الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

على الحافة واقعية

6 ديسمبر 2007 04:22
في البداية جذبني العنوان، والكتب تقرأ من عناوينها: ''مليون قطعة صغيرة''A million little pices.
كتب الشاب الأميركي جيمس فراي ملحمة شخصية في أكثر من 500 صفحة، بسط فيها رحلته مع إدمان الكحول والمخدرات منذ أن كان في التاسعة، وصراعه مع النفس ومع الآخرين من أجل الخروج من هذا التدمير المنهجي للروح والجسد·
لم يقدم المؤلف نفسه في الكتاب، كأديب أو كصاحب قلم خبير في بناء عمل قصصي متين·· كل ما فعله أنه ترك العنان لقلمه ولمخيلته، لكتابة تجربة ثرية، متوترة، هابطة إلى حد السقوط وصاعدة إلى حدود التمسك بأهداب حلم واه·
كتب فراي روايته بأسلوب شرطي تعلم الكتابة من خلال تدوين محاضر الحوادث والمخالفات، و''زوقها'' بسلسلة لا تنتهي من ألفاظ البذاءة التي تجري على ألسنة الأميركيين· غرقت الرواية في تفاصيل روتين الحياة اليومية، من تلك التي ينساها الفرد في اللحظة التالية لحدوثها، ومع ذلك بدت وكأنها جزء تكويني من ملايين القطع الصغيرة التي تشكل التجربة ككل·
ومثل أغلب الكتب الخارجة من أتون التجارب البشرية، الفردية أو الجماعية، حققت الرواية أفضل المبيعات برقم تجاوز المليون و700 ألف نسخة، ونقلت مؤلفها إلى مصاف ''نجوم'' الثقافة والأدب في المجتمع الأميركي، واستضافته أوبرا وينفري في برنامجها التلفزيوني·· قبل أن تكتشف أوبرا لاحقاً، ومعها ملايين المشاهدين والقراء الأميركيين، بأنهم ''خدعوا''·
فكاتب الرواية كان مؤلفاً بامتياز· وما نسبه إلى تجربة عاشها أغلب سنوات طفولته وطيلة سنوات مراهقته، لم يكن سوى تلفيق لوقائع وابتداع لسيرة لم تحدث· عرف جيمس فراي من أي مدخل يلج إلى قارئ يلح على قراءة ذاته في ''تجارب الآخرين''، فقدم روايته كوثيقة عن واقعية مفرطة في واقعيتها·
قبل فراي نالت ''وثيقة'' أخرى الرواج نفسه، عندما نشرت كاتبة أسترالية رواية عن تجربة فتاة أردنية مع العنف والاغتصاب· ثم اتضح أن ما دونته المؤلفة كان محض خيال، فالفتاة بطلة الرواية غير موجودة، ولا صلة لصاحبة الرواية مع الأردن والأردنيين·
تبدو العلاقة بين الواقع والخيال، كتلك التي تحكم المتن والهامش· فالوحدة بين الفضائين تتبدى في تضادهما، وتصبح أكثر حضوراً عندما يصبح الفرع أصلاً، أو محاكياً للأصل· فالخيال في رواية جيمس فراي هو واقع بامتياز· تماماً كما يحدث مع الهامش حينما يتقدم ليصبح متناً، وفق رؤية جاك دريدا·
كثيراً ما يلجأ مؤلفون إلى الاحتماء بالخيال هرباً من سطوة الواقع وتسلطه·· لكن المؤلف الأميركي الناشئ وجد أن التستر بالواقع يعطيه مشروعية إبداعية لا تتحصل بسهولة·
كم يحتاج المبدع العربي إلى مثل هذه المعادلة، بحثاً عن حماية تنجيه من خيال جامح أو واقع جانح

عادل علي
adelk58@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©