الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روايــة العشــق المهــــزوم

روايــة العشــق المهــــزوم
6 ديسمبر 2007 04:17
هل الإنسان هو من يخلق مكانه ومصيره، أم أن المكان هو الذي يساهم في خلق مصير الشخص، ويحدد مساراته؟ وكيف يمكن أن تنمو الشخصية الروائية وتتطور في المسار الروائي، ضمن العلاقة مع الشخصيات الأخرى في الرواية؟ وما الذي يجبر امرأة على أن تعيش علاقات غامضة لا تعرف إلى أين تقودها وإلى أين تسير بها؟ وكيف يحدث أن لا تلتقي المرأة إلا برجل مرتبط بارتباطات سياسية أو مافياوية، وتخسر حياتها؟ وإلى أين وصل لبنان منذ اغتيال الحريري؟· أسئلة تطرحها رواية اللبنانية ناديا بوفياض ''وكان الحب شهيداً'' (الصادرة عن دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام في بيروت)، هذه الرواية التي تسعى إلى تلخيص ما يجري في لبنان من فساد سياسي وإداري، وذلك من خلال علاقة الحب التي تربط الصحافية ''ربى'' مع كل من: ''غسان'' و ''طارق''، الحب الجارف الذي يتكشف عن خديعة كبرى يمارسها كل من الشابين بطريقته الخاصة، مقابل الاندفاع المتهور للفتاة في كل من العلاقتين، بحثاً عن الحب الصادق الذي يقود إلى الزواج، لكنها تكتشف أي خديعة قادتها في هاتين العلاقتين مع شابين يعملان ضمن المافيات التي تعمل في تجارة السلاح وتبييض الأموال، فتعود إلى وحدتها وعزلتها· فنياً، تحدد الكاتبة أن المهم في عملها ''ليس من أين تبدأ''، بل كان السؤال ''كيف أبدأ؟''، وهي تربط بين واقعها الشخصي والذاتي وبين كون بيروت تخضع إلى سمة ''المطاردة'' كواحدة من سماتها الأساسية، وهي في هذا الإطار ترى كيف أن ''الآلام تعري، تنزع عن النفس قشرة الجسد فنصبح فجأة في مواجهة الداخل''، وهو ما يجعلها تتساءل عن الفرح المفاجئ الذي يصيبها ''هل لأن الكتابة تحمل إلى الـ(أنا) نصراً أدبياً بعد الهزيمة العاطفية؟''· تبني الروائية شخصيتها النسائية ''ربى'' بقدر من البساطة والتشويق، وتقدمها بوصفها شخصية عاطفية ورومانسية مقبلة على الحب دون تردد كبير، فهي كصحافية تجذبها أسرار الناس والدولة والأشخاص ذوي الحضور الطاغي تسعى إلى معرفة كل ما يجري حولها، وتقع في علاقتها الأولى - الغامضة - مع غسان، وتتعرض إلى المضايقات الأمنية، حتى أن حبها كان شهيداً للوقائع اللبنانية وما تنطوي عليه من مخاطر تضرب الحب وتقضي على المشاعر الرومانسية البريئة لـ''ربى''· ومن خلال بنائها لكل من شخصيتي ''غسان'' و''طارق'' تكشف الروائية عن علاقة معقدة بين شخص ينتمي إلى عالم المافيا وفي الوقت نفسه يبدو شخصاً عاشقاً، وطيباً جداً في علاقته مع ''ربى''، فما الذي يمكن لهذه المرأة أن تفعله بمثل هذه العلاقة؟ وكيف يمكن لها أن توازن بين حاجتها إلى الحب وبين علاقة غير مفهومة في تفاصيلها، علاقة تطرح عليها الكثير من الأسئلة حول هذه الشخصية وسلوكها، والغياب غير المبرر، خصوصاً لجهة الصبر الذي تمارسه مع كل من هاتين الشخصيتين، في الوقت الذي تشعر فيه ''ربى'' بالحاجة إلى علاقة متوازنة لا تحصل عليها؛ لأن كلاً من الرجلين يماطل بطريقته، ويحرمها من الشعور بالأمان الذي تحتاج إليه· هي رواية تحكي مشاعر امرأة وحيدة تتوق إلى علاقة حب عاصفة، تأخذها إلى عوالم غريبة وجديدة، لكنها تنتهي بمأساة تراجيدية مع كل من الشخصيتين، وتجد نفسها وحيدة من جديد، في بلد تتحكم فيه المافيات والقوى الأمنية المرتبطة بقوى عالمية تحكم مصائر البشر في هذا البلد، فهذا ''طارق'' يتنقل بين بلدان العالم بصورة لا تترك له مجالاً للاتصال بحبيبته ''ربى'' إلا كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة، بدعوى الانشغال الدائم، بينما الحقيقة هي الدواعي الأمنية التي تمنعه من الاتصال، وهو يظهر بشخصيتين متناقضتين، واحدة هي شخصية الرجل العاشق الولهان الذي يذوب عشقاً، والثانية شخصية رجل المافيا الكتوم الذي لا تعرف من يكون! هذه بعض التشوهات التي أصابت الإنسان في لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية، تشوهات أحدثت خللاً بنيوياً في الروح والعقل اللبنانيين، كما تعبر الرواية، بحيث لم يعد الحب الحقيقي ممكناً، وتبدلت الأدوار والعلاقات، فأصبح الهم الأساس للفرد هو كيف يرتقي في سلم الثراء بأي شكل وبأي ثمن، ومن دون أي اعتبارات إنسانية، فنحن أمام بيروت التي تشهد مسلسلاً من الخوف والاحتقان السياسي المتصاعد، وقمع التظاهرات بعنف، واشتداد القبضة الأمنية التي تصل إلى حكايات الحب، وتصبح المشاعر الإنسانية سيفاً مصلتاً فوق رؤوس كل من يتعاطى الشأن العام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©