السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحصن... أيقونة شعرية وفنية

الحصن... أيقونة شعرية وفنية
20 فبراير 2014 11:18
شهيرة احمد أدخلت الدراسات المقارنة الحديثة مجموعة غير قليلة من «الرموز والإشارات» في سياق ما يمكن تحليله لاستنباط معلومات غير قليلة عن طراز الحياة الإنسانية في مراحلها المتنوّعة، واستنتاج أمور مهمّة ذات صلة بما تمّ استخدامه أو إحداثه من تنظيمات ذات صلة بالأبنية والمنشآت، وبخاصة تلك التي لعبت دوراً مركزياً في المحافظة على الحياة البشرية. ولذا فإنّ تقديم المعلومات المتوافرة، في نسقها التاريخي المتسلسل، يشكّل الأرضية التلقائية لكل فعل معرفي يريد باحثه أن يصل إلى تكوين فكرة صادقة عن الماضي وتحديد موقفه منه. والرمز الذي نحن بصدده وهو «قصر الحصن» من الرموز الثرية على المستوى التاريخي، وعلى صعيد ما يختبئ في جوفه من معلومات كفيلة برسم صورة أو تصورات لطبيعة الحياة المجتمعية التي سادت في مجتمع الإمارات، هو الذي يقف شاهداً على ذاكرة المدينة، حارساً لأحلامها، حاملاً خبايا رحلتها الممتدة في الزمان. وهو الذي ظل يرقب المكان وهو يسير إلى ذاكرته الجديدة مخفوراً بالشواهق والسوامق من البنايات، فيما هو يحمي في داخله الأحداث الماضيات ويضيف إلى دفتره الحاضرات. ولا بأس قبل رصد رحلته في الزمان والمكان من استحضار ما قالت عنه اللغة، وما شاع منه في مراحل التاريخ المختلفة. حصون اللغة يقول اللغوي «إسماعيل بن حمّاد» الجوهري (ت:393هـ) في معجمه «الصحاح» عن الحِصْن: هو «واحدُ الحصون. يُقال حصنٌ حصين بيّنُ الحصانة. وقول زهير: وما أدري ولستُ إخال أدري أقومٌ آلُ حصنٍ أم نساءُ يريدُ حصنَ بن حذيفة الفزاري. وحصّنتُ القريةَ، إذا بنيتَ حولها. وتحصّن العدوُ. وأحصنَ الرجل، إذا تزوّجَ، فهو مُحصَنٌ بفتح الصاد. وأَحصَنت المرأةُ: عفّتْ. وأحصنها زوجها، فهي مُحصَنةٌ ومُحصِنة، وكلُ امرأة متزوّجة فهي مُحصَنة بالفتح لا غير. وقُرئ: «فإذا أُحصنّ» على ما لم يُسمّ فاعله، أي زُوّجنَ. وحَصُنت المرأة بالضمّ حُصناً، أي عفّتْ، فهي حاصنٌ وحَصانٌ بالفتح، وحصناء أيضاً بيّنةُ الحَصانة. وفرسٌ حِصان بالكسر، بيّنُ التحصين والتحصُّن. وأبو الحُصين: كنية الثعلب. ويقول اللغوي «محمد بن مكرم» المعروف بابن منظور (ت:711هـ) في كتابه «لسان العرب» في الحصن: «حَصُنَ المكانُ يحصُنُ حصانةً، فهو حصينٌ، منعَ، وأحصنَه صاحبُه وحصّنه. والحِصنُ كلُ موضع حَصين لا يوصَل إلى ما في جوفه، والجمعُ حصونٌ. وحصنٌ حصينٌ: من الحَصانة. وحصّنتُ القريةَ، إذا بنيتَ حولها. وتحصّن العدوُ. وفي حديث الأشعث: تحصّنَ في مِحصَن؛ المِحصنُ القصرُ والحِصنُ. وتحصّنَ إذا دخلَ الحصنَ واحتمى به. ودرعُ حصينٌ وحصينة: مُحكَمَة؛ قال ابن الأحمر: همُ كانوا اليدَ اليمنى، وكانوا قِوامَ الظهرِ والدرعَ الحصينا ويُروى: اليدَ العُليا، ويروى: الوُثقى؛ قال الأعشى: وكلُ دِلاصٍ، كالأصاءِ، حَصينةٍ، ترى فضلَها عن ربّها يتذَبذَبُ وقال شمّر: الحصينةُ من الدروع الأمينةُ المتدانية الحِلقِ التي لا يحيكُ فيها السلاحُ. وقال تعالى في قصة داود، وعلّمناه صنعة لَبوس لكم لتحصنكم من بأسكم؛ قال الفرّاء: قُرئ ليُحصّنكم ولتُحْصنكم ولنحصنكم، فمن قرأ ليُحصِنكم فالتذكير للّبوس، ومن قرأ لتُحْصنكم ذهب إلى الصنعة، وإنْ شئتَ جعلته للدرع لأنها هي اللبوسُ وهي مؤنّثة، ومعنى ليُحصِنكم ليمنعكم ويُحرزكم، ومن قرأ لنُحصنكم، بالنون، فمعنى لنُحصنكم نحنُ، الفعل لله عزّ وجلّ. وامرأة حَصانٌ، بفتح الحاء: عفيفةٌ بيّنةُ الحَصانة والحُصنِ ومتزوّجةٌ أيضاً من نسوة حُصن وحاصنات، وحاصنٌ من نسوة حواصن وحاصنات، وقد حَصُنَت تحصُن حِصناً وحُصناً وحَصناً إذا عفّت عن الريبة، فهي حَصان». وقد يكون من المفيد هنا أن نشير إلى الاختلاف في التعريف بين الحصن والقلعة، اللذين قد يُخلَط بينهما أحياناً في بعض الكتابات. فقد ذهب ابن منظور في «اللسان» إلى قوله: «القَلْعةُ: الحِصنُ الممتنع في جبل، وجمعها قِلاع وقَلَع وقِلَع. قال ابن برّي: غير الجوهري يقول القَلَعةُ، بفتح اللام، الحصنُ في الجبل، وجمعه قِلاع وقَلَع وقِلَع. وأقلعوا بهذه البلاد إقلاعاً: بنوها فجعلوها كالقلعة، وقيل: القَلْعَة، بسكون اللام، حِصنٌ مُشرفٌ، وجمعُه قُلوع. والقَلْعة، بسكون اللام: النخلةُ التي تُجتثُّ من أصلها قَلْعاً أو قَطعاً؛ عن أبي حنيفة». دفاعاً عن الحياة تشير الأخبار التي تداولها المؤرخون ذوو الاهتمامات المتعدّدة إلى وجود القلاع والحصون والمواقع المجهّزة للدفاع عن بعض المناطق الجغرافية الخاصة، منذ فترات تاريخية تعود إلى آلاف السنين. وقد اختلفت تلك المواقع والمنشآت في الشكل والحجم وطرق التخطيط نتيجة تأثير عوامل طبيعية ومجتمعية، وخضعت لغير قليل من المؤثرات المباشرة، كتوافر مواد البناء والزمن والمهارات الهندسية والقدرات البشرية والإمكانات التمويلية في إقامتها، إضافة إلى مؤثرات غير مباشرة كالطموحات السياسية والرغبة في إدخال الاعتبارات الجمالية وإرواء النزوع إلى تجسيد أفكار غيبية أو تأمّلات فكرية في توفير أسباب السعادة والمتعة والراحة للمقيمين. وقد أوضح «ول ديورانت» في كتابه الموسوعي «قصة الحضارة» أنّ عدداً كبيراً جداً من تلك المنشآت قد ساعد في إضاءة جوانب مهمّة من تواريخ الأقوام والشعوب التي سكنتها، وساعدت في الاطلاع على جوانب أساسية من إنجازاتهم الحضارية العريضة واللافتة. وربما يكون «السور العظيم» الذي أقامه الصينيون واحداً من أشهر أعمال الدفاع الكبيرة، حيث امتدّ على مسافة ألفين وأربعمئة كيلو متر من الأرض الشاسعة، بصورة مزدوجة، زُرعت على امتدادها الأبراج الحصينة حسب اعتبارات حربية واضحة، فتقاربت في بعض الأحيان وابتعدت أحياناً أخرى. ومن ذلك ما ذكره عن ظهور أسوار المدن في الشرق الأدنى، حيث كانت للمدن القديمة في بلاد الشام وما بين النهرين أسوار من الطين أو الحجارة أو الآجرّ، لمقاومة الأعداء من الغزاة والمهاجمين والمحاربين الغرباء. وقد ظهرت القلاع على الأماكن المرتفعة لمنع وصول الأعداء إليها، أو لردعهم عن فكرة الهجوم على موقع بعينه، فكانت بمثابة نقاط حماية وإشراف على عدد من المناطق المجاورة في البرّ والبحر. حصون صدر الإسلام من الحصون التي جاء ذكرها في كتب الإخباريين والأحاديث المنقولة عن صدر الإسلام تلك التي كانت لليهود في منطقة خيبر، وقد ذكرها ابن هشام في كتابه «السيرة النبوية» والواقدي في «مغازيه» وابن سعد في كتابه «الطبقات الكبرى» إضافة لما أورده البخاري في كتابه «الصحيح» وما فصّله ابن عساكر في «تاريخ دمشق» وغيرهم. ومنها: ناعم والصعب في منطقتي النطاة وأبي النزار في الشق في الشمال الشرقي من خيبر، والقموص في منطقة الكتيبة، والوطيح والسُلالم (سيرة ابن هشام ج3 ص458 وما بعدها. مغازي الواقدي ج2 ص639 وما بعدها). أما عن القرون الوسطى فيذكر عديد من المؤرخين أنّ أبرز طراز للقلاع في الشرق العربي قد ظهر في سوريا ومصر أيام فترة حكم «الأيوبيين» في القرن الثاني عشر الميلادي. فقد أفاد «فولفغانغ فولر» في كتابه «القلاع أيام الحروب الصليبية» أنه في عام 1172م شُيّدت قلعة في مدينة حلب، وأخرى في منطقة الجبل بعد أربع سنوات. وأقام الصليبيون في الشام، ولاسيما في المناطق القريبة من السواحل، قلاعاً متعدّدة أخرى كبيرة، خلال القرن الثاني عشر، أدخلوا في بنائها اعتبارات معمارية تخدم الأغراض العسكرية، أهمّها الأبراج المستديرة الجانبية. وذكر بعض المشتغلين في الدراسات المقارنة أنّ القرن الخامس عشر الذي شهد تطوّر قوة «المدافع الحربية» قد ساهم من ناحية أخرى في زيادة الجهود المبذولة لتقوية الأبنية المخصصة للدفاع، سواء بالنسبة للحصون والقلاع وغيرها، وأنّ بناء الحصون «بلغ أوجه» في الدول الأوروبية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، ولاسيما بعد أن استطاع المهندس الحربي «فوبان» الذي خدم خمسين عاماً في الجيش الفرنسي أن يخطط ويبني حوالي مئة حصن، وقد تبع ذلك تحسين كبير في أساليب بناء القلاع والأسوار والحصون، في بلاد متعدّدة (الموسوعة العربية الميسّرة). حصون الإمارات نظراً للموقع الجغرافي المهمّ على المستويين الاقتصادي والعسكري للإمارات العربية المتحدة، فقد شهدت هذه المنطقة غير قليل من النزاعات، وأقيمت فيها مجموعة من تلك الإنشاءات الخاصة بالدفاع المحلّي عن الأنفس والأموال، إضافة إلى استخدامها للسكن ومقراً لتسيير الأمور الإدارية والمالية وعقد الصفقات والاتفاقات التجارية، حتى التخطيط للشؤون العمرانية وتنظيم أمور المجتمع المحلّي وتحديد أهمية الجوار على أساس واقعي تحكمه صلات متنوّعة تتراوح بين تلبية الاحتياجات المادية والمحافظة على العهود والمواثيق والقرابات الدموية، وصون العهود والوفاء بالالتزامات. وقد ذكر «علي محمد راشد» في كتابه عن «الحصون والقلاع» في الإمارات (ص 13) أنّ الحصن يتكوّن من مجموعة من «الأجنحة التي تلتفّ حول مجموعة من الأقنية، يحيط بها سور، ويمثل أركانه عدد من الأبراج المستديرة الشديدة البُنيان للحراسة ولرصد المعتدين، وتتكون القاعات الداخلية للحصن، غالباً، من أكثر من فراغ متتالٍ، ومختلف الارتفاعات، تحيط به حوائط سميكة، بها كواتٌ عميقة، للجلوس والتخزين، أما السقف فهو من الخشب الساج». يضاف لهذا ضرورة جعل جدران الحصن سميكة صلبة مرتفعة، وأبوابه خشبية قوية. وذكر أنّ القلاع كانت تُبنى في أماكن مرتفعة، ليستطيع الحرّاس الإشرافَ على المكان وكشف مناطق أخرى، بما يمنحهم قدرة على مراقبة الآتين قبل وصولهم إلى المدينة؛ مشيراً إلى أنّ الطابع المحلّي في البناء كان سائداً في تشييد الحصون، بالاعتماد على المواد الأولية المتاحة في المنطقة، ومراعاة تأثير الأحوال الطبيعية والمناخية السائدة في المنطقة. وغالباً ما كانت القلاع والحصون والأبراج والمربعات وأشباهها في المناطق المختلفة من أراضي الإمارات العربية المتحدة تقوم بمهمة الإرشاد للذين يقصدون منطقة البرّ المتاخمة لبعض شواطئ مياه الخليج، أو التعريف بمكان سكن الحاكم، أو دعوة الناس القاصدين إلى مكان التجمّع السكاني والنشاط التجاري والتبادل الاجتماعي، وربما لذلك كله معاً. وتشكل الحصون والقلاع جزءاً من الذاكرة المعمارية للدولة، وهي بالإضافة إلى شواهد أخرى مادية ومعنوية، سجل حيّ لتاريخ الدولة وصورتها الحضارية. ويلاحظ أن في الإمارات عدداً كبيراً من الحصون والقلاع (79 حصناً وقلعة) هي بمثابة برزخ يصل الإماراتيين بماضي الآباء والأجداد، وهنا قائمة بهذه الحصون والقلاع وتوزعها على مناطق الدولة: - أبوظبي: عددها أربعة وثلاثون منها ثلاثة في مدينة أبوظبي، هي: قصر الحصن، برج المقطع، برج ابن خرتوش. وثلاثة وعشرون في العين: هي: حصن الجاهلي، حصن سلطان أو حصن الشرقي، حصن مزيد، قلعة ابن هلال الظاهري، قصر المويجعي، أبراج الهيلي (شرقي وغربي)، برج ابن هلال الظاهري، برج الرميلة الشرقي، برج ابن سعيد، برج المسعودي، برج العوير، برج الشريعة، مربعة العين، مربعة الرميلة، قلعة العانة أو العانشة، قلعة مريجب، بيوت الدرامكة في الواجيدي، بيت ابن سعيد الدرمكي، بيت عاني الدرمكي في القطارة، بيت صالح بن بدوّة الدرمكي، بيت سلطان الدرمكي، بيت ابن رحمة، بيت ابن هادي. بالإضافة إلى ثمانية في ليوا وهي: حصن الميل، مربعة ظفير، قلعة القطوف، قلعة الهيلة، برج المارية الشرقي، قلعة المزيرعة، برج المارية الغربي، قلعة أم حصن. - دبي: عددها ستة، هي: حصن الفهيدي، حصن نايف، قلعة المربعة، مربعة الفهيدي، برج نهار، حصن حتى. - الشارقة: عددها ستة عشر، هي: حصن الشارقة القديم، برج مانع، برج شارع الحكومة، برج الخان، برج طلاع، مربعة علي بن راشد، مربعة عيسى بن جرش، قلعة الحمرية المربعة، حصن فيلي، حصن المُدام، حصن باحسن، قلعة الذيد، قلعة دبا، حصن كلبا، برج خور كلبا، حصن الغيل. - خورفكان: عدد أبراجها ثلاثة، هي: العويل، العدواني، الرابي. - عجمان: عددها ستة، هي: حصن عجمان، المربعة، قلعة المنامة، قصر الأبياد، مربعة مصفوت، برج مصفوت. - أم القيوين: عددها سبعة، هي: قلعة الدور، حصن أم القيوين، برج اللازمة، برج نجوت، أبراج السنية أو الملاح، حصن فلج المعلا، برج فلج المعلا. - رأس الخيمة: عددها عشرون، هي: قلعة دايا، حصن رأس الخيمة، قلعة الفليه، حصن الهيل، القلعة العربية، مربعة إبراهيم بن سلطان، مربعة البقيشي، مربعة معرد، مربعة الرمس، حصن الرمس، برج براما، برج خور خوير، البرج البرتغالي، برج مدخل رأس الخيمة، برج الجزيرة الحمرة، مربعة الجزيرة الحمرة، أبراج خيت، حصن عزين، برج مسافي، برج الحلو. - الفجيرة: عدد قلاعها سبع، هي: الفجيرة، البثنة، البديّة، الهيل، القرية، ساكمكم، وادي سهام. الحصن.. صورة وتاريخ حظي قصر الحصن بأهمية خاصة لدى الباحثين والرحالة والمؤرخين، وعبروا عن أهميته التاريخية والسياسية في كتاباتهم وبحوثهم وشهاداتهم، التي ترسم في جملتها، صورة عامة لما يتمتع به القصر من أهمية. حيث يختزن قصر الحصن تاريخاً تفخر به دولة الإمارات العربية المتحدة، كما قال الباحث الدكتور عبدالله الريّس مدير المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي، مضيفاً: “يحكي قصر الحصن قصة ارتباط الإنسان بالمكان، وهو بوابة الحاضر نحو الماضي؛ فهو أقدم المباني العمرانية العريقة في أبوظبي، يختزل التطور التاريخي والسياسي لإمارة أبوظبي، ولكل ركن من أركانه دلالات رمزية وتاريخية”. ويشير الريّس إلى أن “القصر المهيب عاصر أكثر مراحل تاريخ الإمارات ازدحاماً بالأحداث؛ والمنعطفات التي طرأت على حركة سير التاريخ في دولة الإمارات ومنطقة الخليج، وهو يشهد على إنجازات خالدة لحكام آل بوفلاح؛ فخلد مسيرتهم الرائدة التي أرست دعائم السياسة الخارجية للدولة، وتحولت بالمجتمع إلى الرخاء والاستقرار”. ويلخص الدكتور الريّس لنا قصة الحصن قائلاً: “تبدأ قصة هذا الصرح التاريخي مع وصول الشيخ ذياب بن عيسى إلى أبوظبي قادماً من ليوا عام 1761م، ليجعل منها مكاناً مثالياً لرجال قبيلته، فاتخذ على أرض الحصن برجاً للمراقبة، ثم قام ابنه الشيخ شخبوط بن ذياب من بعده ببناء أول قلعة قرب البرج الأول، ويعتبر المؤرخون هذه المرحلة هي الأولى في عمر القصر؛ إذ بدأت المرحلة الثانية مع تولي الشيخ سعيد بن طحنون الحكم عام 1845م، والذي أضاف للقصر برجاً ومسجداً، ووجّه ببناء بئر ماء فيه، وبإحاطة المبنى بسور، إلى أن جاءت المرحلة الثالثة من عمر القصر في عهد الشيخ شخبوط بن سلطان حاكم أبوظبي الذي قرر توسعة القصر وإحاطته بسور عظيم وبأبراج قوية، وأصبح القصر مكوناً من طابقين، واتخذ المغفور له – بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من قصر الحصن مقراً للحكم, فأضاف لمبناه دارين، شغلت الأولى المكاتب الإدارية التي تمثل ديوان الحاكم، وشغل الأخرى مكتب الوثائق والدراسات الذي تطور إلى المركز الوطني للوثائق والبحوث، والذي ولد في أحضان القصر بتوجيهات من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه- في عام 1968م، ولا يزال قصر الحصن شامخاً يسرد قصص شيوخ آل بوفلاح حكام أبوظبي على مدار ما يقارب قرنين من الزمان». وتابع الريّس: «يمتاز موقع قصر الحصن بقربه من مياه الخليج العربي ليكون رمزاً للقوة والمنعة، في زمن كان الخليج العربي شرياناً مهماً للتجارة ومصدراً للرزق، وفضلاً عن موقعه الممتاز فإنه يعدّ قطعة معمارية فنية متميزة تدل على طراز عمارة الحصون والقلاع في منطقة الخليج، وتحتوي غرفه وأروقته، وممراته ومجالسه، على العديد من اللمسات الفنية المتميزة، وهذا ما جعل المركز الوطني للوثائق والبحوث يحتفظ في أرشيفه الخاص بالصور بعدد كبير من الصور لقصر الحصن في مراحل عديدة من تاريخه. ولما كانت الأماكن تحتفظ بذكريات أصحابها وساكنيها زمناً طويلاً، وبالنظر لما يحمله هذا الصرح التراثي من أصالة الماضي وعراقته، ولما شهده من أحداث تشكل تاريخنا الذي نفخر به؛ فإن لمهرجان قصر الحصن دوره الكبير في تعزيز الهوية الإماراتية، وتعريف الزوار بجوانب هامة من تاريخنا”. ويحضر قصر الحصن في أوائل الصور التي التقطت لأبوظبي، وحرص الرحالة على تصوير قصر الحصن لأهميته، وقد التقطت أول صورة له بواسطة الأميركي صمويل زويمر الذي زار أبوظبي عام 1901، ووصف قصر الحاكم بأنه «حصن مثير». وبعد ذلك بفترة وجيزة جاء الرحالة الألماني هرمان بورخارت إلى أبوظبي، ونزل ضيفاً على الحاكم، والتقط بعض الصور المثيرة لزايد الكبير في مجلسه خارج قصر الحصن، ومعه العديد من أفرد أسرة آل نهيان الحاكمة. وفي العام 1902 زار السير بيرسي كوكس أبوظبي، والتقط عددا من الصور الفوتوغرافية. وكتب عن قصر الحصن: «إن روح المكان ومنزلته تستمد من مكانته التاريخية، ومكانة ساكنيه، ومن دوره في الحركة التاريخية». وتوالت الصور التي تم التقاطها لقصر الحصن الذي يمكن القول أنه أكثر الأماكن الأثرية وجوداً في أرشيف الذاكرة البصرية القديمة للإمارات. وفي كل المراحل التي مرّ بها كانت له الحظوة لدى المصورين لكنه وجد اهتماماً كبيراً وواسعاً وصار في عين الحدث منذ أصبح مقراً للحكم مع تأسيس الدولة.وفي الفترة الأخيرة بات قصر الحصن وجهة المصورين الفوتوغرافيين الذين التقطوا جمالياته في صورهم، وحضر في العديد من معارض التصوير التي أقيمت في الدولة. وفي مجال التشكيل وجد الحصن مكاناً معتبراً، وجسده الفنانون والرسامون في لوحاتهم الفنية وشاركوا بها في المعارض والبيناليات، ولم يقتصر حضوره على اللوحة بل سرعان ما انتشر كرمز أو أيقونة معبرة عن الأصالة في الأعمال الجرافيكية، والبوسترات، والروزنامات وشعارات المؤسسات والشركات التي استخدمته في أشكال شتى. كما حملت اسمه جامعات ومؤسسات ونواد رياضية وغير ذلك من المرافق. حصن الشعر والفن وجد الحصن طريقه إلى العوالم الشعرية والأدبية. صار موضوعاً للقصائد والنصوص. كتب عنه الشعراء مبينين أهميته وجماله المعماري، لا سيما الشعراء الذين يكتبون الشعر النبطي، أو شعر المحكية الإماراتية، الذي تناوله الباحث فالح حنظل في كتابه «قصر الحصن في التاريخ والأدب الفنّ» الصادر في عام 1998م، وهو من أوائل الكتب التي أفردت بشكل كامل لقصر الحصن، إن لم يكن أولها. ويورد حنظل أن قصر الحصن كان، بالإضافة إلى كونه مركزاً للحكم وإدارة الدولة، نادياً للأدب لا سيما في عهد الشيخ حمدان بن زايد الذي أحبّ العلم والأدب، فقال: «... فغدا الحصن مدرسة لمن يطلب العلم، ونادياً لِمن يحترف الأدب، ... فقرب العلماء وأهل الرأي والمشورة....». أما الشيخ سلطان بن زايد، فأمرَ أن تُفتح البَرْزَة بعد صلاة العشاء لتعقد فيها جلسة أدبية لسماع الشعر والقصيد، حيث كان الشيخ سلطان نفسه شاعراً. وظل قصر الحصن موضوعاً للشعراء على مدى سنوات طويلة، وقصده شعراء عديدون لغايات مختلفة أثناء حكم الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان ثم في فترة حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الذي حظي الحصن في عهده باهتمام خاص، وبات يحتضن بين جناحيه مركز الوثائق والدراسات، وبالقرب منه يقف المجمع الثقافي الذي ظل مركز إشعاع ثقافي لعشرات السنوات. ومع برنامجي “أمير الشعراء” و“شاعر المليون” صار القصر ثيمة ملهمة للشعراء الذي نظموا فيه قصائد جميلة، ذات قيمة فنية ومع قيام هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة بتنظيم مهرجان خاص بقصر الحصن في عام 2013 صار قصر الحصن، بحق، بطل الحدث الثقافي. وشق طريقه إلى الاهتمام الإقليمي والعالمي بشكل غير مسبوق. ووجدت صورته الثقافية تجلياتها في العمل الفني العالمي “قصة حصن.. مجد وطن” الذي قدمه المخرج العالمي فرانكو دراغون في مهرجان قصر الصحن الأول ليفاجئ الحضور بقصيدة بصرية تحتفي بالتاريخ الإماراتي من خلال هذا الصرح التاريخي العريق. وتألق الحصن في معرض الكتاب الماضي 2013 عندما قام الفنان الفرنسي فرانك كلوتجين ببناء نموذج للقصر من الكتب. ومن يجري بحثاً سريعاً في شبكة الإنترنت سيلمس بشكل جلي تضاعف الموضوعات المكتوبة عن قصر الحصن عشرات المرات عما كان الحال عليه قبل المهرجان، الذي يعد حدثاً اجتماعياً وثقافياً بارزاً يستقطب الاهتمام الإعلامي المحلي والعربي والعالمي بشكل ملحوظ. مع المهرجان، الذي تقام أحداثه في محيط القصر، عاد قصر الحصن إلى الحياة الثقافية، وها هو يمارس فاعليته وحضوره من خلال المهرجان الثاني الذي ينطلق اليوم، فاتحاً صفحة جديدة في حياة الحصن الذي نهض من جديد ليحتل قلب المشهد الثقافي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©