الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسـا··· هل توقف غرامها بالثـورات؟

فرنسـا··· هل توقف غرامها بالثـورات؟
26 نوفمبر 2007 22:12
لما يزيد عن أسبوع، تعرضت فرنسا للشلل بسبب موجة من الإضرابات ضد الإصلاحات الاقتصادية للرئيس ''نيكولا ساركوزي'' وهي إضرابات شاركت فيها القوى التقليدية التي تثير القلاقل في فرنسا عادة وتشمل عمال النقل العام، والموظفين الحكوميين، والمدرسين، وأطقم التمريض، وأصحاب محلات بيع منتجات التبغ ومراقبي الحركة الجويين، والصيادين، بل وحتى عمال المسارح والأوبرا· لم تتوقف تلك الإضرابات عند ذلك، فقد أغلقت نصف عدد الجامعات الفرنسية -على الأقل- بسببها، كما يتوقع أن يخرج القضاة والمحامون قريبا في مسيرات احتجاجا على بعض المسائل التي تمس مهنتهم· فوضى المرور، ومظاهرات الشوارع، تستدعي ذكريات السنوات الماضية في فرنسا المغرمة دوما بالثورات، غير أن الأمر قد يكون مختلفا هذه المرة؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أن الجمهور الفرنسي كان هو أكثر من عانى من الإضرابات الحالية، فالموظفون الذين يستقلون وسائل المواصلات يوميا إلى أعمالهم، والذين وجدوا أنفسهم في مأزق بعد إضراب عمال النقل، والطلاب الذين ضاعت عليهم فرصة الجلوس لامتحانات الفصل الأول-وفئات أخرى عديدة- لا يشعرون بالإحباط فحسب، بل بالغضب أيضا تجاه هؤلاء الذين يُضرِبون باسم الإيديولوجيا اليسارية، أو يتظاهرون سعيا إلى الحصول على منافع ومزايا خاصة مثل التقاعد، والحصول على معاش كامل في سن الخمسين· قد يكون الجمهور الفرنسي غير واثق من أن ''ساركوزي'' سيتمكن من الوفاء بكافة وعوده الانتخابية، بيد أن الشيء الواضح هذه المرة هي أن هذا الجمهور قد سئم من إضرابات الاتحادات والنقابات، التي تعطل الحركة، وتشل الحياة· بحلول الخميس الماضي، أدركت النقابات أنها تواجه رئيسا عنيدا، وجمهورا ساخطا يقف وراءه، وهو ما جعل نقابات النقل الرئيسية -وخصوصا نقابات السكك الحديدية- تختار العودة إلى العمل، وتخفف بالتالي من مشكلة النقل، مع استمرارها في التفاوض مع الحكومة في نفس الوقت· وعلى الرغم من كل ما يقال عن قوة حركات العمال في فرنسا، فإن نسبة العمال المنظمين في اتحادات في هذا البلد لا يتجاوز 7 في المائة، وهي نسبة تقل عن مثيلتها في الولايات المتحدة· وليست النسبة فقط هي المحدودة، بل إن هذه الشريحة من العمال تعاني انقسامات، والدليل على ذلك أن بعض الاتحادات قد أُجبرت على التبرؤ من أعمال بعض أعضائها، الذين مارسوا أعمال التخريب، وأشعلوا النيران في عربات القطار السريع، مما كان سببا في مزيد من التعطيل لنظام متوقف بالفعل· أما في اتحادات الطلاب، فهناك في الوقت الراهن أقسام من الطلاب تعمل ضد خطة الإضراب التي أعدتها اتحاداتهم، كما يتبين مما تقوله ''جولي كودري'' -رئيسة اتحاد للطلاب كان قد انشق منذ أربع سنوات عن اتحاد طلاب عموم فرنسا-: ''لا يزال اتحاد الطلاب العام يعيش في ظلال الماضي، ويحاول أن يخوض نفس المعارك الإيديولوجية التي كان يخوضها في ذلك الماضي بترحيلها إلى الحاضر، أما نحن، فنعتقد أن الاتحاد يجب أن يكون ممثلا للجامعات، ليس كما هو الآن، وإنما بالصورة التي يجب أن تكون عليها في المستقبل''، مضيفة قولها: ''يجب علينا أن نكون ذوي خيال خلاق، وأن نعيد اختراع جامعاتنا مجددا، خصوصا ونحن الفرنسيين لا يزال أمامنا طريق طويل يتعين علينا قطعه''· بغطاء الرأس (البيريه) المميز الذي ترتديه، وكنزتها الصوفية ذات القبة العالية الضيقة، تبدو ''كودري'' -28 عاما- المتخصصة في علم الاقتصاد، والمتخرجة من جامعة السوربون التي انطلقت منها التظاهرات الطلابية الشهيرة عام ،1968 وكأنها زعيمة راديكالية للطلاب، ولكنها ليست كذلك في الحقيقة بل هي زعيمة ذات اهتمامات عملية بحتة تجاه زملائها، وتريد من الجامعات الفرنسية أن تعمل على إعدادهم بطريقة تضمن لهم مكانا في دنيا الاحتراف والتخصص· وتكره ''كودري'' إلقاء الزجاجات المملوءة بالسوائل الحارقة على تحصينات رجال الشرطة، وتفضل بدلا من ذلك عقد لقاءات مع المسؤولين لمحاولة إيجاد حلول للمشكلات، وتقول إنها ستجري لقـــاء خلال هذا الأسبوع مـــع وزير التعليم العالي الفرنسي ''فاليري بيكريس'' الذي طلب الاجتمـــاع بعدد من ممثلي الطــلاب كي يحثهم على عدم الانضمام للاحتجاجات التي سينظمها عمال النقل والموظفون العموميون· وهذه الرغبة لا تقتصر على وزير التعليم العالي وحده، بل إننا نجد أن الرئيس ''ساركوزي'' نفسه أعلن عن استعداده للالتقاء والتفاوض مع رؤساء الاتحادات المختلفة، بل وذهب إلى حد تناول الغداء على مائدتهم؛ ولكنه أوضح لهؤلاء الزعماء مع ذلك أنه على رأيه القائل بأن العامل يجب أن يدفع نصيبه في اشتراكات التقاعد لمدة 40 عاما على الأقل قبل أن يطالب بالحصول على معاش كامل؛ بيد أنه كان حريصا على التأكيد لهم أن ذلك لا يعني أنه راغب في الدخول في مواجهة معهم، وأنه يرغب في الحقيقة أن ينهي مشكلة الإضرابات والتظاهرات على قاعدة ''لا غالب ولا مغلوب''· وظهور ''ساركوزي'' بمظهر الرئيس المرن المستعد للتفاوض، أكسبه تعاطفا ودعما شعبيا واسعا، حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو ما اعتبره المراقبون تعزيزا للتفويض بإجراء إصلاحات واسعة، الذي منحه إياه الناخبون في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعني أن الإضرابات الأخيرة قد عززت موقفه بدلا من أن تضعفه كما كانت تهدف الاتحادات والنقابات· جيرالدين باوم محررة الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©