الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما تأتي العواطف متأخرة

عندما تأتي العواطف متأخرة
6 ديسمبر 2007 04:17
مازالت دوريس لسنج (1919- ···)، بعد ما يزيد على تسعين كتاباً، تبدع، وتنشر، وتثير الدهشة لدى قرائها· إنها، ربما، أعظم كاتبة بالإنجليزية على قيد الحياة، وما فوزها بجائزة نوبل، هذا العام، إلا دليل على استحقاقها لتلك المكانة، وإن جاء متأخراً· للسنج رواية، متأخرة نسبياً، بعنوان ''الحب ثانية'' Love Again، واللافت فيها أنها أعادت إلى قارئها، زمن نشرها، الثقة في كاتبتها، بعد أن مضى زمن على أفضل ما كتبته كـ''مذكرات جين سمرز'' Diaries of Jane Somers، و''الصيف الذي يسبق الظلام'' The Summer Before the Dark، و''المفكرة الذهبية'' The Golden Notebook. لقد أخذت لسنج على عاتقها في ''الحب ثانية'' مهمة الحديث عن موضوعة الحب المتأخر، وتطلب ذلك منها شجاعة خاصة· ومما يجدر ذكره هنا، أن سيمون دي بوفوار كانت قد لاحظت، قبل أكثر من نصف قرن، أن النسوة اللواتي قطعن من أعمارهن شوطاً طويلاً، لا يجدن ما يسعفهن في التعامل الحميم مع شركائهن، خاصة إن وضعت أجسادهن تحت خانة الرفض، ولعل مصدر ذلك الرفض كامن في كون المحيط الاجتماعي عادة ما يقمع أية إيماءة يؤشرن بها على حاجاتهن الجسدية· حب لاعقلاني إن الإشكال السابق هو مدار معالجة لسنغ لشخصيتها الرئيسية ''سارة دورام'' Sarah Durham؛ تلك المرأة الستينية الناضجة الواعية، التي تناضل في سبيل الاحتفاظ بنضارة شباب متفلت· وعندما تصطرع الرغبة داخلها، فجأة، وبعد عشرين سنة من ترملها، نجدها تصارع نظرة اجتماعية ضيقة تستهجن ذلك من امرأة مسنة· تدير سارة محترفاً للتمثيل في لندن، فضلاً عن كونها كاتبة سيناريو لامعة· لقد كتبت مسرحية مبنية على حياة جولي فايرون Julie Vairon، وهي كاتبة من القرن التاسع عشر، وموسيقية، عاشت حياة تعيسة بسبب إخفاقها في الحب، وفقدانها لثلاثة محبين، وماتت منتحرة· أما ستيفن إلينجتون سمث Stephen Ellington Smith، أحد مؤازري المسرحية، فإنه يقع في غرام جولي فايرون، وكأنه قد شغف بتلك الشخصية التاريخية حقاً، عبر حب لاعقلاني للممثلة التي تؤدي دورها· وبالمقابل، فإن سارة تعجب ببيل Bill، وهو ممثل في السادسة والعشرين من عمره، له ميول مثلية· وتعجب، كذلك، بهنري Henry ذي السنوات الخمس والثلاثين، والمتزوج· وهي موضع حب الشاب Andrew، المتيم بمن يكبرنه سناً· ثمة عشاق كثر في الرواية، وفي أثناء بسط لسنغ لحيواتهم، نراها تقدم قراءة مسحية لخريطة الحب الكبرى أدبياً، بدءاً بشكسبير وستاندال، مروراً بـ د·هـ· لورنس، وت·س· إليوت، وانتهاء بكلمات الحب في أغاني البوب، فلسنغ تقر بولعها بالمغني بوب ديلان Bob Dylan، مثلاً، وهي تصدّر روايتها بكلمات أغنية شهيرة لمارلين ديتريتش Marlene Dietrich، تقول: ''أن تسقط في الحب ثانية، لم يكن مطلوباً أبداً''· تستعير لسنغ من إليوت الكثير، على الرغم من أن الحب لم يحتل حيزاً كبيراً لديه، وروحه الشعرية مبثوثة في أرجاء الرواية، فأجواء الفقد والضياع في أرضه اليباب، تطارد سارة كلما انتابتها مشاعر حب رومانسية، وتطاردها، كذلك، شخصية ج· ألفريد برفروك J. Alfred Prufrock في قصيدته الشهيرة التي يتضمن عنوانها الاسم ذاته· وبروفروك، كما هو معروف، شخصية بلا عواطف وتكاد تكون معادية للحب· وكما أوضحنا، سابقاً، فإن الرواية تستدعي أجواء حلمية، أو غير عقلانية لعشاق متنافرين، يذكّرون بشخصيات شكسبير في مسرحيته ''حلم منتصف ليلة صيف''· قراءة مقنّعة ترثي لسنج، عبر سارة، الحب، وتصف حياة المسنة بلا شريك، بأنها صحراء مجدبة· ويصطبغ الحب في الرواية، عامة، بلون تراجيدي وكوميدي في آن، متماثلاً مع القناعين المسرحيين المعبرين عن هذين النمطين المسرحيين، ومؤكداً طبيعته الخلافية· فالحب كما تعبر عنه لسنغ ''سم قراح'' و''حمى باردة''· وتعتمد قراءة الرواية وتأويلها على توقع القارئ وحساسيته في تقبلها، فهي صالحة للقراءة عبر القناعين السابقين معاً· وبالاستناد إلى سارة، فـ''ثمة مراتب للوقوع في الحب، بقدر التدرجات اللونية التي نلفيها على البطاقات الملوّنة في متجر للدهانات''، وهي تصف جسدها أنه امتلأ ''دفعة واحدة، بأكثر الشهوات انحطاطاً''، وتحلل ذلك متسائلة: ''أليس الأمر أننا مدفوعون، كلما تقدم بنا السن، إلى قدر يجعلنا نعاني من حب من هم أصغر منا وأجمل؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ ما المنطق في كل هذا؟ إن أحدنا يغرم بذاته الأحدث سناً··· ومن المرجح أن ذلك عرض نرجسي، فكلنا مرايا للآخرين··· لكنه ليس مرتبطاً بتواصل وظيفي أو حاجة بيولوجية· ما الحاجة إذاً؟ وما التجددّ، لماذا نجهد أنفسنا في التذكر، وماذا تريد الطبيعة منّا؟''· وتبدو الحوارات بين سارة وستيفن الأعمق في الرواية، والأكثر ارتباطاً بالأدب، ولاسيما أنه هو الآخر، يعاني في زواجه، ومضنى من حب الممثلة المتقلبة المزاج· تفترض سارة، بإيحاء من حالة ستيفن وحالتها، أن الكل لابد يحمل أينما مضى تبعات الشوق وأعباءه التي ''تلتهب دوماً، بعيداً، وبصورة خفية ككدمة داخلية'' ثم يتم إسقاط هذا الشوق، دون إبداء الأسباب، على شخص بعينه· وعندما يحدث ذلك، فإن الإنسان مريض بداء الحب، واللوعة تكون أكثر إيلاماً -في العادة- عند المساء، لأن البشر كانوا وما يزالون، منذ ملايين السنين، يخشون اقتراب الظلام، أو ربما لأن آلام الحب الأشد تستذكر في تلك الأوقات، كأن يتذكر المرء خيانة أمه التي لا تحبه أو تحب أخته أكثر· إنه يشعر بحاجة يائسة لها، كالطفل عندما يجوع· ولأن ذلك معيب لدى الكبير فإننا نبدله بالشهوة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©