الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«رحلة حنظلة».. حلم الكرامة

«رحلة حنظلة».. حلم الكرامة
13 فبراير 2013 21:14
كانت من بين 96 عرضاً مسرحياً عربياً، تقدمت من قبل عديد الفرق المسرحية في أرجاء الوطن العربي الكبير، لدخول المنافسة الرسمية في مهرجان المسرح العربي في دورته الخامسة الذي أقامته الهيئة العربية للمسرح في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة ما بين 10 إلى 15 يناير الماضي. نتحدث عن مسرحية «رحلة حنظلة « للكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونّوس (1941 – 1997)، للمخرج المصري إسلام إمام، والتي لم يحالفها الحظ لدخول المنافسات في هذه التظاهرة المسرحية العربية التي تستحق الاحترام نظراً لما أحدثته من تغييرات في مسيرة المسرح العربي، ولما حققته من نجاحات وبخاصة على مستوى حوار التجارب بين المثقفين والمفكرين والكتاب والفنانين العرب. أحمد علي البحيري ربما تكون معالجة الفنان الشاب إسلام إمام لنص ونّوس غير متكاملة أو في مستوى رؤية وفكر الكاتب، وهذا أمر لا يعيب المهرجان بقدر ما يعيب التجربة الاخراجية والرؤية الجديدة للنص الأصلي. وفي هذا المقام لا ضير من تذكير القارئ بقيمة وجماليات هذه المسرحية التي كتبها ونّوس عام 1988، ويمكن اعتبارها واحدة من أجمل ما في سيرة ومسيرة (ريبوتوار) المسرح السوري بوجه خاص والمسرح العربي بوجه عام. كما تعتبر واحدة من أنضج أعمال مسرح ونّوس، أعمال كبيرة ومختلفة دفعت لجنة جائزة نوبل للآداب- إدارة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم إلى إبلاغ ونّوس بنيله جائزة نوبل للآداب، وذلك عن ترشيح المجمع العلمي بمدينة حلب، ثم أجمعت على صحة الترشيح الأكاديميتان الفرنسية والسورية، ولكن الموت سرقه بعد أيام قليلة من هذا الاعلان، فيما ظلت عديد دور النشر في العالم وفية لجمال موهبته وتميز أسلوبه في الكتابة والتعبير الرصين، بعد أن قام بعضها بترجمة أعماله المسرحية الى اللغات الفرنسية والانجليزية والروسية والالمانية والبولونية والاسبانية. ولكن ربما يكون أروع ما قاله الرجل قبل أن يغيب عن العالم: «إن إحساسي الجنائزي سيتضاعف أكثر وأكثر وأنا على حافة هذه التخوم الرجراجة بين الحياة والموت، أعتقد أن «إسرائيل» سرقت السنوات الجميلة من عمري، وأفسدت على إنسان عاش خمسين عاماً مثلاً، الكثير من الفرح، وأهدرت الكثير من الامكانات». مسرحية ونّوس «رحلة حنظلة» كما نعرفها سواء من محتوى نصّها أو من خلال جملة عروض المسرح العربي التي تناولت موضوعها الذي يحكي عن معاناة مواطن بسيط يمكن أن يكون في أي بلد عربي، يعيش في ظل قيم اجتماعية وسياسية معقدة، تخطف حقّه الشرعي في الحياة الكريمة، كما تخطف أمجاده وهويته وأحلامه ولحظات العزّة التي يصنعها بعرقه وطموحه الانساني، تماماً على نفس الشاكلة والتصوير الذي قدمه رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي لهذه الشخصية المحيرة والمتعبة والجريئة والضحية في آن واحد. وفي التفاصيل حول هذه المسرحية، فهي تنقل لنا حياة رجل يعمل ممثلًا ثانوياً في فرقة مسرحية، ويمتاز عن غيره من ممثلي الفرقة بأنه عاشق لقراءة الكتب، محاولاً من خلال خصوصية هذه الثقافة فهم العالم، بالرغم من فقره والمصاعب والعراقيل التي تواجهه في حياته المهنية والاجتماعية، إذ يتم التحقيق معه في تهمة لم يعرفها، فيما تنتهي التحقيقات بالحكم عليه بالسجن لمدة عام، إلا أنّه يتمكن من رشوة أحد القضاة الفاسدين، والخروج من سجنه، ليجد في النهاية بعد أن فقد عمله ووظيفته: أن الحياة المقيتة المزيفة خارج السجن لا تختلف كثيرا عن داخله، فيما يظل هو طوال الوقت عاجزا عن فهم ما يدور حوله، ما يصعّب حياته، ويجعلها باردة هلامية بلا معنى، مكتشفا في الحد الأقصى أن حل مشكلة حنظلة يكمن في حنظلة نفسه. هذه هي رؤية المسرحية بما تتضمنه من سقف عال لحرية التعبير والتي كتبها واحد من عمالقة كتاب المسرح العربي، الذي قدّم لنا أجمل الروائع المسرحية في إطار هذا الخطاب الفني المتمرد منها : حفلة سمر من أجل 5 حزيران 1968، الجراد 1965، المقهى الزجاجي 1965، الفيل يا ملك الزمان 1969، مغامرة رأس المملوك جابر 1971، بلاد أضيق من الحب 1996 - هي في الواقع مسرحية تحتاج منّا على الدوام الى قراءة مختلفة كلما ألمّ بنا خطب أو تداخلت الظروف لتصنع لنا حدثا عربيا يحتاج الى وقفة أو نظرة فكرية جديدة، هي عمل مسرحي وضع فيها الراحل عصارة جهده ورؤيته العقلانية الرومانسية للواقع العربي الذي نراه جليا واضحا من خلال رؤيته وفكره الريادي في هذه المسرحية الخلاّقة. رحلة حنظلة في المسرح مسرحية رحلة حنظلة التي كتبها ونّوس عام 1978 حاصدة الجوائز، لها مذاق وطعم خاص في مجال الأدب والمسرح، كما شغف بها عديد الكتاب والمثقفين في أرجاء الوطن العربي حينما عملوا فيها إعدادا واقتباسا، نظرا لما تحمله من قيمة فكرية وإنسانية وصنعة مسرحية احترافية وجمالية التشخيص، ولهذا فقد حملت شخصية حنظلة عديد الأسماء والعناوين والشعارات بحجم المشاكل والتحديات على امتداد الوطن العربي الكبير، بل وبحجم الشخصية التي ابتدعها ناجي العلي في إطار يصلح لكل زمان ومكان، فقد قدمت في رؤية جديدة على مسرح وست هول في الجامعة الأميركية ببيروت من إخراج شريف عبد النور تحت اسم (رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة)، كما قدمها أحمد مكّي ضمن منافسات مهرجان المسرح الجامعي بجامعة الاسكندرية، وقد تمّ تصنيفها اصطلاحا ضمن مفهوم مسرح (الكباريه السياسي) وسجلت آخر مشاركة لها في مهرجان المسرح الأردني التاسع عشر العام الماضي، لمصلحة البيت الفني للمسرح ومسرح الطليعة بالقاهرة، من إخراج إسلام إمام، فيما جاءت النسخة اليمنية من خلال المسرح اليمني الوطني في شهر أبريل من العام الماضي، ضمن فعاليات يوم المسرح العالمي، بإعداد جديد للكاتب المسرحي مبخوت نويره، وإخراج كل من: صالح الصالح، نبهان الشامي المثيل، عصام القديمي، وقدمت المسرحية بنجاح كبير على خشبة مسرح المركز الثقافي بالعاصمة اليمنية صنعاء تحت عنوان (رحلة حنظلة البائسة). وقد تصدى المسرح الكويتي لتقديم المسرحية بنفس العنوان من إخراج فؤاد الشطي، الذي نال عنها جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان بغداد المسرحي عام 1985، وقبل ذلك كان قد قدمها جماهيريا على مسرح الدسمة ونالت نجاحا ساحقا. على مستوى مسرح الامارات، فقد قام مسرح دبي الشعبي عام 1988، بالمشاركة فيها بمنافسات مهرجان دمشق المسرحي في دورته الحادية عشرة، وأخرج المسرحية آنذاك الكاتب والاعلامي والمخرج العراقي عبد الاله عبد القادر، الذي كرّمته حكومة الشارقة عام 2004 باعتباره واحدا من رواد الحركة المسرحية في الدولة، وفي ذات السياق قام الممثل والمخرج الاماراتي (محمد سعيد السلطي- مواليد عام 1962)، بإخراج المسرحية عام 1987 من إعداده، وحظيت بنجاح مميز. لكن ربما تكون النسخة المغربية لرحلة حنظلة عربيا، أكثر نضوجا ووعيا برسالة ونّوس التحريضية على المستوى الانتقادي والاسقاطي، بعد أن قدمت في 26 مارس من العام الماضي في فعاليات الدورة الأولى للملتقى المسرحي لجمعية محترف فاس لفنون العرض، من إخراج الخمّار المريني. أما المسرح الأردني فلم يكن بعيدا هو الآخر عن تناول تجربة سعد الله ونوس برؤية جديدة من إعداد وإخراج الدكتور فراس الريموني، وعرضت على خشبة مسرح المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمّان لمصلحة فرقة طقوس المسرحية، فيما قدمتها (فرقة آفاتار المسرحية) برؤية خاصة للمخرج أحمد جرادات، الذي قدّمها للجمهور عام 2011 من إنتاج الدائرة الثقافية بأمانة عمان الكبرى. أما الممثل السوري أيمن زيدان، الذي كانت له تجربة مسرحية غنية من خلال إخراجه لجملة ممتازة من المسرحيات من بينها على سبيل المثال: سيدي الجنرال- 2005، بإعداد جديد للكاتب محمود الجعفوري عن نص العائلة توت، للكاتب الهنغاري أسطفان أوركيني، ومسرحية حكاية بلا نهاية، والتي شارك بها في مجال التمثيل عام 1985، من إخراج الفنان الكبير أسعد فضّة، فقد قدّم مسرحية رحلة حنظلة للمسرح السوري عام 1988، ضمن نشاطات وعروض فرقة المسرح الجوال في إطار سياسي انتقادي هادف أما المسرح التونسي، فقد نظر إلى رحلة حنظلة من منظور فكري، حينما قام الروائي والقاص التونسي (إبراهيم درغوثي - عضو اتحاد الكتّاب التونسيين- مواليد عام 1955) بترجمة المسرحية مع الأعمال الكاملة لونوس عام 2010، إلى اللغة الفرنسية. لن نستفيض في التناول أكثر من ذلك، فكما يبدو لنا، فقد استلهمت المسرحية في رؤى فنية مختلفة وتنويعات من الاسقاط المسرحي، كل بحسب رؤيته لشخصية حنظلة التي صوّرت كضحية، وأحيانا كشاهد محايد على ما يجري من أحداث، سواء في إطار محلّي خالص أو في إطار عام، حتى أن الراحل سعد الله ونّوس «رحمه الله» كان ينظر باستمرار وتنوع إلى هذه الشخصية المحيّرة في كثافتها وتكوينها وتمردها وجنونها أحيانا، مما اضطره هذا الأمر إلى إعادة صياغة المسرحية مرة ثانية، تحت عنوان (رحلة حنظلة من الغفلة الى اليقظة) عن نص الكاتب السويدي، رائد المسرح التسجيلي (بيتر فايس- 1916 - 1982) الذي يحمل اسم (كيف تخلص السيد كوكوينبوت من آلامه) ضمن إسقاطات حاذقة على الراهن العربي. ويبقى ونّوس اسما وقلما كبيرين في المسرح العربي على مستوى الكتابة والتأليف وعلى مستوى التنظير (بيانات لمسرح عربي جديد تقوم على الدعوة الى المسرح التجريبي ومسرح التسييس)، قلم خطّ لنا أهم وأروع المسرحيات التي كانت وما تزال مصدرا مهما وخلافيا لفهم العلاقة غير المتوازنة بين أصحاب القرار والشعب، رحل ونّوس صاحب روائع (الفيل يا ملك الزمان) و (الأيام المخمورة) و (سهرة مع أبي خليل القباني)، وما زلنا على اختلاف حول فكره ومضمون مسرحياته التي تحمل العمق والثراء والاشكالية في قالب واحد، لكن الخلاف حولها كما يقولون لا يفسد للود قضية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©