الذين لديهم نهم علمي برفع الحواجز والمحظورات عن جزء مهم متعلق بالتجارب عن الإنسان ويريدون من وراء إشراك فرع البيوإطيقا توريط الأخلاقيين وتحميلهم جزءاً من مسؤولية أبحاثهم ونتائجها· مثلما أنه لا ينبغي أن يشعر البيوإيطيقي أنه يلعب دور القاضي أو القسيس الجديد الذي يوقع صلاحية البحث ويباركها، فهذا دور مرفوض· ü هل تعتقدون أنه يجب توقيف التجارب العلمية في هذا الميدان للحفاظ على الكرامة البشرية والأخلاق؟· - دخلت التجارب العلمية مرحلة حاسمة وهي تعد بالكثير في مجال مكافحة الأمراض المستعصية من خلال التحكم في الهندسة الوراثية وحل شفرة الجينوم ومن ثمة استنساخ -مثلاً - خلايا تعوض الخلايا المصابة في حالات مرضية وهو ما يعرف بـ''الاستنساخ العلاجي''، ولا نتصور أن هناك ما يمس بكرامة الشخصية الإنسانية، ويكون مضمونه غير أخلاقي إذا كانت هذه التجارب تصب في مصلحة الإنسان، فالأخلاق تعني فيما تعنيه خدمة الفرد البشري ونموه ومنفعته بالدرجة الأولى· ü ما الذي يمكن أن تفيدوا به مجالس أخلاقيات الطب والمشرعين القانونيين في ميادين كنقل الأعضاء والاستنساخ وغيرها؟· - مما لا شك فيه، أن الأخلاقيات الطبية والحياتية بشكل أوسع تهم أكثر من تخصص أو هيئة أو مؤسسة، ولذا فهي بحاجة إلى مساهمة أطراف عديدة تبدأ من المختص في مجال البيولوجيا والطب والإيكولوجيا إلى علماء الإنسانيات والفلاسفة ورجال الدين والقانونيين والسياسيين لأن التعامل مع الظاهرة البيولوجية يصبح حساساً ومثيراً للمخاوف وقلقاً من نتائج تطبيق تقنية جديدة أو أسلوب جديد في العلاج أو جواز حالة إيتانازيا (الموت الرحيم)· أو إجهاض أو أية مسألة أخرى يرى فيها الطبيب أو الباحث المختص مصلحة أو راحة للكائن· لكن من جهة أخرى، هذا الباحث يسعى إلى شبه إجماع يبعد به شبح تحمل الخطأ، ومن ثمة فهو بإشراكه البيوإيطيقي، إنما يريد توسيع مجال التشاور والنقاش حول مسائل لا تمس مباشرة عمله العلمي كباحث بيولوجي أو طبيب مختص، لكنها تمس بالدرجة الأولى الفرد البشري في ذاته وأسرته وجماعته وقوانين الدولة التي يحيا فيها والديانة التي هو عليها· إنها منظومته الفكرية والعقدية التي تصبح ميداناً للنقاش وليست فقط مسألة نقل عضوٍ من جسم حي أو ميت إلى جسم آخر· ü يتنبأ بعض المفكرين بأن قضايا البيوايطيقا ستحتل صدارة الاهتمامات الفلسفية وتصبح إحدى أبرز قضاياها في الـ25 سنة القادمة، هل تعتقدون بذلك؟· - ذلك في الحقيقة هو رأيي وقناعتي الشخصية، وأنا أدعو المشتغلين في حقل الفلسفة إلى الاعتناء أكثر بالبيوإيطيقا لأنها ستكون موضوع الفلسفة بامتياز في المستقبل إلى جانب البيئة والجماليات· إنها الرهان الذي يتوجب على دارسي الفلسفة إدراكه والوعي به كما يتوجب على القائمين على أقسام الفلسفة عندنا إدراج فرع البيوإيطيقا ضمن دراسات الفلسفة في التدرج وما بعد التدرج· ü لا يتحمس بعض المشتغلين بالفلسفة لهذه المواضيع باعتبارها بعيدة عن قضايا التذهُّن والتفلسف المعروفة؛ النظرية والميتافيزيقية· ما رأيكم؟ - ليس صحيحاً أن البيوإيطيقا منفصلة عن قضايا الفلسفة النظرية والأنطولوجية حتى وإن بدا ذلك في الظاهر· إن الذين يرفضون البحث البيوإيطيقي ظنا منهم أنه ناتج ثانوي للبحث العلمي في الطب والبيولوجيا مخطئون لأن الفلسفة تقتات من كل مضمار ومن كل موضوع ومن كل فن· والفلسفة اليوم هي فلسفة واقع الحياة بكل تفاصيلها ودقائقها بما في ذلك معاناة الإنسان بجميع أشكالها ومنها بوجه خاص صحته الجسدية والسيكولوجية، وهذه المسألة لم تحظَ بعناية فلسفية مهمة فلعلها تكون كذلك من منظور بيوإيطيقي وإستيطيقي·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©