الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمل من دون تنازلات

العمل من دون تنازلات
6 ديسمبر 2007 04:21
هو فنان متعدد الاهتمامات، مشاكس وهادئ في طرحه السينمائي، ولكنه الهدوء المفخخ بالأسئلة والخيالات الشائكة، وعلى الرغم من الواقعية الطاغية على أعماله، إلا أنه غالباً ما يوازن بين الوعي بقيمة السينما وبين المتعة عند إنتاجها، وعي لم يخل من النقد ومتعة لم تخل من الصدمة· المخرج وكاتب السيناريو الأميركي بول هاجيسهو أحد السينمائيين القلائل الذين استطاعوا المضي في هذه المغامرة والقفز على إشكالية التوازن بين العام والخاص، والأكثر من ذلك استطاع هاجيسأن ينتهج خطاً أسلوبياً مميزاً وضعه في مصاف السينمائيين الكبار والمخلصين للفن السابع ولمناخه الاحترافي وإلهامه النوعي المحلق بجناحي المعرفة والشغف· ضد الحرب والعنصرية من أشهر ماقدمه هاجيسفيلم ''اصطدام'' كْفَّو من كتابته وإخراجه وإنتاجه، وهو الفيلم الثاني إخراجياً له بعد فيلم ''أحمر ساخن'' الذي وزع بشكل محدود في العام ،1993 اشتغل بعدها على سلسلة من الأعمال التلفزيونية الناجحة ومن أهمها مسلسل ''شارع إي زد'' الذي أشاع حمى المسلسلات القائمة على ثيمة الغموض، ولولا هذا المسلسل لما خرج مسلسل آخر شهير وجماهيري مثل ''سوبرانو''· مع خروج فيلم ''اصطدام'' كْفَّو للصالات التجارية التفت النقاد والجمهور لموهبة هاجيسوقدراته المتفردة على مستويات الطرح والموضوع والمعالجة، ونتاجاً لهذا التميز حاز الفيلم جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو أصلي وأفضل فيلم عن العام ،2005 وعلى الرغم من أنه لم يفز بجائزة الإخراج التي ذهبت للصيني آنج لي عن فيلمه ''جبل بروكباك''، إلاّ أن هاجيسحاز لقباً نادراً في ذلك العام، فهو أول شخص في تاريخ الأوسكار يفوز فيلمان من كتابته بجائزة أفضل فيلم وهما ''فتاة المليون دولار'' و''اصطدام''· ومن شاهد فيلمه الأخير ''في وادي إيلاه'' سوف يكتشف أبعاداً إنسانية وسياسية عميقة في توجهات هاجيسالسينمائية، حيث يحكي الفيلم من خلال سيناريو مترابط وإخراج محبوك قصة أب متقاعد كان يعمل محققاً عسكرياً (قام بدوره تومي لي جونز) يفاجأ الأب بالصدمة الروحية والنفسية المزلزلة التي حاقت بابنه العائد من العراق، والذي ذهب ضحية الشرخ الداخلي الذي أصابه وأصاب أصدقاءه وجعلهم يفسرون الموت والحياة من وجهة نظر مشوشة ومعتمة تماماً· عندما التقيت بول هاجيسفي مهرجان الشرق الأوسط بأبوظبي وبعد انتهاء عرض الفيلم مباشرة قال لي: إن فكرة الفيلم راودته بعد اطلاعه على صورة بشعة رآها لطفلة عراقية دهستها عربة الجنود الأميركيين من دون رحمة ومن دون انتباه سوى للرعب المتمكن في دواخل الجندي المقذوف وسط حرب العصابات وجحيم السياسات الداخلية· الإصرار والمخاطرة وجه هاجيسمن خلال هذا الفيلم نقداً عنيفاً للسياسة الخارجية الأميركية، ولعقلية الرئيس بوش المملؤة بالأوهام والمثاليات الدينية والأيديولوجية، كما قدم النقد ذاته من خلال فيلم ''كراش'' ولكن ضد السياسات الداخلية والأفكار العنصرية· صرح هاجيسإنه لم يكن على الأرجح قادراً على إخراج فيلم ''في وادي إيلاه'' لولا المساعدة الكبيرة التي قدِمها له المخرج الشهير كلينت إيستوود· وقال: أرسلت إلى إيستوود المجلة التي نشرت المقال الذي استلهمت الفيلم منه وقام بمساعدتي بالفعل· لقد تبنِى هذه القصة وساعدني على تصويرها''· وأضاف ''هو السبب في إنتاج شركة (وارنر بروذرز) للفيلم لأنه لم تكن هناك استوديوهات أخرى ترضى بتصويره في العام ·2004 لقد كان الأمر مخاطرة بالنسبة لها''· وقال إنه وجد صعوبة في تمويل الفيلم عندما كان يسوِق للفكرة، لأن نسبة التأييد للرئيس بوش آنذاك كانت تبلغ 80% ولم يكن أحد يريد الحديث عن ''حياة الجنود العائدين''· يذكر أن هاجيسقد أصيب بأزمة قلبية حادة أثناء تنفيذه لفيلم ''اصطدام''، ولكنه لم يدع أحداً غيره يكمل الفيلم· تعافى هاجيسبعد أسبوعين وأكمل الفيلم فعلاً، إنها غريزة النجاح ورغبة التفوق ونار الإبداع الداخلية التي تجعل الفرادة صنعة وإصراراً قبل أن تكون مجرد موهبة متبخرة، أو طاقة مهدورة في الزمن!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©