الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احتفظوا بمعاييركم لأنفسكم

2 ديسمبر 2007 23:56
هل يمكن أن يلتقي العالمان الإسلامي والغربي، ويتفقا ويتعاونا معا رغم كل ما لديهما من تعارض في الثقافة؟ إجابة هذا السؤال -حسبما أعتقد بقوة- هي: نعم؛ ولكن إذا تم تجنب مشكلة أساسية، بالغة الخطورة، وهي، الخطأ في المعايير· والمقصود هنا بالخطأ في المعايير، هو أن تحدد صحة أو خطأ سلوك ''الآخر'' وفقا لما تؤمن أنت به من معايير للخطأ والثواب· على سبيل المثال، حين ينتقد شاب مسلم الغربيين لأنهم يشربون الخمور، ويقول إنها محرمة، فهل استخدم المقياس الصحيح في هذه الحالة؟ بالطبع لا، لأنه أخذ بالمعيار الذي يحكمه هو كمسلم، وطبقه على شخص آخر لا يشاركه في معتقداته، وبالتالي لا يقع على هذا الشخص واجب الالتزام بما يعتقد به ذلك المسلم· في إحدى المرات كنت أتحدث مع فتاة غربية (غير مسلمة)، وكانت تنتقد المسلمين وترى أنهم مخطئون، لأنهم منغلقون، ولا يسمحون بإقامة علاقات جنسية قبل الزواج· هذه الفتاة استخدمت أيضا معاييرها الخاصة، وبدأت تطبقها على من لا يؤمنون بها، وبالتالي رأتهم مخطئين· هذه التقييمات الخاطئة لسلوك الآخر، والانتقادات التي تتبعها، والمحاولات التي تتم ''لإثنائه عن خطاياه'' بطريقة أو بأخرى، هذا ما يخلق الصراعات والتوتر المستمر، وهو ما يجعل كلا الطرفين متوجسا من الآخر، ويرسخ الاعتقاد بأننا نمثل تهديدا لبعضنا بعضا· في الحقيقة كلانا يخترق قاعدة جوهرية في معتقداته حين يفعل ذلك، ففي القرآن الكريم تأكيد على أنه لا إكراه في الدين، وفي الغرب تأكيد مستمر على حماية حرية الاعتقاد· ويبدو أننا بتنا نعتقد أن الإكراه في الدين أو تقييد حرية الاعتقاد، يحدث فقط حين تجبر شخصا على التحول من دين إلى آخر، أو تمنعه من ممارسة صلواته وشعائره الدينية· وفي الواقع العملي كلانا يخالف تلك القواعد الأساسية، لأنه ليس من المنطقي أن تكون لدينا قناعة حقيقية بأنه لا إكراه في الدين أو أن حرية الاعتقاد حق مكفول لدى حضارتنا، ثم نأتي ونستخدم معاييرنا الخاصة لتقدير مدى صحة أو خطأ غيرنا، بل ونجبره في بعض الأحيان على الالتزام بما نؤمن نحن به لو استطعنا· قد نتفق على أن الحياة مرحلة للاختبار، أو فرصة، ومن حق كل إنسان أن يأخذ فرصته، دون أن يتعدى على فرص وحريات الآخرين، خاصة إذا لم يكن لنا يد في منحها إياه، وإنما منحها له من أوجده· ربما يكون هذا هو المنطلق المنطقي للحرية الدينية، أو عدم الإكراه في الدين· من يؤمن بالبعث والحساب يحتاج هذه الفرصة، لأنه بعد البعث سيجني حصاد أعماله ومعتقداته في الدنيا، ومن لا يؤمن بالبعث يحتاج إليها لأنه يريد أن يستمتع بها أو يستغلها كيف يشاء· إن تجاوز مسألة الخطأ في المعيار سوف يوجد بيئة أفضل للتعايش، وللاحترام المتبادل، ومن ثم يمكن حل المشكلات الاقتصادية والسياسية وغيرها، بشكل أفضل، بعد أن يزول الترقب، والتوجس الذي بقي طويلا بين الحضارتين· من المهم أيضا النظر إلى كلتا الثقافتين على أنهما منظومتان متباينتان، لكن كل واحدة منهما متكاملة ومتجانسة في ذاتها· وهذا التباين يتضمن رؤى متعارضة، لكنه طور أيضا حلولا مكملة ومعالجة للمشكلات الموجودة لدى الطرف الآخر· لكن تحديد تلك الحلول المكملة، لا يجب أن يأتي نتيجة ضغط من طرف على طرف آخر؛ لأنه قد لا يكون حلا، بل جزءا متعارضا مع المنظومة الأصلية، فيتلفها· هذا ما يحدث في بلداننا الإسلامية منذ عقود، فقد أخذنا، أو فرضت علينا قطع غير متوافقة مع منظومتنا· أصبحنا مثل سيارة لها إطارا جرار زراعي في الأمام، وآخران لسيارة مرسيدس في الخلف، وموتور دراجة بخارية، ولها بوق قطار· أخذنا قطعا عديدة غير مناسبة، واحتفظنا بمنظومتنا الأصلية، خربة دون إصلاح، أما في الغرب فمنظومتهم، أو سيارتهم - حتى إن لم تكن تعجب البعض - متكاملة، كل جزء فيها متناسق مع الآخر· لهذا فإن سيارتهم تتقدم بسرعتها الطبيعية، وسيارتنا لا تتحرك أو تتحرك ببطء محدثة جلبة وباعثة أدخنة خانقة لنا وللعالم أيضا· وهذا انعكاس مهم وطبيعي، للخطأ في المعيار· خطأ في تشخيص المشكلات، وبالتالي الإخفاق في تقدير ما هو العلاج الصحيح· ياسر خليل باحث وصحافي مصري خدمة كومن جراوند الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©