الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التطلع إلى البعيد (1/4)

التطلع إلى البعيد (1/4)
28 نوفمبر 2007 21:20
تمثل سيرة جياتري جاكروفورتي سبيفاك مثالاً معبّراً عن مشروعها المميّز في الاهتمام بالآخر وثقافتها المحلية· فقد ولدت في عائلة من الطبقة الوسطى بكالكوتا سنة ·1942 والتحقت بجامعة كالكوتا سنة ،1957 وتخرجت في الجامعة سنة 1959 بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى في اللغة الإنجليزية· وهنا يمكن أن يشار إلى أن دراستها في الهند كانت البذرة الأولى في التعرف على الآخر بصورة ممنهجة· ورغم وجودها في الهند إلا أن البيئة المحلية لم تكن عائقاً أمام تطلعها إلى الآخر، فهل كانت منذ تلك اللحظة تقارن بين حضورها بوصفها هندية سمراء تنتمي إلى العالم الثالث، وبين حضور الآخر الأبيض الأوروبي الذي ينتمي إلى العالم الأول؟! وانتقلت إلى أميركا في سنة،1961 لتدرس الأدب المقارن في جامعة َُْمٌٌ، حيث أنهت الماجستير في الإنجليزية سنة ،1962 ثم أتمت الدكتوراة سنة ،1967 وقد أشرف على أطروحتها التفكيكي الشهير بول دي مان· ويبدو أن اهتمامها ظل مشغولاً بالآخر، فرغم وجودها في أميركا، إلا أنها لم تعمل على الثقافة الهندية في أطروحتها، أو حتى لم تحاول اكتشاف أفق معرفي صارم يربطها بثقافتها الهندية، وإنما كانت تثابر في التعرف على الآخر وكأنها تحاول أن تتجاوز الجغرافيا المقيدة للمثقف، ويتجلى نزوعها هذا في التخصص الذي اختارته: الأدب المقارن، ثم إن تعرفها على بول دي مان الألماني المهاجر إلى الولايات المتحدة، عزّز لديها فتنة اكتشاف الآخر، فبول دي مان ألماني يدرّس في أميركا، ويشرف على أطروحة سبيفاك، وهذه الحالة تدفعها إلى أن تتأمل وضعيتها الحياتية، فهي هندية، تدرس أدب الآخر في أميركا على يدي ألماني أميركي، وتهتم بالأدب الفرنسي· ولعل إشراف بول دي مان على أطروحتها دفعها إلى أن تتقبل النموذج التفكيكي ليكون واحداً من أدواتها الرئيسية في التحليل· دخلت سبيفاك إلى النظرية الأدبية عن طريق ترجمتها كتاب ''علم الكتابة'' لدريدا من الفرنسية إلى الإنجليزية سنة 1976 أي بعد عشر سنوات من تأليفه، وقد أعدت للكتاب مقدمة عميقة جداً، وهنا لابد أن يلاحظ القارئ أنها على الرغم من أنها هندية إلا أنها تسعى جاهدة إلى التعرف على الثقافة الفرنسية وهي تعيش في بيئة أميركية، ولم يكن وجودها في أميركا محصوراً في الاهتمام بالثقافة الأميركية أو الثقافة الهندية، وإنما سعت لتنقل الثقافة الفرنسية إلى الثقافة الأميركية عبر الترجمة، ثم مضت جاهدة في تطوير نظرية التفكيك لتستخدمها في تحليل الثقافة الهندية، ولذلك فهي تعطي مثالاً مهماً للمثقف في القرن العشرين الذي يقع بين عدة ثقافات، ويحاول خلق ثقافته المميزة، ويجهد في أن يكون مؤثراً في الثقافة الدخيلة عليه، ولذلك فإن تشبيهها بقرادة الخيل تشبيه في محله، فدخولها في النظرية الأدبية الغربية يشبه صنيع القرادة التي تقع على ظهر الخيل، لا لكي تقتله، وإنما لتزيد حركته وهيجانه، فهي مشاكسة للنظرية الأدبية الغربية بأسئلتها التي تعبر عن ثقافتها المحلية، وعن إصرارها بأن تكون ممثلة نساء العالم الثالث في قراءتها لأفكار الآخر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©