السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آخر الصحفيين.. الآدميين

20 مارس 2010 22:13
ولم لا؟ فهذا الزميل، “ستاتس منكي” المولود الجديد لمختبر “أنفولاب” في جامعة نورثوستون، وهو من آخر مبتكرات الذكاء الاصطناعي، قد انضم فعلاً إلى الأسرة الصحفية مستهلاً عمله بتغطية المباريات الرياضية في كرة القاعدة الأميركية (البيسبول) على أن يبدأ لاحقاً ـ هو أو نسخة معدلة منه ـ تغطية أسواق المال والبورصات، والآتي بعد ذلك سيكون بلا شك أعظم. فالذين تصوروا أن الرجل الآلي، الروبوت، سيحل فقط مكان العمال اليدويين ولن يقترب من المهن “الذهنية” كانوا ساذجين للغاية، وحدهم من كانوا يتابعون آخر الجديد في تكنولوجيا الروبوت، لم يصدموا بالخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام غداة مباريات فريقي “مينوسوتا توينر” و”تكساس رينجوز” الأخيرة وإن لم يخل الأمر من مفاجأة. لكن من وقع المفاجأة عليه أقل من الجميع هم بالتأكيد أولئك الصحفيون والمحررون الذين يعرفون أكثر من غيرهم إلى أي حد يمكن أن تكون صيغ الكتابة الصحفية في بعض المجالات مكررة ومملة لدرجة أن مصممي “ستاتس منكي”، البروفيسور لاري بيرنبوم والبروفيسور كريس هاموند ومساعديهما من صحفيين وخبراء معلوماتية، استطاعوا في النهاية وضع برنامج يعتمد بشكل أساسي على تحديد العبارات التي تتكرر عادة في الصحف، ووكالات الأنباء، الرياضية لدى الكتابة عن المباريات المماثلة. طبعاً نحن أمام بداية . لكن إذا جمعنا ـ كما يفعل مصممو برامج البشر الآليين مثلاً ـ أهم مميزات كل من مشاريع الروبوت الأخرى التي تجري على قدم وساق في أكثر من مكان في العالم ولأغراض مختلفة، سنصبح أكثر اقتناعاً بأن “الصحفي الآلي” لا بد آت وربما أسرع مما نتوقع خاصة مع دمج التكنولوجيا الدقيقة (النانوتكنولوجي) في علوم الطب والبيولوجي والجينات وعلم تطور الأعصاب والإلكترونيات الجزئية التي ستنتج في العام 2030 آلات “أذكى” وأقوى مليون مرة مما هي عليه الآن. بل إن دخول صناعة الإنسان الآلي مراحل واستخدامات جديدة ومفاجئة قد لا تنتظر عشرين سنة أخرى. فكوريا الجنوبية، إحدى الدول الرائدة في هذا المجال رصدت 9 ملايين دولار لتجهيز خمسمائة صف مدرسي في العام القادم (2011) بالأساتذة الآليين ضمن مشروع وطني يراهن على دور هذه المخلوقات الآلية المبرمجة في نطاق التعليم. وفي لندن دخل مشروع “آيكون” (Aikon) لمجموعة الباحثين في جامعة جولدسميث مستوى جديدا بتطويرهم رجلاً آلياً قادراً على رسم الوجوه (البورتريه). وفي اليابان يتواصل مشروع صنع روبوتات مدربة على خدمات “إنسانية “ مثل التمريض في غضون 5 أعوام كما يستمر تطوير الرجل الآلي المشهور باسم “أسيمو” ( Asimo) لتقليد ومحاكاة الأفكار البشرية، هذا دون نسيان روبوت “ريم ـ بي” (Reem-B) الذي سبق وعرضته شركة “بال تكنولوجي” (PAL Technology) في أبوظبي والذي يعد نموذجا لتطوير واحد من أكثر الروبوتات الشبيهة بالإنسان. في النتيجة، إذا جمعنا مميزات هذه البرامج في رجل آلي واحد لن يكون صعباً منذ الآن إنتاج صحفيين آليين وأكثر تطوراً من “ستاتس منكي”، ويجب أن نهيئ أنفسنا من الآن لنسمع قريباً بأن بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى قد بدأت بتشغيل بعضهم. قد يبدأ الأمر على سبيل الترويج والدعاية لكن الزمن لن يطول ليتحول ذلك إلى حقيقة ملموسة ولو في مجالات صعبة على البشر العاديين، مثل تغطية المعارك أو أخبار رحلات الفضاء أو الكوارث البشرية، في وقت يجب أن لا نغفل فيه عن بدء تجارب تزويد البشر العاديين برقائق من التكنولوجيا الدقيقة التي تحل مكان/ أو تنشط بعض وظائف الجسم، ودون أن ننسى حقيقة أن كثيرين من النجوم ـ وعلى رأسهم الإعلاميون ـ الحاليون لم يعودوا بالكامل (100%) طبيعيين بسبب، وبفضل، تكنولوجيا المعلومات التي تحكم ليس فقط عملهم ونمط إنتاجهم وحياتهم بكل ما للكلمة من معنى، بل أيضاً، وبفعل العادة والزمن، تحكم وتطفئ مشاعرهم وانفعالاتهم لدرجة لا يمكن التمييز العاطفي بينهم أو بين كتابتهم وبين “ستاتس منكي” وأسلوب كتابته الآلية. فهل نشهد الآن عصر آخر الصحفيين.. الآدميين؟ الياس البراج barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©