الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المناهج الدراسية في الوطن العربي·· توحيد أم تقارب ؟

المناهج الدراسية في الوطن العربي·· توحيد أم تقارب ؟
30 نوفمبر 2007 23:38
نظمت ''المكتبة الوطنية الجزائرية'' مؤخراً ندوة عربية عن واقع الكتاب المدرسي العربي والقيم التي تحملها نصوصه للأطفال، وشارك في الندوة التي دامت يومين العديدُ من خبراء التربية من ست دول عربية هي: لبنان، وسوريا، ومصر، والمغرب، وتونس، والجزائر البلد المضيف· وشرّح الحاضرون واقع الكتاب المدرسي العربي، وتباحثوا كيفية وضع أنجح الطرائق والمناهج من أجل الوصول إلى كتاب يليق بمتطلبات إعداد النشء الجديد للمستقبل· وحضر الندوة رئيسُ الوزراء الجزائري عبدالعزيز بلخادم الذي افتتح أعمال الندوة بكلمة دعا فيها إلى توحيد المناهج العربية والاتفاق على القيم المراد غرسها في أذهان التلاميذ العرب وتضمينها في الكتب المدرسية، ودعا إلى أن تكون هذه الندوة بداية لـ''عمل عربي تربوي مشترك'' من خلال توحيد المناهج والقيم بل وحتى الأرقام المستعملة؛ إذ لا يُعقل أن يستعمل الغرب الأرقامَ العربية بينما يتخلى عنها بعض العرب ويستعملون بدلها الأرقام الهندية إلى الآن· وتناول مدير المكتبة الجزائرية الدكتور أمين الزاوي الكلمة بعده ليصف الكتاب المدرسي بـ''القنبلة'' التي إن لم نحسن التعامل معها، انفجرت في وجوهنا، ودعا إلى تضمين النصوص المدرسية بجرعات كبيرة من القيم الجمالية حتى يكون العالم جميلاً في نفوس الناشئة، فلاطفلَ ذا نفسيةٍ هادئة مبدعة من دون نصوص ذات قيمة جمالية عالية· وركز الزاوي على ضرورة الخروج من ''البكائية وجلد الذات'' وتعويضها بنصوص جميلة في كتبنا المدرسية تحترم حق الطفل في التحليق وحق ''فلسفة اللعب'' التي توصله غداً إلى فلسفة أكبر، ودعا بإلحاح إلى حمايته من ''التكلس والببغاوية والغباء''، وذلك بتعليمه كيفية طرح الأسئلة وروح النقد الموصل إلى الإبداع، كما نبَّه إلى ضرورة تجديد الكتاب المدرسي مرة واحدة كل 5 سنوات على الأقل ليواكب العصر والمستجدات، ويمكن الاستناد في ذلك إلى ''بنك خاص'' بالنُّصوص الأدبية التي تغرس قيماً جميلة ويكون ''رأسماله'' مفتوحاً على مساهمات الأدباء العرب، ويكون بمثابة خزان يُغترف منه لتفعيل عملية التجديد· وفسح المجال بعدها للخبراء التربويين لإلقاء محاضراتهم، ومال المحاضرون إلى تناول واقع الكتاب المدرسي ببلدانهم وبدوا غير مطلعين بشكل كافٍ على تجارب باقي البلدان العربية، مما جعل الندوة أقرب إلى استعراض كل خبير تجربة بلده مع الكتاب المدرسي وتطورها بمرور السنين· في هذا الصدد، قدَّم الدكتور جورج سعادة نبذة عن ''مناهج اللغة العربية في لبنان وقيم الانتماء''، ولاحظَ أن النصوص الأدبية المحلية هي الطاغية في الكتاب اللبناني إلى غاية التعليم الثانوي، وأن الأجيال العربية أصبحت تقبل على النُّصوص الأجنبية بعشوائية وتعرض عن النُّصوص المشرقية القديمة، وأبدى سعادة انزعاجه من طغيان الإنترنات والكمبيوتر على عقول الأطفال، مما جعلهم يزهدون في الكتاب خلافاً لنظرائهم الغربيين، ولم يتحمس لفكرة توحيد المناهج العربية، ودعا إلى بقائها كما هي لتنويع التجارب والخبرات، مما سيشكل تراكماً وثراءً· أما الأستاذ مخلوف عامر من الجزائر، فلاحظ أن الكتب الأدبية العربية لم تستثمر مكتسبات المدارس النقدية الأدبية الحديثة، مما جعل أنجح تلميذ هو ذلك الذي يحفظ قوالب جاهزة ليطبقها يوم الامتحان على مختلف النصوص مهما تمايزت واختلفت، كما أن تجديد الكتاب المدرسي بالجزائر يخضع للشعبوية من خلال دعوة ''ممثلي كل الولايات'' إلى ذلك وكأن المسألة ''انتخابية''، ودعا إلى ترك مسألة التجديد للمختصين فقط· من جانبه، لاحظ الباحث رابح خدوسي ''إقصاء'' الكتاب المدرسي الجزائري للنُّصوص الأدبية المحلية؛ حيث إن كتاب السادسة ابتدائياً لا يتضمَّن سوى نصٍّ واحد لأديب جزائري من مجموع 90 نصاً أدبياً· أما الأستاذ إبراهيم صالح، فقدَّم صورة مشرقة عن التحوُّل التربوي في تونس من مرحلة تهميش الطفل واعتباره ''صفحة بيضاء'' يخط عليها المدرِّسُ ما يشاء إلى مرحلة التلميذ الفاعل الإيجابي من خلال مراجعة الكتب والمناهج القديمة بأخرى عصرية تحرص على تنمية الروح النقدية للتلميذ وتعليمه التفكير الإيجابي والمرونة وسرعة التفكير وقابلية التكيف وعدم الاستسلام لوهم البساطة، والقدرة على صياغة الأسئلة عوض تلقينه الأجوبة النمطية الجاهزة· واستعرضت الدكتورة دعاء صالح التجربة المصرية من خلال محاضرتها عن تدريس كتاب ''الأيام'' لطه حسين لطلبة الثانوية العامة، وما أثاره ذلك من ردود أفعال تميل في مجملها إلى الرفض لعدَّة أسباب، ومنها سخرية طه حسين من شيوخه بالأزهر، وهو ما يشجع الطلبة على أن يتجرَّأوا على أساتذتهم· بينما تناولت محاضرة الدكتور محمد العريبي، أستاذ الفلسفة بجامعة بيروت أهمية ''الوحدة الثقافية'' لأي شعب في الحفاظ على وحدته الوطنية وتماسكه، مستدلاً بالتجربة اللبنانية التي يعود فيها فضل ''وجود لبنان واستمراريته'' برغم كل خلافاته السياسية إلى ''وحدته الثقافية''، فهي صمام أمان للشعوب العربية إذا اختلف الفرقاء السياسيون وتفرقوا، وبرغم أهمية الكتب المدرسية في تحقيق هذه الوحدة الثقافية فإنه ينبغي تجديد النصوص حتى لا تصبح ''صنمية''، وعرَّج على دور القيم الوافدة في إطار النظام العالمي الجديد، في تهديد هذه الوحدة الثقافية حيث إن المنظومات التربوية العربية التي يطالب الغرب بمراجعتها، يُراد لها أن تسوِّق القيم الوافدة· وأطلق الدكتور العريبي صيحة تحذير قائلاً: ''أخشى أن تصبح الفلسفة والأدب كما الدين والعلم في خدمة الشركات متعدِّدة الجنسية''، وأيده في ذلك الدكتور مختار عبد اللاوي من المغرب بحديثه عن دور المدرسة في تحقيق ''الاندماج الاجتماعي''، مشيراً إلى أن المغرب يدرِّس لغات عديدة، ومنها العربية والفرنسية والأمازيغية، لكن المدرسة أدمجت كل مكونات المجتمع المغربي وهذه وظيفتها· من جهته، أكَّد الأستاذ محمَّد حمدان أن هناك شيئاً من ''الشعاراتية والخطابة'' في صياغة الأهداف التربوية في سوريا، إذ إن اختيار النُّصوص يكون سياسياً أحياناً وطويلاً أحياناً أخرى مما يبعث على الملل في نفس المتلقي، فضلاً عن تخلف طرائق التدريس واعتماد التلقين· وأيَّده في ذلك الأستاذ أحمد تيسة من الجزائر الذي قال: إن السياسة طغت على البيداغوجيا، والخيار السياسي هو الذي يفرض المناهج التربوية، كما أن الديكتاتوريات تهمِّش الأدباء والمثقَّفين الذين يروِّجون لقيم التسامح والديمقراطية· وهنا تدخَّلت الدكتورة ذكاء الحر من لبنان لتنقد إفراط المحاضرين في الحديث عن ثقل دور الأنظمة العربية في إعداد الكتب المدرسية، ودعت المثقَّفين إلى عدم الخضوع لذلك ورفض ما يملى عليهم، وانتقدت إخراج الكتب المدرسية العربية، وقالت إنها بلا ذوق فني ولا جاذبية· وردَّ عليها أحد الأساتذة المتدخِّلين بدعوة كل من لا يروق له كتابٌ مدرسي ما، إلى تأليف كتاب شبه مدرسي وتسويقه، وهذا عوض الاكتفاء بالبكاء وانتقاد السلطات، مضيفاً: أن المثقَّف مسؤول عن بؤسه بعدم اللجوء إلى البدائل والاكتفاء بالبكاء· بعد مناقشات مستفيضة، اختتمت الندوة أعمالها بجملة من التوصيات التي انصبَّت في مجملها حول الدعوة إلى تجديد نصوص الكتاب المدرسي لتواكب الجديد محلياً وعالمياً، وكذلك تجديد المناهج وطرائق التدريس بما يضمن السماح للطفل بإبراز قدراته الإبداعية، وتقديم الكتاب المدرسي في أبهى صورة لتحبيبه للتلميذ وإشراك الفنانين التشكيليين والأدباء في ذلك، وكذا التفتح على الإنتاج الأدبي العالمي· وأبدى الخبراء والباحثون التربويون العرب رضاهم عن نتائج الندوة، لكن جورج سعادة دعا إلى متابعة تنفيذها للتوصل إلى وضع ''منهجية تربوية متقاربة مضموناً ومنهجاً'' في السنوات القليلة القادمة·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©