الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب السودان... مخاطر التدخل الخارجي جون ستيفنسن

20 فبراير 2014 12:15
باحث بجامعة شيكاغو الأميركية يرتكب الزعماء السياسيون في جنوب السودان، التي تُعتبر أحدث دولة في العالم، أعمالَ قتل جماعية في حق المدنيين؛ حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن طرفي النزاع قتلوا ألف مدني على الأقل وتسببوا في نزوح 870 ألف شخص منذ اندلاع شرارة القتال في منتصف ديسمبر الماضي. وأمام هذا الوضع، دعت إدارة أوباما إلى وقف لإطلاق النار بسرعة، وذلك على اعتبار أن من شأن هدنة مؤقتة أن تسمح بـ«وقف فوري للأعمال الحربية من أجل عودة الاستقرار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين»، مثلما قالت المتحدثة كايتلن هايدن. وكان الجانبان قد شاركا في أواخر يناير الماضي في محادثات سلام رعتها «الهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا»، أو «إيجاد»، وهي تكتل إقليمي بشرق أفريقيا، وتُوجت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. غير أنه منذ ذلك الوقت مافتئ القتال يزداد احتداماً، حيث شنت القوات المتحالفة مع حكومة جنوب السودان هجوماً على القوات المتمردة، وهو ما ردت عليه هذه الأخيرة بهجمات على الأهداف العسكرية. والآن، من المقرر أن تبدأ جولة محادثات جديدة يوم الجمعة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وفي هذا السياق، لدي خبر سيئ وآخر أسوأ. فأما الخبر السيئ، فهو أن هذه المحادثات ستفشل على الأرجح، وسيواصل طرفا النزاع قتل المدنيين وإرغامهم على النزوح بأعداد كبيرة. وأما الخبر الأسوأ، فهو أن وقف إطلاق النار سيجعل الأمور أكثر سوءاً. وهذه الحقيقة المزعجة ليست حكراً على جنوب السودان في الواقع؛ ذلك أن اتفاقات وقف إطلاق النار تجعل النزاعات دائماً أسوأ، وهو ما يؤخر الاتفاقات السياسية، ويطيل أمد أعمال القتل، ويضمن استمرار القتال لوقت طويل. والحق أن المجتمع الدولي يستحق الإشادة لانشغاله بحياة المدنيين في جنوب السودان؛ غير أن دواء اتفاقات وقف إطلاق النار والعمليات السياسية في البلدان الجديدة أسوأ بالنسبة لسلامة المدنيين من النزاع المسلح طالما أن ثمة قوى خارجية ومنظمات دولية تتدخل بشكل مباشر في انتقاء الفائزين والخاسرين. وفي هذا السياق، تشير الدراسة التي أجريتُها على كل الدول الجديدة المعترف بها دولياً الـ 174 التي ظهرت منذ عام 1900 وعلى أعداد من أعمال القتل الجماعي إلى أن تدخل الدول لمعالجة أعراض العنف بشكل مؤقت - القتل الجماعي للمدنيين - إنما يزيد من احتمال وقوع مزيد من أعمال العنف والدمار، وذلك لأن اتفاقات وقف إطلاق النار لا تفعل شيئاً لمعالجة الأسباب الأصلية للعنف ضد المدنيين. وبدلاً من ذلك، يستغل كلا الجانبين الهدنة للحصول على المساعدات الدبلوماسية والعسكرية بينما يخططون ويُعدّون للموجة التالية من الهجمات. إن الانتشار الحالي لأعمال العنف في جنوب السودان هو نتيجة صراع بين الرئيس سلفا كير ونائب الرئيس ريك مشار. فحتى عهد قريب، تشارك كير ومشار في الحكم من خلال الحركة الشعبية لتحرير السودان، حيث كان كل واحد منهما في حاجة للآخر من أجل الحصول على استقلال البلاد وإرساء أسس النظام السياسي الجديد، ولكن ذلك سرعان ما تغيَّر عندما أقدم كير على إقالة نائب الرئيس وعدد من الوزراء في منتصف نوفمبر، قبل أن يتهم غريَمه مشار بالتخطيط لانقلاب لاحقاً. كير، الذي ينتمي إلى أكبر مجموعة عرقية في البلاد، لا يعاني من نقص في الدعم الخارجي بفضل الثروة النفطية التي تزخر بها بلاده؛ حيث تشكل أموال النفط أكثر من 90 في المئة من عائدات جنوب السودان. وفي هذا الصدد، أرسل الرئيس الأوغندي قواته إلى عاصمة جنوب السودان جوبا لحماية نظام كير معلناً أن حكومات شرق أفريقيا على أهبة الاستعداد لهزم مشار، الذي ينتمي إلى ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد. وعلى رغم أن عدداً من الوسطاء الأفارقة استضافوا المحادثات منذ بدء القتال، إلا أن القوات الأوغندية ظلت نشطة رغم وقف إطلاق النار الموقع في يناير، كما يقول المتمردون. وقد يبدو أن بعثة الأمم المتحدة التي يزداد حجمها في جنوب السودان تستطيع المساعدة على إنقاذ الأرواح المدنية على اعتبار أنها مكلفة بحماية النازحين. والحال أن البعثة الأممية لا يمكن إلا أن تضر، وذلك عبر إيوائها هاربين سياسيين بالصدفة، ومن خلال ما قد يبدو عملية سلام، الأمر الذي يمنح كلا من كير ومشار الوقت لتنظيم قواتهما والاستعانة بالمرتزقة الضروريين والمقاتلين الأجانب لإنهاء المهمة. والواقع أنه سواء جاء التدخل الدولي من بلدان صغيرة مثل كوبا في أنغولا، أو من قوى عظمى مثل الولايات المتحدة في فيتنام الجنوبية، أو من منظمات دولية مثل المجموعة الأوروبية في حرب البوسنة، فإنها جميعها تأتي بنتائج عكسية وذلك لأن الدعم الخارجي، حتى وإن كانت وراءه نوايا حسنة، يمنح الفرقاء الحافز للقتال بدلا من أن يمنحهم الحافز للحكم من خلال الائتلافات أو التحالفات أو الانتخابات. بيد أن ثمة سياسة يمكن للمجتمع الدولي أن يتبعها ويمكنها أن تنقذ المدنيين من أعمال القتل الجماعي: إذ علينا أن نشدد على أن أي حكومة جديدة تعمل على تعزيز سلطتها من خلال قتل المدنيين لن تحظى بأي اعتراف دولي: لا مقعد في الأمم المتحدة، ولا عضوية في منظمة التجارة العالمية، ولا مساعدات خارجية، ولا مشاركة في كأس العالم أو الألعاب الأولمبية. لا شيء. وقد يبدو من السهل تقويض هذه السياسة، وخاصة إذا ما اختارت قوة كبرى مثل روسيا أو الصين تجاهل المقاطعة الدولية وقدمت اعترافها ودعمها لتلك الدولة. وهذا أمر صحيح، غير أن هذا البلد الجديد سيكون قد وافق بذلك على الانضمام إلى نادي البلدان غير المعترف بها، الذي يشمل في الوقت الراهن جمهورية أرض الصومال، وجمهورية ناجورنو كرباخ، وجمهورية أوسيتيا الجنوبية. والأكيد أن لا أحد يريد أن ينتمي إلى هذه المجموعة من الدول من الدرجة الثانية. وخلاصة القول إن أعمال القتل والدمار في جنوب السودان فظيعة ومروعة؛ ولكن على المجتمع الدولي ألا يبذل جهوداً في عمليات تجعل أعمال القتل أكثر سوءاً في وقت توجد فيه طرق سهلة وغير مكلفة لإنقاذ الأرواح، وذلك من خلال حرمان الحكومات المجرمة من السلطة بشكل دائم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©