الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفنزويليون... واشتراكية القرن الحادي والعشرين

الفنزويليون... واشتراكية القرن الحادي والعشرين
30 نوفمبر 2007 23:45
من المتوقع أن يصوت الناخبون الفنزويليون غدا -الثاني من ديسمبر- على 69 تعديلاً دستورياً، يقدر لها أن تؤدي إلى تقليص المزيد من ديمقراطية الحكم، بل والمزيد من الحريات المدنية للمواطنين، في مقابل توسيع السلطات الرئاسية التي يتمتع بها ''هوجو شافيز'' سلفاً· والمؤسف أنه ترجح موافقة الناخبين على هذه التعديلات، طالما أن معارضيه لا يفعلون شيئاً سوى الهمهمة، وطالما بقيت صفوفهم متفرقة ويسيطر عليهم الخوف من مواجهة مسؤوليتهم· مهما يكن، فإن هذا الاقتراع لن يكون ضاراً بفنزويلا وحدها، وإنما ستطال آثاره منطقة أميركا اللاتينية بأسرها، وبالنتيجة، فقد سيطر الديماجوجيون على مقاليد الحكم في كافة دول المنطقة، واستخدموا في ذلك وسيلة إقناع الناخبين المحبطين من أنظمتهم الديمقراطية العاجزة، بالتخلي عنها والتشبث بالوعد الجديد الذي قدموه لها· وبما أن ''شافيز'' قد أمّن لنفسه سلفاً بعض السلطات التي يريد لها أن تكتسب شرعيتها من خلال الاستفتاء العام الذي سيعقد في الثاني من ديسمبر المقبل، فإنه ليس متوقعاً لهذا الاستفتاء إلا أن يضفي شرعية على ما هو قائم ومطبق أصلاً في الواقع، وبذلك فسوف يتحقق لـ''شافيز'' ما يريده، مع تضييق خيارات وحريات معارضيه، وتقليصها إلى أكثر مما هي عليه الآن، مما يفسح المجال كاملاً لهيمنة رؤيته الخاصة بـ''اشتراكية القرن الحادي والعشرين''· وضمن الأهداف الكارثية التي يمكن أن تحققها التعديلات الدستورية المرتقبة، فتح الطريق واسعاً لشافيز لترشيح نفسه للمنصب الرئاسي لأي عدد من المرات، ما يعني عملياً تخليده رئيساً أبدياً لفنزويلا! وبما أننا قد مضينا في مناقشة الآثار السلبية لهذا الاستفتاء الشعبي، فإن من بعضها ما يعطيه سلطات رئاسية أوسع على الحكومات الإقليمية والمحلية، وكذلك على البنك المركزي واحتياطاته وأرصدته النقدية، إضافة إلى ما سيتمتع به من سلطات خاصة بمصادرة الممتلكات الخاصة· ثم هناك من السلطات ما يتعلق بتخويل الرئيس بإعلان حالة الطوارئ، والإبقاء عليها لأي فترة ترى الحكومة ضرورتها، في مقابل تقليص الموارد المالية المتاحة لجماعات ومنظمات حقوق الإنسان، وللصحافة وغيرها من منظمات الرقابة غير الحكومية· ومن بين ما يلفت النظر في التعديلات الدستورية المقترحة، ذلك التعديل الذي سيتم بموجــبه تحويل مهمة الجيش الفنزويلي من مهمة دفاعية عادية لا تختلف عن مهام جيوش كافة الدول الأخرى، أي حماية سيادة الدولــة وحدودهـــا، والدفـــاع عنها ضد أي اعتداءات على أراضيها، إلى جيــش ''وطنــي غير إمبريالــي'' تكــون مهمته الرئيسية هي حماية الثورة الاشتراكية· ولما كانت هذه هي طبيعة التعديلات الدستورية المتوقعة، فإن من الطبيعي أن نثير السؤال التالي: لماذا يقدم الفنزويليون على تقليص حرياتهم بأنفسهم عبر صناديق الاقتراع؟ وفي الإجابة، يدرك الناخبون الفنزويليون جيداً فشل حكوماتهم السابقــة في تلبية أبســط حاجاتهم الأساسية، في حين وعدهم ''شافيز'' بتبديل واقع حالهم، عن طريق منح العاملين رواتب أعلى مقابل يوم عمل مدته ست ساعات فحسب· وضمن الوعد أيضاً أن يرفع عن مواطنيه ظلم وقهر قوى الخارج والداخل للشعب الفنزويلي سابقاً، بما في هذه القوى الولايات المتحدة الأميركية· غير أن هذا الخضوع الطوعي من قبل الشعب الفنزويلي لهيمنة ''شافيز''، ربما يفسر جزئياً بتأثيرات الثقافة الهندية-الإيبرية التي سادت البلاد لعدة قرون، وهي ثقافة تقوم في الأساس على الخضوع المطلق للسلطة الأبوية، حتى وإن عبرت هذه السلطة عن خدمتها لمصالح الأقلية على حساب الأكثرية· ومهما يكن، فقد توفرت لـ''شافيز'' عائدات مالية كبيرة تضخها لخزينته مبيعات النفط الهائلة؛ وأياً كان سوء إدارة هذه الموارد، فهي قطعاً توفر له من الأموال ما يكفي لتمويل برامجه الشعبوية هذه، وكذلك لدعم اقتصاد بلاده المتهالك بسبب سوء الإدارة وتفشي ممارسات الفساد· ولا شك في أن يأتي اليوم الذي يدرك فيه الناخبون الفنزويليون أن التحول الاشتراكي الذي وعدهم به ''شافيز'' ليس شيئاً آخر سوى تكرار لذات الأنظمة الشعبوية الشرهة التي حكمت البلاد في الماضي، وتحول بموجبها جهاز الدولة إلى جهاز أناني تقتصر وظيفته على خدمة مصالح النخبة الحاكمة وحدها· لكن ومع ما نرى من ارتفاع تصاعدي جنوني لأسعار النفط العالمي اليوم، فإن من المرجح أن تتأخر لحظة الصحو الشعبـــي هــذه عن موعدهــا كثيـــراً جداً· ومع ذلك يظل فارق جوهري واحد يفصل بين الديمقراطية والنظام الشمولي الذي يعكف ''شافيز'' على بنائه الآن؛ ويتمثل هذا الفارق في أن قادة النظام الديمقراطي السابق، قد فشلوا في القيام بمهامهم القيادية، إلا أنهم أرغموا على ترك مناصبهم عبر ذات صناديق الاقتراع التي أتوا بها، خلافاً لما يفعله ''شافيز'' الآن، إذ تتعذر إزاحته عبر هذه الصناديق· ويليام راتليف زميل باحث بـ''''Independent Institute في أوكلاند بولاية كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©