الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أم تحيك السجاد لتضمن مستقبل أبنائها

أم تحيك السجاد لتضمن مستقبل أبنائها
20 مارس 2010 22:10
هي الصدر الحنون، القلب العطوف، تفرح لفرحة أبنائها وتحزن لضيقهم، تسعى لإسعاد فلذات كبدها، وتحارب كل من يريد إيذاءهم، تساند زوجها، والد أولادها، في كل صغيرة وكبيرة، فهي الظهر والسند، لكن ما الذي ستفعله أم فقدت زوجها بوفاة أو طلاق؟ هل ستواجه الحياة بمصاعبها وتتحدى العقبات؟ أم أنها ستتنازل عن تربية أبنائها للآخرين؟ هل سترفع شعار التحدي، أم ستستسلم لتلك الشائعات المغرضة المثارة حول ضعف المرأة، وعدم قدرتها على التحكم بزمام الأمور؟ في ما يلي بعض القصص المعاشة، والتي عكست الآية ونفت الشائعة، أمهات مناضلات، حملن على عاتقهن مسؤولية كبيرة، تمثلت في تربية أجيال من الشباب الخلوق والمعطاء، دون مساعدة الرجل ولا وجوده، ليس باختيارهن، لكن الظروف القاسية أجبرتهن على ذلك، وبدل أن تكسرهن منحتهن قوة أكبر، وصرن أمثلة يقتدى بها، مجسدات قول الشاعر: “الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيب الأعراق”. فألف تحية لك أيتها الأم الحنون، ومليون وقفة إجلال لشموخك وعطائك! أم عبدالرحمن، تلك الأم الحنون وقد التقيتها في أحد المعارض التي نظمها مجلس سيدات الأعمال التابع لغرفة تجارة وصناعة أبوظبي، حيث كانت هناك جالسة بالقرب من مجموعة العطور الزكية التي تحمل كل قارورة منها اسما عربيا أو أجنبيا معربا، مكتوبا على قصاصة بخط اليد، ابتسامة عريضة ترتسم على وجهها الذي لا تظهر منه الا عيونها وبعض من ذقنها، نظرتها البريئة تخفي الكثير من الآهات والآلام باحت لنا ببعض منها، عندما علمت أن موضوع حديثنا هو الأمهات المعيلات، تنهدت أم عبد الرحمن تنهيدة طويلة وقالت: “لو تعلمين الظروف التي جعلتني أعمل يا بنيتي، لبكيت قبل أن تكتبي حرفاً واحداً!” ثم راحت تسرد قائلة: “أنا أم لأربعة أولاد، ثلاث شابات، وابني البكر عبد الرحمن، رحمة الله عليه، الذي توفي في حادث سير تعرض له رفقة والده، فأودى بحياتهما، ليذهبا ويتركاني هنا وحيدة أصارع الحياة، فبقيت أنا مع بناتي اللواتي صرن يتيمات الأب، وكن لايزلن في المراحل الأولى من السلم الدراسي، فالكبرى كانت في الصف الثاني اعدادي، والوسطى صف خامس ابتدائي، أما الصغرى فكانت في الصف الثالث، وكم هي صعبة هذه المراحل العمرية، فالكبرى كانت تستعد لدخول فترة المراهقة الصعبة ذات التغييرات الفيزيولوجية والنفسية، أما أختاها، فصعب ارضاؤهما لصغر سنهما، وأنا توقفت عن الدراسة في مرحلة الثانوية، لأنني تزوجت، وأنجبت أولاداً، تمنيت أن أنعم بتربيتهم مع والدهم، ولكن شاءت الأقدار والمنية أن تخطفه من حياتي، هو وابننا الوحيد، الذي كان سيصبح سندا لوالده ولأخواته البنات”. حملت أم عبد الرحمن على عاتقها مسؤولية تربية بناتها، التي تقول عنها: “ان تربية البنات أمر صعب للغاية، فالأنثى في المجتمعات العربية بشكل عام، والمجتمعات المحافظة بشكل خاص، يجب أن تتحلى بكل صفات المرأة المسلمة المثالية، واليوم، وبحمد الله، تزوجت بناتي، وكوّنّ أسرا صغيرة، والكل يحيا حياة طبيعية، ولكن قلب الأم يظل معلقا بأولادها، فهمّ البنات حتى الممات”!. أرملة النوخذة ترفع شعار التحدي أم عبد الله مدرِّسة بإحدى المدارس الحكومية، في إمارة رأس الخيمة، مجتهدة في عملها الذي تجاوز عمره الخمسة عشر عاما، تحكي لنا قصتها التي هي حكمة ودرس لكل امرأة أرملة، أو أي أم قد فقدت زوجها، بوفاة أو طلاق، بالفعل تعتبر أم عبد الله امرأة مكافحة، رفعت شعار التحدي، بعد فترة بسيطة من وفاة زوجها، الذي كان نوخذة مشهورا بحبه لعمله، واتقانه له، تقول: “لقد تزوجت، ولم لم أكن قد بلغت السادسة عشر من عمري بعد، وكان زوجي نوخذة معروفا في المنطقة التي كنا نقطن بها، كان شابا قوي البنية، وسيما وحكيما، يكبرني بأربع سنوات فقط، وبعد خمس سنوات من عمر زواجنا، أي في أواخر الثمانينات، كنا قد أنجبنا بنتين وولداً، وكانت كل أمورنا طبيعية، بل وكنا مثالا للأسرة السعيدة، وفي يوم من الأيام، وكعادة أهل البحر دوما، ذهب زوجي برفقة أصدقائه الستة في رحلة بحرية، قصد الغوص لصيد اللؤلؤ، ولكنهم تعرضوا بعد الليلة الأولى من رحلتهم، لعاصفة بحرية شديدة، أدت الى انقلاب سفينتهم وتحطمها، وأودت بحياة كل من كان عليها”. تتوقف أم عبد الله قليلا، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، ثم تواصل حديثها: “لم نتلق أية أخبار عن السفينة ولا عن ركابها، ولم يستطع أي أحد من سكان المنطقة أن يبحر بقاربه، نظرا لرداءة الجو ولتلك العاصفة التي لم تهدأ الا بعد ثلاثة أيام، ما يحزنني فعلا هو أننا لم نجد جثث الغرقى، بل كل ما وجدناه هو بقايا حطام السفينة التي كانت تطفو على سطح البحر، فكانت الفاجعة، وتحول البيت السعيد الى منزل تغلفه الأحزان والمآسي، لكني كنت كلما نظرت الى أولادي، عقدت العزم أكثر، وزاد ايماني بالله عز وجل، وأيقنت أن ما جرى قضاء وقدر، فعزمت أن أكمل دراستي الجامعية، لأتخرج بعدها بتفوق، وأدخل في الانتساب الموجه الذي كانت قد برمجته وزارة التربية والتعليم بالدولة، والتحقت بسلك التدريس، لأعمل مدرسة للغة العربية في احدى المدارس الحكومية هنا بإمارة رأس الخيمة، ومازلت إلى يومنا أعمل بهذا القطاع الذي ساعدني في تربية أولادي، حيث لم ينقصهم أي شيء والحمد لله، الى أن كبروا، وقد زوجت ابنتي الكبرى وابني الشاب، منذ أربع سنوات، والحمد لله عندي حفيدان رائعان، والكل يعتبرني قدوة ومثالا للأم المحافظة، حيث إنه وبعد وفاة زوجي، عرض علي الزواج مرات عديدة، ولكني كنت في كل مرة أرفض، وأحارب لتربية أولادي وتعليمهم وتوفير كل احتياجاتهم”. أم لتسعة كوادر غاية الظاهري، أو أم خالد، أم مكافحة من مدينة العين، تعمل حاليا بهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، قسم دار الكتب الوطنية، لها تسعة أولاد، ثلاث شباب وست بنات، كلهم كوادر في دولة الامارات العربية المتحدة، انفصلت عن زوجها منذ عشر سنوات، ولكن ذلك لم يمنعها من اللجوء لرجل البيت في القرارات المصيرية التي تتعلق بأبنائهما، تقول أم خالد: “لقد تزوجت وعمري لا يتجاوز الأربعة عشر عاما، وقد أنجبت أولادي التسعة تباعا، وبالفعل فقد تفرغت لتربيتهم طيلة ثلاثين عاما كاملة، لم أبخل فيها بشيء فيه مصلحة لأولادي، واليوم أولادي تخرجوا كلهم من الجامعات، حاملين شهادات الماجستير وشهادات جامعية عليا”. وعن بداية مشوار العناية بالأبناء ومساندتهم في كل صغيرة وكبيرة. تقول أم خالد: “لقد حملت على عاتقي مسؤولية تربية أبنائي، خصوصا أن والدهم أي زوجي، رحمة الله عليه، قد كان بعيدا بحكم الدراسة والعمل، فقد كان من الأشخاص الذين سخروا كل جهدهم ونذروا حياتهم لخدمة الوطن، فكان عمله أول أولوياته، وكنت أقدر ذلك جيدا، فلا ألجأ إليه في الأمور الصغيرة، بل فقط في القرارات المصيرية، التي لا مكان للمرأة فيها، كأمور الزواج، أو تغيير الجامعة أو التخصص، أو الانخراط بوظيفة معينة”. الأمان مع الأم القوية تقول غاية: “لقد احتويت أولادي بكل أحاسيسهم ومشاعرهم، وأغنيتهم عن اللجوء للمحيط الخارجي، الذي فيه الجيد والرديء، واخترت ألا أغامر، وانما كونت صداقات مع أبنائي، فلم أكن لهم أما متسلطة، وانما علمتهم اختيار الصحيح عن الخطأ، وطريقة الثواب والعقاب، هي التي اعتمدتها في ذلك، فكنت بئر أسرارهم، وملجأهم في كل حين، وكنت دائما سندا لهم، وأرى أن شخصية الأم لابد أن تكون قوية بوصفها رمز الثقة والأمان”. دخون روعة! قبل أن تلتحق غاية الظاهري بالعمل في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عام 2008 ، كانت تنتج حرفا يدوية ابتكرتها بنفسها، كدخون روعة، الذي حازت من خلاله على جائزة أحسن دخون على مستوى مدينة العين، كما أنه رشّح لجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم كأفضل ابتكار، وعن هذا الدخون تقول أم خالد: “لقد ابتكرت دخون روعة، حيث رجعت فيه الى المكونات الطبيعية والأصلية التي كانت تستخدم في الماضي من قبل أمهاتنا وجداتنا، ولعل ما يميز هذا الدخون أنه لايبعث دخانا عند اشتعاله، ورائحته مريحة”. لم تكتف غاية بابتكار هذا الدخون، وانما عرجت على عمل الماسكات الطبيعية الخاصة بالجسم والبشرة كبودرة راحة، للجسم التس تقول عنها: لقد فكرت في ابتكار بودرة طبيعية تستخدمها النسوة للمحافظة على بشرتهن، عوضاً عن المستحضرات الصناعية التي تحتوي مواد كيماوية قد تضر بالبشرة بدل أن تعالجها، فكانت “بودرة راحة” التي استوحيتها من الجليد المتحجر، المتواجد في أسفل الجبال، وبالتحديد جبال الأطلس التلي التي تقع ببلدان المغرب العربي، وتستخدمها نسوة هذه البلد كطين يطلى به الجسم بعد الاستحمام، الا أنني أضفت عليه مواد محلية كاللبان، الورس والنيل، لتتشكل في الأخير هذه البودرة التي تمنح الجسم طراوة والبشرة نضارة، وميزة رائحتها الزكية أنها تدوم فترة طويلة”. اضافة الى هذه المواد، فإن أم خالد تقوم بصنع ماسكات طبيعية مثل الورد والمحلَب، وخياطة التلي والخوص، وقد جلبت لها هذه المشغولات اليدوية دخلا كبيرا حيث تؤكد لنا: “ان مردود مشغولاتي اليدوية كبير، حيث لم أعد أستطيع أن ألبي كل الطلبات الكثيرة التي تتدفق علي حتى يومنا هذا، فالأسر الاماراتية والحمد لله لازالت تحافظ على موروثنا الثقافي التقليدي”. أم الإمارات قدوتنا! تعتبر سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله ورعاها، المثال الأعلى للمرأة الاماراتية بشكل خاص، والمرأة العربية بشكل عام، وفي هذا الشأن تقول أم خالد: “ان سمو الشيخة فاطمة هي أمنا جميعا، وهي السند والدعم اللامحدود لنا نحن المواطنات العاملات، فبيتها مفتوح للجميع، يقصده الصغير والكبير، ولعل الاتحاد النسائي هو متنفسنا الذي نجد ذواتنا من خلاله، وأم الامارات هي الهامة التي نتطلع اليها”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©