السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«رحلة وداع» تنتصر على محاولة انتحار وتصيغ حياة جديدة في متاهة البحر

«رحلة وداع» تنتصر على محاولة انتحار وتصيغ حياة جديدة في متاهة البحر
20 مارس 2010 22:31
قدمت فرقة جمعية كلباء للفنون الشعبية والمسرح مساء أمس الأول بقصر الثقافة بالشارقة عرضها المسرحي رحلة وداع” الذي اختير ضمن مسابقة أيام الشارقة المسرحية في دورتها العشرين. العرض من تأليف محمد الغريب وإخراج عارف سلطان وشارك في تنفيذه أدائياً مجموعة من الممثلين الشبان، وهم: بدر الرئيسي وعادل سبيت ومحمد آل رحمة وعادل الدرمكي وخليفة حمودي وعيسى بن توبة. ومنذ قراءتنا لكلمة المخرج عارف سلطان في مدونة العرض نبدأ في التقاط الخيوط الأولى للقضية التي تتمحور حولها المسرحية، حيث يطرح المخرج في كلمته سؤالًا إشكالياً حول المشاعر المتضادة التي تعصف بالإنسان قائلًا “ هل زرع الله في نفوسنا بذرة الشر أكثر أم بذرة الخير.. فمع استمرار الحياة نشعر أننا نتغير بتغير الظروف، وتتحكم بنا غرائزنا، وتتولد لدينا طبائع شريرة، فنصبح آدميين ووحوش في نفس الوقت”. ومن منطلق هذا السؤال الوجودي المقلق يشرع المخرج في تكوين وتجسيد رؤيته الخاصة على الخشبة، مستوحياً الظلال والانعكاسات العميقة التي تتماوج على ضفتي الخير والشر في الذات الإنسانية، حيث تفتح الستارة على ديكورات تجسد البيئة البحرية وتعبر عنها دون تكلّف، فنرى قماشاً أبيض مترامياً على جانبي الخشبة، وكأنه شراع يخفق وسط الريح، ومرساة عملاقة في الوسط تلتف في نهاياتها حبال “الكمبار” المعروفة التي يستخدمها أهل البحر في رحلات الغوص أو التجارة، وهذا السينوغراف الذي يجلب لنا ملامح سفينة “البوم” سوف يفرز بدوره شخصيات متوترة وتائهة فوق سطحه المهيب، فنرى النوخذة ( الممثل بدر الرئيسي) وهو يهيئ لنا عتبة الدخول إلى العرض من خلال اعترافه الذاتي والصارخ : “ هذا محملي، وهذا تابوتي”، صرخة قد تبدو نتاجاً لحالة من التأزم الذاتي والألم الجسدي الذي تكشفه لنا المسرحية تدريجياً في مساحة درامية وتأويلية تذهب بنا إلى مناطق أبعد وأكثر ميلاً لتشريح حالات وقضايا كبرى. فهذا النوخذة المقبل على الموت والمثقل بعقدة الذنب تجاه جرائمه القديمة يختار الذهاب إلى رحلة انتحارية وأخيرة، كي يكون البحر هو مثواه ومدفنه الأخير دون اعتبار لقيمة وحياة البحارة الذين يرافقونه، وكأنه يقول “ أنا ومن بعدي الطوفان”، ويشرع في الذهاب بالسفينة إلى متاهة جامحة لا يمكن الخروج منها سوى بالجوع والعطش والهلاك الأبدي. ومع توالي أحداث القصة تتكشف للبحارة النوايا السوداء التي يختزنها النوخذة، وأنه يحيك مؤامرة لقتل أحد البحارة المناوئين له، وفي مشهد استعادي صامت وتعبيري أسهمت الإضاءة في تجسيده، نكتشف أن النوخذة وقبل سنوات بعيدة قام بقتل ابنه عندما تمرد عليه وتزوج من امرأة غريبة، وكان يرفض دائماً الذهاب معه إلى البحر، وفي مشهد ختامي ودامي أيضا يتكرر ذات المشهد مع النوخذة عندما يطعنه أحد البحارة المتمردين في ظهره في إعادة لحكاية (بروتس) الشهيرة، فينتهي بذلك فصل منهك من الجحيم، وتزول لعنة (النوخذة/الديكتاتور) بجنونه الطاغي ونواياه الداكنة، كي يتهيأ البحارة لصياغة حياة جديدة، وارتحال مختلف وواضح هذه المرة، بعيداً عن القانون الواحد والأعمى الذي لا يفرق بين مصائر الآخرين وحاجاتهم الأصيلة للحب والألفة وملامسة المستقبل بفرح. تميز العرض بالإضاءة المقتصدة والمكثفة وبالديكور المعبر عن مضامين العرض، إلا أن أداء الممثلين رغم شغفهم وحماسهم كان مقيداً وفاقداً للديناميكية الجسدية والتنويع الدرامي، وخلا الأداء أيضاً من الانفعال المواكب للصراع الكبير والشرس على سطح السفينة الذي جسدته هلوسات النوخذة وقلق البحارة، أما الموسيقا المصاحبة للعرض فغلب عليها الطابع الميلودرامي المكرر والمستهلك، ولم ترق هذه الموسيقا لمستوى الدخول إلى نفسيات الشخوص، وترجمة الصدى العميق لعذاباتهم وحيرتهم الذاتية العارمة.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©