الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة مصر: عودة السياسة إلى العالم العربي

14 فبراير 2011 21:24
حسين آغا - باحث بارز في جامعة أوكسفورد روبرت مالي - مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية لم يكن المتظاهرون في شوارع القاهرة الذين استطاعوا خلال 18 يوماً إنهاء حكم مبارك الذي استمر ثلاثة عقود، يطالبون بمجرد وضع حد لنظام سياسي، فهم لم يستنكروا فقط الحرمان الذي كانوا يُعانون، بل إن ما حارب المتظاهرون من أجله هو أعمق وأكثر تعقيداً. فالعالم العربي الذي "مات" جاءت الثورة المصرية لتعيد إليه الحياة، فمنذ خمسينيات القرن الماضي درج العرب على الافتخار بصراعهم ضد الاستعمار واعتزازهم بمكانة حكامهم وبالإحساس بالأهمية والمكانة على الصعيد الدولي واعتناقهم لهدف بناء دولة وطنية مستقلة ومقاومة الهيمنة الأجنبية. وهكذا ورغم حالة الاقتصاد السيئ في عهد عبد الناصر وتعرضه للإهانة بعد هزيمة قاسية في عام 1967 على يد إسرائيل، بقيت القاهرة قلب العالم العربي النابض وظل الرأي العام العربي مشدوداً لخطب عبد الناصر وهو يهاجم الغرب ويتحدى قوى الاستعمار السابقة، أو وهو يعلن قراراته التاريخية بتأميم قناة السويس واستفزاز إسرائيل. وفي أثناء ذلك كانت الجزائر تخوض صراعها المرير لانتزاع استقلالها لتصبح لاحقاً ملاذاً للثوريين، فيما قادت السعودية من جهتها حصاراً نفطياً على الغرب زلزل الاقتصاد العالمي، كما برز ياسر عرفات ليعطي الفلسطينيين صوتاً مسموعاً ويضع قضيتهم على خريطة العالم، ورغم تكبد العالم العربي لنكسات عسكرية وسياسية، إلا أنه قاوم ورفض الاستسلام، واضطرت العديد من القوى العالمية التي لم يرقها ما كانت تسمعه في القاهرة، أو الجزائر، أو بغداد، أو طرابلس إلى الانتباه. بيد أن تلك المرحلة من تاريخ العالم العربي ولت وانقضت، فعدا انتظار ما سيفعله الآخرون لم يعد للعرب أية مقاربة فعالة وواضحة للقضايا المهمة التي تؤثر على مستقبلهم المشترك، وحتى في المرات التي يلجؤون فيها إلى اجتراح سياسات معينة فهي غالباً ما تأتي مناقضة للتطلعات الشعبية، وقد كانت هذه الهوة بين الطبقة الحاكمة والرأي العام هي التي ساهمت في انهيار نظامي بن علي ومبارك. ففي قضية العراق على سبيل المثال استسلمت أغلب الحكومات العربية للغزو الأميركي وقام البعض الآخر بالتغاضي عنه، ومنذ ذلك الحين فقد العالم العربي أي تأثير له في مجريات العراق، وتقاعس أيضاً في مساعدة الفلسطينيين على تحقيق تطلعاتهم. قد رأينا مدى عجز القوى العربية الفاعلة، بعدما فقدت أي هدف عدا الحفاظ على استمرارها، وبالنسبة لمصر التي كانت الأهم والأكثر حضوراً جاء التراجع مدوياً، ليس فقط بسبب ما جرى في ميدان التحرير بل حتى قبل ذلك عندما تخلت مصر عن دورها القيادي في بعض الملفات العربية، حيث افتُقد دورها في العراق، وفي تنافسها مع سوريا لم تحقق أي تقدم لتخسر نفوذها القديم في لبنان، والأمر نفسه ينطبق على عملية السلام التي خسرتها مصر وفشلت حتى في توحيد الحركة الفلسطينية. والخلاصة أن القيادة العربية أثبتت سلبية كبيرة وحتى في أوقات التحرك كانت النتيجة متواضعة، وفيما كان النظام العربي يدافع عن سلسلة من القضايا مثل الوحدة العربية والوقوف في وجه الغرب ومقاومة إسرائيل لم يعد الآن يحارب شيئاً وفقد بوصلته تماما. ورغم حالة الاستقرار اليوم، أضاع العرب شعورهم بالفخر والاعتزاز اللذين كانوا يحسانهما حتى في أوج هزائم الماضي، وليس الفقر أو الاستبداد هو ما تعاني منه الدول العربية ويضعف قدراتها، بل تحولها إلى صورة باهتة بعيدة عن شعوبها التي ترى في سياساتها خططاً يتم إعدادها في الخارج. لذا لا يمكن فهم سلوك التونسيين والمصريين والأردنيين وغيرهم دون الأخذ في الاعتبار الإحساس المقيم لديهم بأنهم حُرموا من أن يكونوا أنفسهم وانتُزعت منهم هويتهم. وفي هذا الإطار يمكن فهم الانتفاضات الشعبية التي غذاها شعور متنامي بالقدرة الذاتية وانكسار حاجز الخوف بعدما رأت الشعوب المتاعب التي يعانيها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وعجز إسرائيل في القضاء على "حزب الله" و"حماس"، بحيث لم تعد الشعوب العربية تخاف الأنظمة أو تتهيب منها. وبالنسبة للولايات المتحدة جاءت الانتفاضات الحالية لتطيح بفكرة خاطئة مفادها أنه يمكن الاعتماد على القادة وإهمال الشعوب، هؤلاء القادة الذين لم يكن يهمهم سوى ترديد ما يقوله الغرب على حساب مصداقيتهم. وكلما أوغلت واشنطن في دعم نظام مبارك كانت تخسر مصر، وأمام هذا الفشل سعى صناع القرار في النظام العربي إلى التركيز على حل الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل كوسيلة لتهدئة الشارع العربي دون أن ينتبهوا إلى أن الرأي العام فقد كل ثقته في عملية السلام وأن جميع المحاولات المبذولة لا تعكس سوى أجندة غربية. ولا بد من التذكير هنا أنه في جميع تجارب الانتقال من نظام إلى آخر، كما تشهد بعض الدول العربية حالياً، فإن ما يبرز هو رغبة في تحقيق الذات وإعادة فرضها، بحيث يتعين على الحكومات الاستجابة إلى تلك الرغبات الشعبية التي تجد تعبيرها اليوم في تركيا أكثر مما تجدها في مصر. وإذا كان العالم العربي عانى لعقود طويلة من استنزاف سيادته وحريته وشعوره بالفخر والأهم من ذلك استنزاف السياسة، فإننا اليوم نشهد عودة مرة أخرى إلى السياسة التي تنتقم لنفسها بعد تغييب قسري دام طويلاً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©