السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنسليم كيفر يدين العالم بمنجزه البصري

أنسليم كيفر يدين العالم بمنجزه البصري
28 نوفمبر 2007 21:28
يذكرنا أنسليم كيفر عبر منجزه المعقد والبسيط، وما حمله على عاتق تجربته الإبداعية بما أثاره كولن ولسن حول مصير الإنسان وعالمه في كتابه ''سقوط الحضارة''، من أن ''الإنسان هو من يقدم للحضارة مقومات وجودها وتساميها وهو من يقدم معطيات اندحارها''· وحده الإنسان من يساهم في قيام الحضارات وسقوطها ووحده المسؤول عن انحسار المعطيات الفاضلة في الوجود· يلجأ الفنان في إنتاج أعماله، وهي نوع من التجهيز المعقدة لإدانة العالم، والتذكير بنهايته المحققة ما دام معصوب العينين، ويأتي ذلك التذكير عبر رموز مألوفة وإشارات واضحة تنطوي على عامل المفاجأة والتغريب من خلال امتلاكها للأضداد، مؤكداً البنية الصادمة عبر استخدامه الحجوم العملاقة لاعماله المتمثلة بركام وخردوات لأشياء محببة في حضورها الأول المعافى، ممثلة التسامي والصعود والعلو مثل السلالم والطائرات والمكتبات بكتبها والتي تنتهي أخيرا لديه على هيئات بائدة أو فتات لعالم ممسوخ مهترئ وركام من عالم منسي مهجور أشبه بما تتركه الحروب في المدن المهجورة والأراضي الحرم، حطام السلالم والسقوف والطائرات الهامدة وقد نمت عليها الطحالب والأعشاب ومجلدات الكتب التي صدئ معدنها والتحمت مدوناتها بعد أن دارت عليها حياة قاسية وفتاكة بعيدا عن الإنسان الغائب·· سيد كل هذا الخراب· وأعمال كيفر نتاج مزواجات مركبة ومعقدة بين استخدام الصورة الفوتوغرافية والألوان المختلفة (الاكريلك، المائية الزيت، الفحم والحبر) فضلاً عن استخدامه للهياكل المعدنية والفولاذية والأسلاك والعجائن والأقمشة والشمع وغيرها من المواد والمفردات، ألا انه يوحد كل هذه الخامات والوسائط في سبيل هدف واحد، مشيراً إلى عالم متفسخ مهيب يسعى له الإنسان طوعاً إن استخدام انسليم كيفر لاشكال بحجوم عملاقة كهياكل الطائرات المصنوعة بحجوم مشابهة للحجم الحقيقي لتربض كنمور جريحة، واستخدام كتب ضخمة وسلالم محطمة من الاسمنت يعد تكريساً لعامل الضغط النفسي والتعبيري في العمل ومفاهيمه وتعضيداً لفعل التلقي وغاياته مكثفاً المعنى عبر الأجسام العملاقة ذات الألوان الكالحة والمغبرة والتي تأتي إليك بعالم من تركات الحروب لتحاصرك عبر حيازتها أوسع مجال ممكن من الفضاء وعلاقته بالعمل وبالمتلقي سعياً لتكثيف لحظة التلقي· إن إقصاء الإنسان واضح وجلي في التجربة وفق ذلك الإقصاء الإرادي الذي تم برغبة من الإنسان ذاته وبدافع من الجنون المتمثل بأطماع الإنسان وغيابه عن الحكمة والورع الإنساني محققاً غيابه المفاجئ وهو ما تؤكده الأعمال فالإنسان غائب مندحر عبر خرائب وحطام وهشيم الحياة والتي سيطول أمده نظراً لعلاقة الكائنات المسالمة مع هذا الخراب مثل النباتات مذكراً في أن الإنسان أول الخاسرين فهو صانع كل هذا الخراب· قبل موت هتلر بشهرين عام 1945 ولد الفنان أنسليم كيفر في ألمانيا، حيث عاش طفولته تحت تركات النازية وهزائم ألمانيا وانكساراتها، وظروف الفقر والحزن في بلاده· وبنزعته الألمانية التي يختلط فيها النزق بالكياسة في آن واحد آثر أن يكون واحداً من فناني ألمانيا العظام ومقارنة بأسلافه قادة التعبيرية ترك كيفر بلاده متجهاً إلى باريس أرض الفن والشهرة والأمجاد· ويعد أنسليم كيفر اليوم واحداً من أهم الفنانين في العالم، ممثلاً ظاهرة تتداولها الصحف والمطبوعات والمواقع باعتباره واحداً من أعلام الثقافة المعاصرة مقارنة بغونتر غراس وغابرييل غارسيا ماركيز في الأدب، كما تسعى كل صالات الفن والمتاحف لاقتناء احد من أعماله الفذة·· إن البنية الجليلة لنتاج هذا الفنان عبر هيبتها لا تخلو من بنية جمالية توفرها العلاقات اللونية وتوصيفات الخامة وما يأتي على العمل من دراسة دقيقة عبر تدبر وتأمل يشابه ما يحتاجه المتلقي من التدبر في قراءة العمل ليتمكن من استيعابه بشكل دقيق··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©