الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الهوكو»... وبقايا «الماوية» في الصين

20 مارس 2010 22:23
اللغة كانت صريحة والنبرة مباشرة: "نأمل أن تنتهي عقود من سوء الإدارة الحكومية الصينية في هذا الجيل... دعوا الجيل المقبل يتمتع بالحرية والديمقراطية والمساواة التي تعد ضمانات دستورية مقدسة". هل يتعلق الأمر ببيان صحفي أصدرته منظمات صينية منشقة في الخارج؟ أم بتقرير لوزارة الخارجية الأميركية حول أوضاع حقوق الإنسان في الصين؟ كلا، إنها افتتاحية مشتركة فريدة من نوعها نشرتها في الأول من مارس الجاري 13 وسيلة إعلام صينية ذات توجهات مستقلة في 11 إقليماً ومدينة، وذلك عشية الدورة السنوية للبرلمان الوطني التي اختتمت الأحد الماضي. أما هدف الانتقادات، فهو نظام تسجيل العائلات أو "الهوكو"؛ ويمكن القول إن هذه الافتتاحية ليست سوى مؤشر واحد على الضغط الشعبي المتزايد من أجل القيام بإصلاح عميق لهذا النظام. نظام تسجيل العائلات، الذي أنشئ في الخمسينيات، وُضع في الأصل لخدمة أهداف "ماوية" مثل التحكم في النمو السكاني والتخطيط الاقتصادي للدولة؛ ولكنه حكم على المواطنين الصينيين بالتزام مكان إقامة معين، حيث صنفهم كحضريين (يعيشون في المدن) أو ريفيين (يعيشون في الأرياف)، وزراعيين (يشتغلون في الزراعة) أو غير زراعيين (لا يمارسون الزراعة). كما منح معاملة تفضيلية -بخصوص حصص الغذاء والسكن والتعليم- للعمال الصناعيين الحضريين. والواقع أن عملية التحرير الاقتصادي في مرحلة ما بعد 1978 رفعت العديد من هذه القيود مثل السفر. ومثلما يمكن أن يشهد على ذلك أي سائح حاول شق طريقه على متن قطار مكتظ في الصين خلال موسم السفر بمناسبة قدوم السنة القمرية الجديدة، فإن المواطنين الصينيين العاديين يتمتعون بحرية التنقل عبر البلاد (ويمارسونها)؛ غير أن وضع الإقامة في الصين مازال مرتبطاً بشكل وثيق بعدد من الحقوق والامتيازات، وبخاصة المزايا الاجتماعية التي يستفيد منها سكان المدن. ذلك أن معظم الصينيين الذين يهاجرون من الأرياف إلى المدن الصينية لا يستطيعون الحصول على خدمات عامة متساوية مثل الرعاية الصحية والتعليم لأطفالهم. ولأن وضع الإقامة وراثي، وثمة قنوات محدودة جدا لكي يغير المرء وضع إقامته، فإن هذا التفاوت قد يتطور إلى انقسام دائم ومستمر في المجتمع حيث يمكن لأجيال من أطفال المهاجرين الذين وُلدوا ورُبوا في المدن الصينية أن يكبروا كطبقة حضرية من الدرجة الثانية. الخبر السار يكمن في حقيقة أن السلطات الصينية اتخذت خطوات أولية لمعالجة هذا التمييز. فبموجب قانون سن في 2009، بات بالإمكان معاملة سكان المدن والأرياف على قدم المساواة بخصوص حساب تعويضات الوفاة في الحوادث الكبيرة. والأسبوع الماضي، قام البرلمان الصيني بتعديل قوانين انتخابية لإحصاء السكان المدنيين والريفيين على نحو متساو بخصوص التمثيل التشريعي (يشار هنا إلى أن القانون السابق كان يعتبر سكان الأرياف ربع نظرائهم في المدن). وعلاوة على ذلك، فإن عدداً من التجارب المحلية مكنت المهاجرين القادمين من الأرياف، من الحصول على وضع إقامة حضرية في مدن صينية كبيرة. بيد أن هذه الإصلاحات تظل محدودة جداً في الواقع؛ كما أن الإصلاحات الانتخابية التي اعتمدت مؤخراً تحاشت الإجابة عن أسئلة مهمة من قبيل ما إن كان ينبغي السماح للمهاجرين بالتصويت والترشح للانتخابات في المدن التي يعملون بها. وإضافة إلى ذلك، فإن الشروط الاقتصادية الصعبة للحصول على إقامة حضرية في إطار العديد من الإصلاحات المحلية (مثل شراء منزل)، لا تشمل المهاجرين الريفيين من ذوي الدخل المنخفض الذين يعيشون في شقق مؤجَّرة. ومما يذكر هنا أن مثل هذه الإصلاحات أدت في مدينة شيجيازوانج الواقعة شمال البلاد إلى تقدم 11 ألف مواطن فقط بطلب الحصول على تسجيل إقامة حضرية، من أصل ما مجموعه 300 ألف عامل مهاجر تقريباً. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الإصلاحات الوطنية والمحلية تتوقف بسبب مشاكل تتعلق بالتمويل، وذلـك لأن الحكومات المحلية ترفض تحمل عبء توسيع التعليم والمزايا الصحية حتى تشمل المهاجرين. كما أن العديد من السكان الحضريين يعارضون خفض مستويات استفادتهم من الخدمات العامـة. تضاف إلى ذلك حقيقة أن المسؤولين الصينيين لا يستجيبون أيضاً بشكل إيجابي للجهود التي يبذلها نشطاء وصحافيون من أجل فتح ودعم نقاش عام حول هذه المواضيع. فالأسبوع الماضي مثلًا، أفادت وسائل إعلام أجنبية أن جانج هونج، وهو ممن ساهموا في تحرير افتتاحية الأول من مارس المشتركة، أُجبر على الاستقالة، وأن السلطات عمدت إلى محو الافتتاحية نفسها من مواقع الإنترنت عبر الصين. إن معالجة محنة المهاجرين الصينيين بفعالية تتطلب إصلاحاً أعمق بكثير لنظام "الهوكو"؛ فهي تقتضي إلغاء الطابع الوراثي لنظام الإقامة، وتقتضي رصد التمويل الكافي من أجل تلبية احتياجات المهاجرين على نحول أفضل؛ وتقتضي إلغاء القيود التي تعود إلى عقد الخمسينيات وإزالة الارتباط بين وضع الإقامة والخدمات العامة؛ وتقضي نقاشاً صريحاً ومفتوحاً حول هذه المشاكل في وسائل الإعلام الصينية. كما يتعين على السلطات الصينية أن تعالج بشكل مباشر الدعوات الشعبية إلى تغيير وتعميق الإصلاحات؛ فالأمر لا يتعلق هنا بمطالب حكومات أجنبية، بل بدعوات صادقة من قبل الصينيين الذين ينتابهم قلق عميق بشأن تفشي اللامساواة في مدنهم. كارل مينزنر أستاذ القانون بجامعة واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «"إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©