السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باتيستا

باتيستا
2 مايو 2009 23:30
خوان باتيستا.. هل سمعتم سابقاً بهذا الاسم؟ هل تكحل مرآكم بوسامة صاحبه، وببريق عينيه الفائقتي العذوبة؟ الرجل إسباني، لا بدَّ أنَّ اسمه قد أوحى لبعضكم بذلك، لكنَّه ليس ممثلاً سينمائياً، وليس لاعباً لكرة القدم، هو ببساطة مصارع ثيران اعتاد أن يضع دمه على كفيه قبل أن يدخل في مواجهة مع ثور ثائر دفاعاً عن وجوده. قبل أيام كان خوان حديث الإعلام بغير منازع، أمَّا السبب فهو تمكنُّه من القضاء على أحد خصومه بعد أن أثخنته الجراح. لم يختر الثور أن يخاصم باتيستا ولا سواه، والأرجح أنَّه لو ترك الخيار له، لفضَّل أن يمضي الساعات الأخيرة من عمره في مكان آخر غير الحلبة المسوَّرة بأُناس يكنون له العداء غير المبرر. الأرجح كذلك أنَّه أحس بالاستغراب وهو يرى، من خلف دمائه النازفة، إلى الجمهور كيف يصفِّق لخوان بينما هو يمطره بالسهام القاتلة.. ألغاز بشرية معقدة تعذَّر على الحيوان فهمها، والأرجح أيضاً أنّه مضى غير آسف على ذلك. اعتاد أقران الثور على نسق من الموت مغاير لما أدركه قرينهم، هم كانوا يموتون ذبحاً، ثُمَّ تُسلخ جلودهم، قبل أن يأتي بشر بثياب أنيقة وعيون لمّاعة فيقيمون الولائم على لحومهم، ويتفننون في تحويل مكونات فيزيولوجية، كانت، حتى لحظات قليلة مضت، قنوات للحياة، إلى أطباق فاخرة فوق موائد باذخة.. أما هو (ثور باتيستا)، فقد شاء قدره أن يكون ضالة الإسباني الوسيم، يمارس حياله كلَّ ما تعلم من فنون الخداع، ويتعامل معه بأقسى ما يستطيعه القلب البشري. ثم يصرعه في الحلبة مضرجاً بدمائه، ومشيعاً بنظرات الشامتين من الحضور.. وهم يهنئون المصارع الفذ على براعته، كما يفعل المدعوون إلى وليمة مع الطاهي الذي أنجز طبقها الرئيسي.. «الناس» في المباراة كانوا ضيوفاً على وليمة بصرية هذه المرة، وكان الجشع في عيونهم صارخاً، والبديهي أنَّ نظراتهم النهمة ساعدت باتيستا على النيل من خصمه (الذي أُجبر على أن يكون خصماً، ثم جرى التعامل معه وفقاً لذلك) ومرة أخرى ربح الناس، لكنَّ خسارة الإنسان الذي في أعماقهم كانت مدوية، ومحفزة على سؤال لا يلوي على إجابة: تُرى لماذا ينطوي كلُّ «انتصار» للبشر على هزيمة للمعايير الآدمية التي يفترض بهم تجسيدها؟! يمكن للواقعة أن تؤسس كذلك للمزيد من التساؤلات: ماذا لو أنَّ الثور صرع مصارعه؟ ألن يعتبر حينها كائناً متوحشاً؟ الأرجح أنَّ الأمر سيكون كذلك ما دام الإنسان هو الذي يضع معايير صلاته مع أبناء جنسه، إضافة إلى سائر الكائنات، فيكون الرجل الذي يقتل أسداً صياداً ماهراً، أمَّا الأسد الذي يميت إنساناً فهو حيوان مفترس. مات الثور، وتحول باتيستا إلى نجم تحيط به الأضواء من كل جانب، وليس للحدث أكثر من دلالة واحدة مهما اجتهد المفسرون: ثمة في عالمنا قاتل إضافي يجري الترويج له بوصفه بطل. علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©