السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حاتم الطائي.. أكرم العرب

حاتم الطائي.. أكرم العرب
18 فبراير 2013 16:49
ليس هناك أبلغ من وصف ابنته سفّانة التي أطلق الرسول «صلى الله عليه وسلم» سراحها، إكراماً له، عندما تم أسرها بعد غزو المسلمين لبلادها التي تقع عند جبلي أجأ وسلمى (منطقة حائل حالياً.. في تلك المنطقة كانت مضارب قبيلة طي).. أما الرجل المقصود هنا فهو حاتم الطائي الذي اشتهر بأكرم العرب. الدكتور عارف الكنعاني ولعل ما قالته سفّانة بنت حاتم الطائي للرسول خير ما يمكن أن يلخص حياة ذلك الرجل العظيم الذي سنتناوله اليوم من حيث كونه شاعراً لا كونه المثل الأعلى لمكارم الأخلاق قبل الإسلام: ? يا محمد.. إن رأيت أن تخلّي عني فلا تشمّت بي أحياء العرب.. فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفكُّ العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرّج المكروب ويفشي السلام ويطعم الطعام ولم يرد طالب حاجة قط.. أنا ابنة حاتم الطائي. فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): هذه صفة المؤمن حقاً.. لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه.. خلوّا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.. والله يحب مكارم الأخلاق. من هو ذلك الرجل ومتى وُلد.. وفي أي زمن عاش؟ هو حاتم بن عبدالله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم الطائي.. وكان يكنى بأبي عدي وأبي سفّانة وعدي هو ابنه.. وسفانة هي ابنته وقد أدركا الإسلام وأسلما. تاريخ ميلاده يرجع إلى حوالي 46 قبل الهجرة.. وهذا التاريخ مجرد تاريخ استنتاجي.. ووضع بناء على روايات أكدت أنه كان في شبابه على علاقة ومعرفة بشعراء مثل عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني والحطيئة وغيرهم. تقول إحدى الروايات.. مرّ عليه ذات ليلة كل من الشاعر عبيد وبشر بن أبي خازم والنابغة فنحر لهم ثلاثة من إبله وهو يجهل من هم.. وعندما عرفهم أعطاهم كل الإبل ولم يبق لديه إلا جاريته وفرسه. توفي حاتم الطائي عام 605 ميلادية ولم يدرك الإسلام.. وتشير بعض الدراسات إلى أن حاتم الطائم كان يعتنق المسيحية.. وتؤكد بعض القصائد التي بقيت من شعره أنه كان يؤمن بالله الواحد والرحمن.. ومن هذه الأبيات: كُلوا اليومَ مِن رزقِ الإلهِ وأيْسِرُوا فإنَّ على الرحمنِ رِزقكُمُ غَدا أخذ حاتم من قبيلته طي اسمه وأخذت منه شهرتها.. سخاء متوارث تذكر المراجع أن أمه عنبة أو عتبة أو غنية بنت عفيف كانت من أكثر الناس سخاءً وجوداً.. ولعلها هي التي أورثت ابنها حاتماً صفات وسجايا الجود.. وحتى الشعر.. فلقد كانت شاعرة أيضاً ومن شعرها الذي وصل إلينا قولها: لعمري لقدمـاً عضّـني الجـوعُ عضّـةً فآليـــتُ ألاّ أمنـــعَ الدّهــــر جائعــــا فقـولا لهـذا اللائمـي اليـومَ: أعْفني فإن أنتَ لمْ تفعَـلْ فَعُـضّ الأصابعـا فمـاذا عســاكُمْ أنْ تقولــوا لأختِكُـمْ سوى عذلِكم أو عـذلِ مَن كانَ مانَعـا ومــاذا تــرون اليـــــومَ إلا طبيعَــــةً فكيـف بتركــي يا ابــنَ أُمّ الطبائعَــا ولعل عامل الوراثة هذا لم يكن بين حاتم وأمه فقط بل امتد منه إلى ابنته سفّانة التي سبق لنا ذكرها. فقد ذكر ابن الكلبي أن أباها كان يعطيها مجموعة إثر مجموعة من إبله فتهبها كلها وتجود بها على الناس.. وفي ذات يوم. ? سفّانة يا ابنتي إن القرينين إذا اجتمعا معاً في المال أتلفاه. ? ما تقصد يا أبي؟ ? أقصد أن تختاري واحدة من اثنين.. إما أن أعطي وتمسكي وإما أن أمسك وتعطي.. وإلا فلن يتبق لنا شيء. ? أنا أمسك.. والله لن يكون يا أبي.. أنا سفّانة ابنة حاتم الطائي.. ابنة أجود وأكرم رجال العرب.. لا يمكن أن أمسك أو أقبض يدي في وجه أي سائل يا أبي. ? وبما أنه من المستحيل أن يمسك أبوك حاتم.. فما هو الحل؟ ? الحل هو الفراق.. لابد أن أقيم في مكان آخر.. هذا هو الحل الوحيد. فكر حاتم بما اقترحته ابنته سفّانة وتأكد أنه لا حل غير هذا.. فقاسمها ماله.. وافترقا. أثر المرأة من خلال استقراء بعض فصول حياة هذا الشاعر الماجد الكريم حاتم الطائي.. وجدنا أن ثلاث نساء أثرن في شعره وحياته: أمه وزوجته وابنته. أما زوجته ماوية ابنة عفزر.. وهي وإن لم تكن شاعرة إلا أنها كانت زوجة محبة لحاتم وقد حاولت أن تردعه عن تلك الأفعال التي كان يقوم بها فيترك زوجته وأولادها بالجوع ليقري الضيوف ويجود على المحتاجين بكل ما يملك.. لا يترك شيئاً للغد.. حيث كان يرى أن رزق الغد يأتي معه.. ولما لم تُجدِ كل محاولاتها قامت بطلاقه.. وكانت عادة الطلاق في الجاهلية أن تقوم الزوجة التي تعلن هي الطلاق بتغيير باب الخباء الذي تسكن فيه من الجهة الشرقية إلى الجهة الغربية. وما كادت ماوية زوجة حاتم تفعل ذلك، حتى نزل بباب خبائها خمسون رجلاً يطلبون القرى.. فلم تجد بداً ورغم أنها من طلقت حاتم أن ترسل جاريتها لتقول له: ? إن ماوية تقرئك السلام. ? سلام الله عليها.. هل من حاجة لها فأقضيها؟ ? هي لا تحتاج إلى شيء.. ولكن أضيافك. ? أضيافي أنا؟ ? نعم نزل بنا الليلة أكثر من خمسين رجلاً.. لم يكونوا على علم بأمر الطلاق بينك وبينها.. فهل لك. ? نعم.. وأبي.. أنالها. كان يمكنه أن يرسل ناقة أو اثنين لماوية لإكرام الضيوف.. ولكنه أبى إلا أن يفعل ذلك بنفسه.. أطلق اثنين من إبله من عقالهما وساقهما أمامه وذبحهما.. وبدأ يشرف بنفسه على إعداد الطعام. ورأت ماوية كل ذلك.. فقالت بحسرة: ? هذا الذي طلقتك من أجله.. تترك أولادك وليس لهم شيء لتكرم ضيوفك.. وتجود على سائليك. ولم يكن حاتم الطائي يقوم بأفعال الجود والكرم ليذكره الناس ويكسب المجد في حياته.. بل كان يفعل ذلك ابتغاء وجه الله؛ فهو القائل: فلـو كان ما يُعطــي ريـاءً لَأَمْسَكَــتْ بــه جنبـــاتُ اللّـــوم يَجْذِبْنَــهُ جَذْبَــا ولكنّمـــا يبغـــي بـــه اللــهَ وحــدَهُ فأعطِ فقَدْ أربحت في البيعَة الكسبا ولم يكن حاتم كريماً في عطاء يده فحسب.. بل تجسد كرمه في سلوكه وأخلاقه فهو عفيف طاهر، يدعو إلى مكارم الأخلاق. وحتى عندما يفتخر بنفسه فإنه يركز على هذه المعاني.. لا على جبروته وقوته وحدة سيفه وقوة بأسه.. يقول حاتم: كريــــمٌ لا أبيـــــتُ الليـــــلَ جــــادٍ أُعــــدِّدُ بالأنامـــــــــلِ ما رزيــــــتُ إذا مـا بِــــتُّ أشــــــربُ فــــوقَ ريّ لِسُـــكر فــي الشــــرابِ، فلا رويــتُ إذا مـا بِـــتُّ أختـــلُ عــرسَ جـــاري ليخفينــي الظــــلام، فـــلا خفـيــت أأفضــح جارتـــي، وأخـــونُ جـــاري مَعـــاذَ اللـــه أفعَـــــلُ مَا حَيِيـــت لقد أتيح لي أن أتمعن في شعر حاتم الطائي والذي لم يصل إلينا منه الكثير لأكتشف أن من الصفات التي كان فرسان هذه الأمة يحملونها، لم تكن مقتصرة على الجود والكرم والشجاعة والإقدام ونجدة المحتاج ونصرة الحق ومقارعة الظالم والمستبد.. بل كان من هذه الصفات أيضاً أن يكون الفارس شاعراً.. أو أن الشعر ينقاد إلى الفارس لأن الفرسان كانوا يقدسون الكلمة وكانت الكلمة تحييهم وتميتهم. وحكاية قصيدة حاتم الطائي التي سنذكرها اليوم هي حكاية القصيدة التي جعلته يفوز بقلب مارية بنت عفزر.. وتروي الحكايات العديدة التي وصلتنا أن ماوية كانت أشبه بالملكة.. فتتزوج من تشاء هي.. ولا تنتظر أن يخطبها أحد. يروي أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني هذه القصة عما جرى في ذات يوم وفي مجلس الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان. ? ترى ما هي قصة ماوية وحاتم.. لقد سمعتكم تذكرون هذين الإسمين مع الزباء أو زنوبيا.. ولكن لا أعرف شيئاً عن ماوية وحاتم. ? يا أمير المؤمنين.. ماوية بنت عفزر كانت من عائلة ثرية.. وكان لها الحق أن تختار زوجها.. وفي ذات يوم أرسلت إلى كل من الشاعر النبيني والنابغة الذبياني وحاتم الطائي وكان الثلاثة يطمعون بالزواج منها.. فقالت لهم: ليقل كلُّ منكم شعراً يذكر فيه خصاله وفعاله وأفضاله.. وأنا أقرر بعد ذلك.. وأتزوج أكرمكم وأشعركم. وأنشد الثلاثة أمامها.. ففاز حاتم حيث كان الأكرم والأشعر.. ? وماذا قال؟ أَماويَّ! قَدـْ طــال التجنــبُ والهَجــْرُ وقـد عَذَرَتْنـي فـي طِلابكــم العُــذْرُ أَمـــاويَّ! إن المـــالَ غــــادٍ ورائـــحٌ ويبقى من المـالِ الأحاديـثُ والذّكـرُ أَمـــاويَّ! إنــي لا أقــــولُ لســــائلٍ إذا ما جـاء يومـاً، حَلّ فـي مالِنــا نَزْرُ أَمـــاويَّ! إمّـــــا مانــــــحٌ فــــمُبَيِّنٌ وإمّـــا عَطــــاءٌ لا يُنهْنهَــــهُ الزجْــــرُ أَمـاويَّ! ما يُنـي الثــراءُ عَـنِ الفتــى إذا حَشـرَجَتْ نفسٌ وضاقَ بها الصَّدرُ إذا أنـــا دَلاّنــــي الذيــــنَ أُحِبُّهُــــمْ بمَلحُــــودَةٍ زلـــجٍ، جوانبهــــا غُبْــــرُ وراحُــوا عِجَــالاً ينفضـــونَ أكُفَّهُـــمْ يقولـون: قَـدْ دمّــى أنامِلَنــا الحَفــرُ أَمــاويَّ! إن يصبــح صــداي بقفــرَة مِـن الأرضِ، لا مـاءٌ هنــاكَ ولا خمــرُ تَـرَيْ أنّ ما أهلكْـتُ لَـمْ يَـكُ ضَرّنــي وَأنَّ يَـدي ممّـــا بخلْـــتُ بــهِ صِفْـــرُ أَمــــاويَّ! إنـــي رُبَّ واحــــِدِ أُمِّــــه أَجَــرْتُ، فلا قَتْــــلٌ عليــــهِ ولا أَسْــرُ أَمــاويَّ! إنّ المــــالَ مـــالٌ بَذَلتُـــهُ فَأوّلُـــــهُ سُــــــكْرٌ وآخـــــِرُهُ ذِكْــــرُ وَقَــدْ عَلِــمَ الأقــوامُ لَــوْ أنّ حاتِمــاً أرادَ ثـــراءَ المـــالِ، كــانَ لَـــهُ وَفْـــرُ وَإنِّــــي لا آلُــــو بِمــــالٍ صَنيعَـــــة فأوّلُـــــــهُ زادٌ، وآخِــــــرُهُ ذُخْـــــــرُ يُفَـكُّ بــهِ العانــي، ويُؤكــلُ طيّبـــاً ومـــا إنْ تعريــه القــداحُ ولا الخمــرُ وَلا أظلـمُ ابـن العَـمِّ، إن كانَ إخوتـي شـهوداً، وقــد أودى بإخوتـهِ الدهـرُ غنينــاً زمَانــاً بالتصعــــلك والغنــى كما الدهرُ، في أيامهِ العُسْـرُ واليُسْـرُ لَبِسْـنا صــروفَ الدهـرِ لينــاً وغلظــةً وَكُـلاً ســـقَاناهُ بكأْسَـــيْهِما العَصْــرُ فمــا زادنــا بغيـــاً علــى ذي قرابَــةٍ غِنانــا، ولا أزرى بأَحســـــابنا الفَقـــرُ فقِـدْماً عصيـتُ العـازلات وَسُــلّطَتْ عَلَى مُصْطفـى مالي، أناملي العَشرُ وَما ضـَرَّ جـاراً يا ابنَـة القـوم فاعْلمي يُجاورُنـــي، ألاّ يكــــونَ لـــهُ سِــــترُ بِعينـيَّ عـن جَــاراتِ قومــي غَفَلــةٌ وفي السّـَمْعِ مني عن حَديثِهُـمُ وَقرُ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©