الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسود لحملان ·· رسائل توبيخ للسياسيين الأميركيين

أسود لحملان ·· رسائل توبيخ للسياسيين الأميركيين
6 ديسمبر 2007 04:21
يرتكز فيلم ''أسود لحملان'' للمخرج والممثل الشهير روبرت ريدفورد على الحوار والجدل بين الشخوص كقاعدة عامة تقوم عليها ثلاثة محاور رئيسية مقسمة بعناية على زمن الفيلم، ولذلك فهو عمل قائم على توليف صور ذهنية قوامها الحكي والتعبير الصوتي، أكثر من اعتماده على المشاهد الحية والخارجية، إلا في أضيق الحدود وبأقل كلفة بصرية ممكنة، وهي الصور التي رأينا فيها معاناة جنديين من القوات الخاصة الأميركية وسط جبال أفغانستان الموحشة والمحاصرة بمقاتلي طالبان· و''أسود لحملان'' عنوان مراوغ أراد المخرج أن يضاهي به المغزى العام للفيلم، وأن يوجه رسائل شديدة اللهجة لمتخذي القرار في قمة الهرم السياسي في الولايات المتحدة، وهو بمثابة عتبة لتحليل الأخطاء العسكرية التي ارتكبت في فيتنام وما زالت تتكرر في العراق وأفغانستان حالياً، وفي سوريا وإيران مستقبلاً، لأنها أخطاء تنبع من وجهات نظر عاطفية وشكوكية متبوعة بالمصلحة الاقتصادية والذعر الإعلامي· حلول ناقصة يستقي الفيلم عنوانه من لقب أطلقه أحد القادة الألمان على جنود المشاة البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، حيث شبههم بـ''الأسود'' الذين يدافعون عن بلدانهم ببسالة، ولكنهم في الوقت ذاته ضحايا لقادتهم ذوي القرارات المتخبطة والقابعين خلف مقاعدهم مثل الحملان المشوشة والمرتعبة· ويتقاطع عنوان الفيلم أيضاً مع عبارة شهيرة للإسكندر الأكبر يقول فيها: ''لم أخف يوماً من جيش الأسود الذي يقوده حمل، ما أخافه كثيراً هو جيش الحملان الذي يقوده أسد''!· وروبرت ريدفورد المتمرد على الطابع الاستعراضي الصرف لإمبراطورية هوليوود الترفيهية، سبق له إخراج ستة أفلام كانت جل المواضيع المطروحة فيها مشغولة بالتحليل السياسي والتشريح الاجتماعي، أفلام مثل: ''كل رجال الرئيس'' و''برنامج المسابقات'' و''المرشح''، ويعتبر ريدفورد من المخرجين المارقين والمتمردين على الأسلوب التجاري في معالجة المواضيع السينمائية، وغالباً ما تطرح أفلامه قضايا داخلية وإنسانية جادة، وهو من الفنانين المستقلين المتأثرين بأجواء السينما الأوروبية المعمقة والجريئة في آن· وفيلمه ''أسود لحملان'' لا يخرج كثيراً عن هذا السياق ولكنه وفي المجمل، تحول إلى سؤال كبير وفرضية مبهمة تفككت غاياتها ومقاصدها تحت ضغط الفكرة المكثفة والأسلوب الحكائي المفرط، فالسيناريو الذي كتبه ماثيو كاراناهان (كتب سيناريو فيلم ''المملكة'') انحاز هذه المرة للقطع والفصل بين الأحداث للعزف على أكثر من وتر والتنويع في وجهات النظر من أجل الخروج بنتائج وقناعات مشتركة، ولكن مشكلة هذه النوعية من السيناريوهات أنها تقسو على ذاتها من أجل التميز، ولكنها تقع في النهاية داخل شبكة معقدة من المتاهات والحلول الناقصة· أرض المعركة فالمحور الأول من الفيلم يحكي قصة مدرس جامعي (روبرت ريدفورد) يجادل تلميذه الموهوب بالفطرة (تود) والمتغيب دائماً عن المحاضرات، وذلك من خلال حوارات أدبية وفلسفية واجتماعية متشعبة حول قيمة التعليم، وحول الهويات والأعراق المختلفة في أميركا، وكيف يمكن للمواطنين من الدرجة الثانية أن يتحولوا إلى مواطنين حقيقيين على أرض المعركة، وأسئلة وحوارات أخرى حول السياسة الأميركية المتهورة والمستهينة بقدرات الشعوب والبلدان النائية· المحور الثاني في الفيلم يجري فيه حوار شائك بين محررة تلفزيونية (ميريل ستريب) تحمل قناعات إنسانية محايدة وبين سيناتور جمهوري طموح لتبوء مركز سياسي مهم (توم كروز)، ونكتشف خلال الحوارات مدى جهل السيناتور بالواقع الجغرافي والتاريخي والديني لشعوب العالم الثالث، كما أن المحررة تقع تحت ضغط الترويج لسياسات عسكرية مجهولة المقاصد، وأشبه بحقل تجارب لجنود لا يستطيعون سوى تنفيذ أوامر القابعين خلف مقاعدهم، من دون أن تكون هذه الأوامر محددة وواضحة وقارئة لواقع الحال في البلدان الجديدة المنضمة لمحور الشر (حسب التفسير الأميركي)· اليأس والغضب المحور الثالث في الفيلم يحوي مشاهد عسكرية خاطفة لجنديين من القوات الخاصة يقعان من الطائرة العمودية التي تقلهما إلى جبال أفغانستان كي يتحولا إلى طعم للعدو، وإلى فئران تجارب عسكرية، ونكتشف أن هذين الجنديين هما ضحية الأفكار والتكتيكات الجديدة التي ساهم السيناتور ورفاقه في صياغتها، ونكتشف أيضاً أن هذين الجنديين كانا من ضمن الطلبة الذين يدرسهما البروفسور الجامعي، ولكنهما اختارا الانضمام للعسكرية كي يسددا أقساط الدراسة والديون المتراكمة عليهما، خصوصاً وأنهما من أصول أفريقية ولاتينية ولا يمكن أن يستوعبهما المجتمع الأميركي إلا إذا أثبتا وطنيتهما في هذه المواقف الصعبة والمتطلبة لشروط الشجاعة والبسالة والتضحية· عموما فإن فيلم ''أسود لحملان'' فيه الكثير من رسائل التوبيخ للسياسيين ولشريحة كبيرة من الشعب الأميركي المخدر بأوهام وطنية زائفة ومبالغ فيها، ولم يسلم الإعلام الأميركي من النقد، فهو إعلام محابي، أو مطلوب منه أن يكون محابياً، كما أنه إعلام لحظي وغير قارئ للمستقبل، فهو يركز على أخبار الفنانين ويهمل جنوده المتروكين لمصائر مجهولة في بلدان بعيدة مسكونة باليأس والغضب (نرى في إحدى لقطات الفيلم محطة تلفزيونية تعرض خبراً حول الحياة الشخصية لفنانة شهيرة، وفي الشريط السفلي من الشاشة نرى عبارات متسارعة حول مصرع جنديين في أفغانستان)، وكأن هذين الجنديين ليسا سوى صورة للوهم، أو حالة عابرة لا تستحق الالتفات· إنها صورة أميركا أيضاً التي يفضحها الفيلم حتى لو كان ذلك من خلال اللمحة والإشارة والنسخة السالبة من شريط السينما!·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©