الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الثروة المائية في لبنان.. من نعمة إلى نقمة

20 مارس 2010 21:47
على بعد كيلومترات من نهر إبراهيم الممتد من أحد أعلى جبال لبنان ليصب في البحر المتوسط، تضطر روز حاتم لشراء مياه الشرب والاستخدام اليومي، رغم أن منزلها في بلدة عمشيت الساحلية موصول بالشبكة العامة للمياه. وعمشيت واحدة من عشرات القرى والمدن التي تشكو من العطش في “بلد الشمس والماء”، كما يحلو للشعراء أن يصفوا لبنان. وتقول روز (60 عاماً) “أشتري المياه منذ أن انتقلت إلى هذا المنزل قبل 14 عاماً. في فصل الصيف، يكثر الطلب على صاحب الصهريج فأبقى غالباً من دون ماء لأيام طويلة”. ويعتبر لبنان غنياً نسبياً بالمياه في العالم العربي وفيه حوالي أربعين مجرى مائي، بالإضافة إلى وفرة المتساقطات بالمقارنة مع دول مجاورة. وتكمن المشكلة في عدم حفظ مياه الأمطار والثلوج وفي تسرب مياه الشبكات وفي الهدر. ويقول رئيس بلدية عمشيت أنطوان عيسى إن “لبنان يجب أن يصدر الماء لا أن يتفرج على الشح الآتي. نحن لا نقدر قيمة النعمة المعطاة لنا”. في جبيل المجاورة (35 كلم شمال بيروت)، تقول صاحبة مكتبة ميرنا الهاشم (45 عاماً) بحدة “هذا حرام. ندفع اشتراكاً سنوياً للدولة ولا تصل المياه عبر (القساطل)، وندفع مرة أخرى لشراء الماء”. على بعد ستة كيلومترات من جبيل، عند أسفل مجرى نهر إبراهيم، مصنع لإنتاج الكهرباء يعمل على الماء. لكن المنطقة، كما كل لبنان تعاني تقنين الكهرباء إلى جانب تقنين المياه. أما النهر، فيتابع انسيابه بهدوء ليصب بقوة في البحر المتوسط. ويقول مدير عام الموارد المائية فادي قمير إن “المعدل السنوي للموارد المائية المتجددة (أمطار وثلوج) هو ملياران ومئة مليون متر مكعب، من دون احتساب الموارد التي تخرج عبر الحدود والينابيع تحت البحر”. ويضيف أن “لبنان يستخدم مليار متر مكعب كحد أقصى وما تبقى يذهب إلى البحر”. كما تصب في البحر المياه المبتذلة من دون تكرير. ويقول قمير “نحن نلوث البحر ونخسر المياه”. ويضيف أن “105 ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحي تصب في المتوسط. لهذه المياه قيمة اقتصادية كبيرة إذ يمكن استعمالها في الري ولحاجات البلديات ولإيجاد مساحات خضراء نفتقر إليها”. ويتابع أن “الري يتم بالمياه العذبة، وهذا أمر كارثي”. ويشعر الخبراء بالأسى لعدم الاهتمام باستثمار مياه الأنهار التي تخرج من لبنان مثل النهر الكبير شمالاً والعاصي شرقاً (إلى سوريا) ونهري الوزاني والحاصباني جنوباً. ويؤكد خبراء وسياسيون أن أحد أبرز أسباب العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان على مر السنين ناتج عن الأطماع في المياه اللبنانية. ويقول الأستاذ في الجامعة الأميركية المتخصص في علم المياه نديم فرج الله “صحيح أن أي أشغال نقوم بها على الأنهار في الجنوب قد تتذرع بها إسرائيل للرد، لكن أن لم نتحرك قد يأتي يوم يقال لنا إن حقنا سقط في مياه لم نستخدمها منذ استقلالنا قبل أكثر من ستين عاماً”. كما يشير إلى ضرورة “إنشاء إدارة مشتركة مع سوريا لحوض العاصي من أجل استخدام أفضل للمياه”. ويؤكد فرج الله أن “هناك سوء إدارة عام في مسألة الموارد المائية، فلا مخطط توجيهياً ولا دراسة متكاملة للاستثمار”. وفي منطقة عكار “شمال” الغنية بالمياه لا سيما الجوفية منها، 53,8% من المنازل فقط موصولة بشبكة المياه فيما المعدل العام يبلغ 85,5%، بحسب دراسة بعنوان “عكار المنسية” لجمعية “مدى” غير الحكومية الناشطة في مجالي التنمية والبيئة. وتقول رئيسة مكتب الجمعية في الشمال عائشة مشرف إن “المشكلة قائمة حتى بالنسبة إلى المنازل الموصولة بالشبكة العامة، لأن معظم الشبكات مهترئة تعود إلى السبعينيات والستينيات وتتسرب منها كميات هائلة من الماء”. وتتابع “في المقابل، هناك ينابيع في عكار والمنية والضنية (شمال) تتفجر من الجبال وتنزل نحو البحر من دون استخدامها ولو بالحد الأدنى”. ويشكل النمو السكاني عامل ضغط على مسألة الطلب على المياه. ويقول قمير إن “معدل النمو السكاني هو 1,5%، أي أن عدد السكان سيصبح بعد عشرين عاماً ستة ملايين” مقابل أربعة ملايين حالياً، وهذا سيتطلب توسيع الرقعة الزراعية لتلبية الاحتياجات الغذائية. كما يؤثر الاحتباس الحراري سلباً على الموارد المائية بزيادة التبخر. وفي ضوء ذلك، يحذر قمير، الذي يرأس حالياً الشبكة المتوسطية لهيئات الأحواض المائية، من أن كمية الموارد “بالكاد ستكفي لبنان حتى العام 2015”. ويقول “لا حل سحرياً لهذه المشكلة. لا بد من تخزين المياه سطحياً في سدود وبحيرات اصطناعية على الهضاب وإصلاح الشبكات أو تمديد شبكات جديدة للحد من التسرب”. ويشدد فرج الله على ضرورة إيجاد “خطة تشارك فيها كل القطاعات للمحافظة على الثروة المائية”. ويفترض أن تشمل الخطة اعتماد وسائل حديثة للري لا سيما الري بالتنقيط مما يوفر حوالي 20% من مياه الري، واحترام معايير الحد من الهدر في الأبنية الجديدة وفي المنتجعات السياحية وبناء سدود في المناطق. وتقول عائشة التي تقوم جمعيتها بحملة توعية في مدارس عكار بعنوان “المياه: الذهب الأزرق” إن “التلاميذ في تلك المنطقة الفقيرة يشعرون أنهم مهملون ولا يملكون شيئاً وعندما نقول لهم إنهم يملكون ذهباً، يشعرون بالفخر ويتجاوبون”. لكن مشوار التوعية لا يزال في بداياته ويحتاج إلى التعميم في المجتمع.
المصدر: عمشيت-لبنان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©