الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أمهات الرضاعة».. أمومة من نوع خاص

«أمهات الرضاعة».. أمومة من نوع خاص
20 مارس 2010 21:57
“طبعاً أحبهم، وهم يحبونني، إنهم أبنائي رغم أني لم أنجبهم”، هذه العبارة ليست من سيناريوهات الأفلام، ولا من قصص الإيثار والتضحية، إنها عبارة أم أرضعت أطفالاً تراهم أبناءها، رغم أنهم ليسوا من صلبها. أمهات الرضاعة، رغم ندرتهن بيننا اليوم لكنهن لم يختفين، مازالن موجودات تواريهن الحواري ولا نعرفهن إلا بقبلات على الرأس يمنحها الأبناء “بالرضاعة” لأمهاتهم، في الأعياد والمناسبات، وحين يدق ناقوس الشوق في صدر الأم التي ضمت الابن صغيراً فتزوره وهو كبير. حورية محمد اسماعيل أم لتسعة أبناء ازدادوا ثلاثة من الرضاعة (بدور، فلاح، خولة) فتاتان وصبي من أسر مختلفة، جمعت بينهم أم واحدة ليصبح لكل منهم أسرة ممتدة وأخوان وأخوات بالرضاعة، يحبونهم ويعيشون معهم جو الأخوة الكامل. تقول حورية: بدور وفلاح وخولة أبنائي بالرضاعة، أشعر أنهم أبنائي من صلبي، أتمنى أن أراهم معي دوماً مثل أي أم عادية تحب أبناءها، وهم يحبونني كثيراً ويزوروني باستمرار، رغم بعد المسافة بين بيتي وبين بدور وفلاح خاصة. قصص الرضاعة نتابع، لكل من أبنائي قصة معي، بدور عمرها 21 عاماً، أرضعتها مع ابني الأكبر، هي ابنة أحد أقاربي، كانت أمها مضطرة للاعتناء بشقيق بدور الصغير، بينما بقيت بدور تبكي فأرضعتها مع ابني البكر، وأشعر أنها توأم ابني فهما يحبان بعضهما، وهي أخت بناتي يحببنها جداً ويتواصلن معها دائماً. عن ابنها الثاني تقول حورية: فلاح ابني الثاني بالرضاعة، عمره ست سنوات، أرضعته فجأة ودون أن أفكر، كنت في المستشفى حين سمعت بكاءه يقطع القلب، كان يبكي بشدة لدرجة الاختناق وأخواته يتبادلن حمله محاولات إسكاته، عندها سألت إحداهن أين أمه؟ قالت: أمه في العدّة، لقد توفي والده منذ شهر، وهو لا يقبل الرضاعة الصناعية. دون تفكير حملته من بين يديها ووضعته في حجري وأرضعته، يومها شعرت بأن الله أرسل لي ولداً جديداً دون أن أحمل، كان ابني منصور في شهره السادس، بينما مر فلاح ثلاثة أشهر، أرضعته حتى شبع، واتصلت بزوجي بعد أن نام الطفل أخبرته بالقصة، واستأذنته أن يسمح لي بأن أكمل الرضعات الشرعية الخمس، فوافق وقال: “أنا أيضاً أريده أن يكون ابني”، عندها اتصلت أخته بأمه الحقيقية التي شكرتني ورحبت بي في بيتها لأكمل الرضعات لابني فلاح. أما خولة البنت الثالثة، تتابع حورية: هي ابنة زوجي من زوجته الثانية، أرضعتها مع ابني الصغير لأن أمها مرت بظروف خاصة، ولأني أحب أبناء زوجي فهم أبنائي أيضاً. شعور أكبر تجد حورية أن شعور الأمومة لا يختلف مع الأبناء بالرضاعة، بل ربما يتفوق على شعور الأمومة العادي، فالطفل بالرضاعة حبيب إلى قلبه أمه ومدلل أكثر من الطفل الحقيقي، لأنها لا تراه دائماً فتغدق عليه التدليل والهدايا، وحتى الأخوان بالرضاعة يتعاملون معه بالكثير من الحب، فهو العزيز الغائب الذي لا يتشاجر معهم على الألعاب، ولا يذهب معهم للمدرسة وينتهزون الفرص لرؤيته والجلوس معه. أقرباء الرضاعة كان العثور على أمهات الرضاعة صعباً، فالرضاعة الصناعية اليوم حلت محل الأمهات بالرضاعة، ولكننا وجدت أقرباء تجمعهم الرضاعة، تقول فاطمة حسين: عندي خال بالرضاعة، هو خالي الوحيد فلا خال ولا خالة سواه. تتابع فاطمة لتحكي قصة خالها: ربما تكون القصة غريبة لكنها حصلت قبل خمسين سنة، توفيت جدتي لأمي وهي تلد أمي، فذهبت بها جدتها (جدة أمي) إلى امرأة كانت قد فقدت وليدها أثناء الولادة، أرضعتها تلك المرأة، وقبل أن تفطمها جاء والد خالي إلى نفس المرأة ليطلب منها ارضاع ابنه، لأن أم خالي بالرضاعة توفيت أيضا. وتتابع فاطمة: سبحان الله رزق تلك المرأة بنتاً وولداً بالرضاعة بعد أن فقدت مولودها، ومنح أمي أخاً وأماً بالرضاعة، وظل خالي على اتصال بنا طوال طولتنا وعمرنا إلى أن فقدناه قبل عدة سنوات بعد أن توفاه الله، ولكن أمي مازالت تبكيه بحرقة فهو أخوها الوحيد، ولم تجد سواه، طوال طفولتها وعمرها، أخاً. عن الرضاعة تقول فاطمة: لا أظن أني سأرضع أطفالا غيري يوماً ما، ربما في ظروف معينة سأقبل، لكن الفكرة بحد ذاتها مرفوضة، فأنا أخاف من مسألة اختلاط الأنساب، خاصة إذا فقد الأخوان الاتصال بشكل ما والتقيا بعد عمر طويل وفكرا بالزواج دون أن يعلما بأنهما أخوة بالرضاعة. وتتابع فاطمة: أحيانا أتمنى لو كان عندي أخ بالرضاعة، فأنا أجد ذلك مثيراً وجميلاً، أن يكون لديك أخ من أم وأب غير اللذين تعرفهما، تتحدث معه وتمزح وتتشارك معه مناسباتك المختلفة، لأن الأخوان بالرضاعة يملكان علاقة مميزة عن الأخوة الحقيقيين. سأرضع.. ولكن فيما تقول شيخة الغافري: لم تعد أمهات هذا الزمان يرغبن في أرضاع صغارهن خوفاً على الرشاقة! فكيف ستفكر بإرضاع أبناء الآخرين؟ لكن الأم التي ترضع أبناء غيرها تملك قلباً من نوع خاص، فهو قلب طيب محب قادر على العطاء دون تمييز، لذلك يبارك لها الله ويرزقها بأبناء الرضاعة. تتابع شيخة: رضعت أمي وخالتي من امرأة أرضعت جدتي أبناءها أيضا، فبحكم الحياة القديمة كانت معظم النساء لا يفكرن كثيراً قبل إرضاع طفل جائع، تلك الرضاعة منحتني أخوالاً أحبهم ويحبونني، برغم أنهم يسكنون بعيداً عني إلا أني أحرص على زيارتهم والسؤال عنهم فهم أخوالي ولهم حق صلة الرحم. شيخة لا تفكر في إرضاع طفل غيرها إلا في حالة واحدة، تقول شيخة: إذا تبنيت يوماً أحد اللقطاء أو الأيتام واستطعت أخذ حق كفالته سأحرص على أن أرضعه ليكون ابني بالرضاعة ويحصل على عائلة وإخوة حقيقيين وسأثبت أمر الرضاعة في المحكمة ليبقى ابني أو ابنتي بالرضاعة في أمان من المجتمع، ويحصل على حياة جيدة وكريمة معي، في هذه الحالة فقط سأرضع طفلاً ليس طفلي. وبرغم الحداثة والتطور وندرة الراضعات، إلا أن هناك من يبحث عنهن لأن بعض الأطفال لا يناسبهم الحليب المعلب، تقول موزة اليافعي: قبل عدة أشهر سألتني إحدى زميلاتي إن كنت أعرف امرأة مرضعة، ترضع طفلتها حتى لو بمقابل مادي، استغربت طلبها لكنه أخبرتني بأنها مريضة ولا تستطيع أن ترضع الصغيرة، وفي نفس الوقت أصيبت الصغيرة بحساسية من مكونات الحليب الصناعي وكانت تصاب بطفح وحمى مما دفع والدتها ووالدها للبحث عن مرضعة، وحين لم يجدا اشتريا “عنزة” ليأخذا حليبها لصغيرتهما.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©