الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جيتوهات فرنسا... معضلة تعج بانعدام الأمل

جيتوهات فرنسا... معضلة تعج بانعدام الأمل
28 نوفمبر 2007 23:12
بعد ليلتين من عمليات إطلاق النار وإحراق الممتلكات والسيارات التي شهدتها الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، يخشى المسؤولون الفرنسيون من أن تغرق البلاد مرة أخرى في اضطرابات وأعمال شغب شبيهة بتلك التي عرفتها في عام ·2005 وقد تسبب العنف الذي اندلع، إثر حادثة تصادم دراجة نارية يسوقها مراهقان مع سيارة شرطة أدت إلى مقتلهما، في جرح أكثر من ثمانين ضابط شرطة، بمن فيهم ضابط شرطة أصابه عيار ناري أطلق عليه من بندقية للصيد· وعبر عن هذا التخوف ''باتريك ريبيرو'' -الأمين العام لاتحاد رجال الشرطة في فرنسا، والذي وصف أعمال العنف بحرب عصابات تجري في المدن- قائلا: ''لقد تم تجاوز خط أحمر أمس عندما استخدمت الأسلحة النارية''· وأكــد المســؤول النقابي لإحدى المحطـــات الإذاعية، أن الوضع الآن ''أسوأ بكثير بالمقارنة مع ''2005؛ لكن مراقبين آخرين نبهوا إلى أن أعمال الشغب التي شهدها اليومان الماضيان ليست سوى أعراض جانبية لسياسة فرنسا العامة التي تركز على إنفاذ القانون وحفظ النظام على حساب العلاقات بين الشرطة والمجتمع· يلاحظ منتقدو هذه السياسة تفشي نوع انعدام الثقة بين الشرطة وسكان الأحياء التي يعملون بها، كما أن الضباط الأقل خبرة هم غالباً من يُعينون في المناطق الأكثر حساسية؛ وفي هذا الإطار يقول ''لورو موشيلي'' -عالم اجتماع في باريس والمتخصص في جرائم الأحداث- ''لم تقم الحكومـــة بــأي شيء لتحسين العلاقــات بين الشرطة والشباب في تلك الأحياء''، مضيفاً أنه ''لا يوجد احترام متبـــادل ولا تفاهــم متبــادل، فالشرطة تقوم باعتقال الجانحين لا غير وتعتبر ذلك دورهـــا الوحيد''· وسبق لفرنســـا أن شهــدت قبل سنتين أعمالا مشابهة تخللتها عمليات حرق واسعة وتهشيم للمحلات والسيارات، كما ألقى المتظاهرون عبوات حارقة على رجال الشرطة· كانت تلك الأسابيع الثلاثة من أعمال الشغب -التي أججتها حادثة موت شابين إثر تعرضهما لصعق كهربائي والاعتقاد بأن الشرطة كانت تطاردهما- أحد أسوأ الاضطرابات الحضرية التي شهدتها فرنسا منذ عقود؛ وما أن هــدأت أعمال العنف قبل سنتين حتى تناسلت التفسيرات السوسيولوجية والاقتصادية لتوضيح ما جرى في مشاريع الإسكان العام التي تطوق العديد من المدن الفرنسية الكبرى، والتي تُعرف في اللغة الرسمية ''بالمناطق الحضرية الحساسة''، وينظر إليها عامة على أنها جيتوهات تعج بالمشاكل الاجتماعية وانعدام الأمل· ويشتكي المراقبون من ارتفاع نسبة البطالة بين قاطني تلك الأحياء، وظروف السكن المكتظة، فضلا عن فشل المهاجرين الأفارقة والعرب في الاندماج في المجتمع الفرنسي· وبين ألحداث الشغب التي شهدتها الضواحي قبل عامين في فرنسا وتلـــك التي اندلعت قبل يومين لا يرى الخبير في القانون الجنائي، ''سيباستيان روش'' أي تغيير حقيقي في السياســات الفرنسية العامة؛ ويوضح ''روش'' ذلك بقوله: ''مازالت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الضواحي هي نفسها، كما أننا لا نملك أي سياسة لمعالجة المشاكل ووضع حد للتمييز ضد شباب الضواحي''· وأضاف ''سيباستيان روش'' -في مقابلة إذاعية- ''لا تتوفر الشرطة على المهارات المطلوبة للتعامل مع سكان الضواحي، ولا تعرفهم جيدا، لذا تخرج الأمور عن السيطرة في الكثير من الأحيان''· وقد اشتكى سكان الضواحي مراراً من أن الاتصال الوحيد الذي يكون لهم مع رجال الشرطة هو عندما تحصل جريمة؛ ويعيب سكان الضواحي على الشرطة الطريقة التي يتعامل بها أفرادها مع أبنائهم، حيث ينظر إليهم كمجرمين ويتعرضون للتحرش الدائم من قبل الشرطة كإيقافهم في الشوارع والتأكد المتكرر من هوياتهم· ولمعالجة القصور الواضح في علاقة الشرطة بسكان الضواحي اقترح العديد من الخبراء الاعتماد على الشرطة الميدانية التي تعرف المنطقة؛ وفي هذا الإطار أكد عالم الاجتماع، ''لورو موشيلي''، أنه من الأفضل ''نشر شرطة الأحياء لأنها تعرف المنطقة أكثر، بل يعرفون السكان بأسمائهم ويلامسون المشاكل اليومية للمواطنين في الضواحي، وعند حدوث مشاكل كبرى تستطيع شرطة الأحياء السيطرة على الوضع قبل استفحاله''· لكن جرت العادة في فرنسا، حسب لوائحها الإدارية وقوانين الخدمة المدنية بها، أن يُعين الموظفون الجدد، بمن فيهم الشرطة والمدرسون والأطباء والقضاة، في المناطق البعيدة· ولا يُعفى من هذه القاعدة سوى الذين يحرزون على نقاط مرتفعة في امتحانات التوظيف، حيث يمنحون فرصة اختيار المدينة التي يرغبون العمل فيها· وبالنسبة للذين ينتهي بهم الأمر بعيداً عن مدنهم عادة ما يكونون ضباطاً حديثي التخرج· ويقول ''لورو موشيلي'' في هذا السياق ''إنه أول عمل لهم، وغالباً ما يأتون من مناطق بعيدة لذا يتملكهم الخوف وأحياناً الارتباك في أداء مهامهم ويعجزون عن التعامل مع السكان''· وقد أطلع سكان ''فيليي لو بال''، الضاحية الباريسية التي شهدت أعمال العنف في اليومين الأخيرين، الصحفيين أن الشغب اندلع بعدما اتهم الناس الشرطة بالتسبب في مقتل مراهقين يبلغان 15 و16 سنة من العمر· وطالب أهالي القتيلين بفتح تحقيق قضائي نزيه لمعرفة ملابسات الحادث، لكنهم في الوقت نفسه طالبوا بالتزام الهدوء والكف عن أعمال العنف· يذكر أن الرئيس ''ساركوزي'' -الذي كان وزيرا للداخلية في العام 2005 عندما اندلعت أعمال الشغب الكبرى في فرنسا- شن حملته الرئاسية على أساس تشديد العقوبات ضد جرائم الأحداث، لكن هذه المرة تصادفت أعمال العنف الأخيرة مع تواجد الرئيس في زيارة إلى الصين، حيث تعهد فور رجوعه بعيادة أفراد الشرطة المصابين في المستشفيات، كما وجه دعوة إلى أولياء المراهقين القتيلين لزيارة قصر الإليزيه· سوزان ساش-باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©