الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بحث وتجريب يتجاوزان الثبات المكرر والتقليدي

بحث وتجريب يتجاوزان الثبات المكرر والتقليدي
6 ابريل 2008 01:06
تحظى الدورة الحالية لملتقى الشارقة لفن الخط العربي الذي تنظمه إدارة الفنون التابعة لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ويستمر حتى نهاية الشهر الجاري بزخم مختلف ومتنام ومتصاعد مقارنة بالدورتين السابقتين، وهو زخم يرافق ويتوازى مع التطورات الجديدة في وسائل الطرح والتعبير التي يشهدها هذا الفن العربي والإسلامي العميق والمتجذر، وتأتي استفادة هذا المنحى التشكيلي والإبداعي من الفنون المعاصرة والتقانة الحديثة في سياق التواصل مع آليات البحث والتجريب والابتكار المتجاوزة لحالة الثبات والمكوث في وعاء الشكل الواحد وفي الإطار المكرر والتقليدي· ومن هنا يأتي ملتقى الشارقة لفن الخط العربي ليعزز من قيمة فن الخط وسط الأنماط التشكيلية المجاورة والمتداخلة معه، وهو اشتباك يتوفر على قدر من الشفافية والامتزاج، ويبتعد عن فكرة الصدام والتحيز والانغلاق· فنتاجات فن الخط التي رأيناها في أقسام المعارض التابعة للملتقى تذهب باتجاه اشتغال التنويع والارتجال والاستفادة من مدارس فن الخط المعروفة وتحويلها إلى منصة معرفية وتراثية مغروسة في أرض صلبة وقوية من الوعي والممارسة والإتقان، وهي منصة تطل في ذات الوقت على فضاء من الإبداع الفردي المجسد لقيمة الخيال والتجريب والبصمة الروحية لمنتج العمل· وفي سياق هذا التوجه صرح هشام المظلوم المنسق العام للملتقى، مدير إدارة الفنون أن ما يميز ملتقى الشارقة لفن الخط عن الملتقيات العربية والدولية الأخرى هو أنه ليس مجرد معرض عام يحتوي على لوحات تعرض أنماط ومدارس الخط المختلفة، بل هو أشبه ببينالي دولي يخاطب الأصيل في هذا الفن، كما أنه يخاطب المعاصر والحديث في الوقت نفسه، ما يجعله بانوراما لأفق عريض من التجارب المحلية والإقليمية والعالمية· وهذا التصريح للمظلوم يشير إلى انفتاح السابق على اللاحق، والواحد على المتعدد، والثابت على المتحرك، بحيث يتحول الإيقاع الذي يكتنزه فن الخط العربي إلى إيقاع كوني وموسيقا شاملة تتعاضد مع نظرة الفنون الحديثة للإيقاع، وهي تحرس الإيقاع من السقوط في المباشرة والأنماط الظاهرية، وتجذبه أكثر إلى فضاء التأويل والحدس والدواخل المشتركة مع روح الفن القادمة من روافد حضارية وإنسانية تعمل ضد الركود والتجمد والثبات· وضع ملتقى الشارقة لفن الخط العربي في صلب أهدافه الاهتمام بهذا الخط باعتباره تراثا إنسانيا وجماليا فاستقطب 200 فنان من دول ومناطق مختلفة وبخامات وأساليب عرض متنوعة، وهو تنوع يشير إلى قدرة الخط العربي على التكيف مع المدارس الفنية الجديدة، مع الاحتفاظ بروحية هذا الخط وبمرجعياتة المقدسة في المخيال الديني والجذر التراثي، وهو تنوع يعمل أيضا في صالح الحساسية الفنية الجديدة التي تنشئ حوارا جماليا بين ثقافات متباعدة وبين حضارات قائمة على نمط فني لصيق بالبنى الاجتماعية والتقاليد الفنية التي استندت عليها، فرأينا في معرض الفنانات اليايانيات مثلا هذا المزج المرهف بين العبارة اليابانية القائمة على معمار تراكمي وبين العبارة العربية القائمة على معمار أفقي، وهذا التواصل بين الخطين يعمل ضد الاغتراب الفني، وينشئ حقلا من الأنماط الغرافيتية والبصرية المتواشجة· وفي المعرض الفردي للفنان السوري عدنان الشيخ عثمان رأينا التركيز على خط الثلث الجلي وهو خط يتميز برشاقته رغم صعوبة تطويعه ونقله إلى القرطاس، ولكن إذا تمكن الخطاط من ترويضه فقد ضمن اللذة الحروفية في أبهى تجلياتها، ذلك أن خط الثلث يختزن طاقات حركية وإيقاعية وجمالية تنفتح أمامها مغاليق السر وكنوز المعنى، فهو الخط الذي ينهل من قواعد الخط العربي ولكنه يفيض بابتكارات خاصة ينفثها الخطاط من أحبار لا مرئية يصدّرها الخاطر الصوفي والهوى العرفاني والجنوح التشكيلي· وملتقى الخط العربي في الشارقة يقدم فرصة لاكتشاف قيمة اللذة العيانية وتلك الضمنية التي تهبها مدارس الخط المتعددة التي شهدت ذروة الانتباه والمعالجة والابتكار في بلاد فارس والأناضول وبلاد الرافدين بعد أن تشربت أصولها وقواعدها من جذرها العربي الخالص·فمن مدارس عريقة مثل النسخ والثلث والرقعة وإلى مدارس الديواني والتعليق والنستعليق يناور الخط العربي ويتشعب ويجوس في فضاءات ساحرة ومدهشة، كي يقول في النهاية أنه صالح لكل زمان ومكان وأنه مزيج من القدم والحداثة، وخليط من الصرامة واللعب، والإتقان والخربشة، وهو خط يعزز حضوره ولا يرفض الآخر ويستضيف المعنى قبل المبنى، ويخاطب البصيرة قبل البصر.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©