الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ثنائية كييف»... وأبعاد الصراع اللغوي في أوكرانيا

«ثنائية كييف»... وأبعاد الصراع اللغوي في أوكرانيا
19 مارس 2010 22:36
فريد واير كييف تعتبر اللغة الأوكرانية لغة رسمية في هذه الجمهورية السوفييتية السابقة. غير أن واحداً بين كل ثلاثة من المواطنين يتحدث الروسية باعتبارها لغته الأم. وهذا ما يصفه الأوكرانيون بـ"ثنائية كييف". وعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الأخيرة احتج مؤيدو رئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموشنكو -التي نحيت من عضويتها في البرلمان للتو- أمام إحدى محاكم كييف، على النتائج المعلنة، واصفين إياها بالغش والتزوير وعدم النزاهة. يذكر أن "تيموشنكو" تتباهى كثيراً بدعوتها لأن تكون الأوكرانية اللغة الأولى لوطنها، قبل اللغة الروسية. وعلى مستوى التعامل اليومي، تعمل "ثنائية كييف" المذكورة كما يلي: يلتقي مواطنان من مواطني الجمهورية، فيبدأ أحدهما الحديث بلغته الأوكرانية الأم، ثم يرد عليه الآخر بالروسية، وتنتقل الأدوار اللغوية بين المتحدثين بكلتا اللغتين بلا توقف ودون أدنى حساسية. وما لم يصغ المستمع جيداً إلى ما يدور من حديث، فسوف يصعب عليه جداً الانتباه إلى أن الحوار يدور في لغتين مختلفتين عن بعضهما أشد الاختلاف. والحقيقة أن هذه "الثنائية" تمثل واقعاً يومياً تؤكده حوارات وأحاديث المارة في أي من شوارع العاصمة كييف، والمناطق الوسطى من أوكرانيا. ولكنك كلما اتجهت غرباً، كلما اكتشفت أن الأوكرانية هي اللغة الوحيدة التي يتحدثها المواطنون. أما في شرقي أوكرانيا وجنوبها، فهناك السيادة للغة الروسية وحدها. وإذا ما سألت أياً من سكان كييف عن هذه الثنائية، فسوف تكون الإجابة هزة كتف غير مبالية لهذا التداخل اللغوي بين الروسية والأوكرانية. وإن تبرع أحدهم بالإجابة فلن يقول لك أكثر من كونها وسيلة للتعامل اليومي بين سكان العاصمة. ولكن هل يسود التصالح اللغوي البسيط هذا نفسه بين الساسة الأوكرانيين؟ ليس الأمر كذلك إذ تعد اللغة إحدى أشد القضايا التي تحدث الصدوع في الساحة السياسية الأوكرانية. فبينما ينص الدستور على كون اللغة الأوكرانية لغة رسمية للدولة، فإنك تجد على الصعيد الديموغرافي أن واحداً بين كل ثلاثة أوكرانيين يتحدث الروسية باعتبارها لغة أصلية له، بينما يقول نصف الأوكرانيين إن الروسية هي لغتهم الأولى. وعلى أساس هذا الانقسام اللغوي، نهض الساسة ليدافع كل واحد منهم عن سيادة إحدى اللغتين على الأخرى. يذكر أن الرئيس السابق، فيكتور يوشنكو كان أكثر ميلاً لوجهة النظر الوطنية، بينما سلخه بالانتقادات خصومه من الجماعات المتحدثة للغة الروسية، بسبب إصداره أوامر رئاسية نصت على أن تكون الأوكرانية اللغة الوحيدة المستخدمة في المحاكم ومؤسسات الدولة والأوساط التعليمية. تعبيراً منه عن هذا الانحياز، لطالما أصر يوشنكو على الحوار مع مسؤولي الكريملن، أثناء زياراته الرسمية لموسكو، عبر مترجم بين اللغة الأوكرانية التي يتحدث بها، والروسية التي يتحدث بها مسؤولو الكريملن، على رغم أنه يتحدث الروسية بطلاقة تامة. لكن وعلى إثر انتخاب الرئيس الجديد، فيكتور يانوكوفيتش، المنحدر من شرق أوكرانيا حيث تسود اللغة الروسية، فربما يختلف الوسيط اللغوي في تعامل الأخير مع موسكو. ويشير حديث يانكوفيتش العلني بلغته الأم، مؤشراً على ما ستمضي إليه الأمور في ظل الإدارة الجديدة. ذلك ما قاله فلاديمير فايزفسكي -نائب برلماني، ينتمي إلى "حركة وطننا أوكرانيا" التي يقودها يوشنكو- واستطرد المتحدث إلى القول: إن من المريع أن نتصور ليس إساءة معاملة الرئيس الجديد للغة الأوكرانية وحدها، بل كذلك إساءة معاملته للثقافة الأوكرانية وتاريخها في المستقبل القريب. من جانبهم يزعم الدعاة الوطنيون الأوكرانيون أن الحل بسيط جداً لهذا النزاع اللغوي: فعلى كل من يريد الإقامة هنا، أن يتحدث لغة البلد الأصلية. عن هؤلاء تحدث "بافلو موفشان"، رئيس مجموعة "بروسفيتا"، وهي جماعة قاعدة ناشطة مؤيدة للنزعة الوطنية الأوكرانية: فنحن نريد أن ننشئ أمة واحدة متجانسة، وهذا يعني أن علينا أن نتحدث لغة واحدة مشتركة، هي الأوكرانية، لغة الدولة الرسمية. وعندما تولى الرئيس السابق "يوشنكو" مهامه الرئاسية، كانت نسبة 60 في المئة من البرامج التلفزيونية تبث باللغة الروسية، مقابل نسبة 40 في المئة من البرامج المبثوثة بالأوكرانية. لكن وبعد مضي خمس سنوات من سياسات "الأكرنة" المكثفة، انقلبت تلك النسب لصالح اللغة الأوكرانية، على حد قول الخبراء الأوكرانيين. وعلى رغم ذلك، فإن استطلاعاً سريعاً للرأي العام في محال بيع الصحف والمجلات والكتب، يكشف أن مبيعات هذه المطبوعات المنشورة باللغة الروسية، يفوق مبيعات المطبوعات الأوكرانية بفارق كبير لا يقارن. من جانبهم يجادل الناشطون المدافعون عن اللغة الروسية بالقول إن أوكرانيا لا يمكن أن تنطبق عليها سياسات الدول التي تطبق نظام الأحادية اللغوية، لأن المتحدثين بالروسية، شركاء أصيلون في تأسيس الجمهورية، وليسوا وافدين أو دخيلين عليها من الخارج. هذا ما أكدته" لودميلا كايدريافتسيفا" بقولها: لقد عاش أسلافي هنا في أوكرانيا منذ القرن الثامن عشر، وظللنا نتحدث اللغة الروسية دائماً، مع العلم أن المتحدثة تعمل أستاذة للغويات بجامعة شفيشنكو في العاصمة كييف. وذكرت المتحدثة أنها صوتت لصالح استقلال أوكرانيا في الاستفتاء العام الذي أجري في عام 1991، والذي أيدته نسبة تزيد على 90 في المئة من السكان، ليضع بذلك الأساس القانوني لاستقلال أوكرانيا من الاتحاد السوفييتي. ومضت البروفيسور إلى القول: "فعندما صوتنا لصالح الاستقلال، لم يحدثنا أحد بأننا سوف نرغم على تغيير هويتنا الثقافية القديمة فيما بعد، أو أنه يتعين علينا الكف عن تعليم لغتنا الأم لأبنائنا وبناتنا، أو نتحدث لغة أخرى غير اللغة التي نشأنا عليها. فلم تكن هذه الشروط القسرية الجديدة جزءاً من الصفقة التي صوتنا لصالحها وأيدناها". هذا ويريد الناشطون المتحدثون للغة الروسية أن يجعلوا من لغتهم لغة رسمية ثانية مستندين في ذلك إلى تجارب دول أخرى ذات ثنائية لغوية مثل كندا وسويسرا والهند. فعلينا تبني سياسات كهذه بدلاً من التمييز غير المبرر ضد المتحدثين للغة الروسية بين المواطنين الأوكرانيين، إذ كثيراً ما يتهم من يتحدث الروسية في ولائه الوطني لأوكرانيا. فهذه نظرة سلبية يجب تجاوزها في دولة ظلت تتحدث بلغتين عبر تاريخها الطويل. هذا هو رأي "روسلان بتورتنك"، نائب رئيس مجموعة "أوكرانيا الروسية"، وهي جماعة ناشطة تدعو للتعايش بين اللغتين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©