الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفيلسوف الأميركي جون رولز ونظرية الوفاقات المعقَّدة

الفيلسوف الأميركي جون رولز ونظرية الوفاقات المعقَّدة
7 ديسمبر 2007 23:15
أهتمَّ الفيلسوف الأميركي جون رولز، صاحب كتاب (قانون الشعوب)، بنظرية العدالة التي طالما شغلت الفلاسفة منذ أفلاطون، حيث بحثوا عن قواعد كلية وثابتة للعدالة يمكن للعقل أن يصل لها· ويُعد رولز ممثلاً للاتجاه العقلاني الذي يحاول متابعة خط الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الأخلاقي في تأسيس قاعدة عقلية للعدالة ولكنها لا تستندُ هذه المرَّة إلى أساس ميتافيزيقي، فأراد أن يُحرِّر القيم الأخلاقية من كل ما هو مُفارق ومتعال وفي الوقت نفسه لا يضعها كمجرَّد محاولات تجريبية بلا سند عقلي· جمع رولز بين نظرية الأخلاق الكانطية التي تقول باستقلالية الشخص، وتلك التي تقوم على فكرة العقد الاجتماعي حيث أعاد الروابط مع التراث الفلسفي للعقد الاجتماعي؛ إنه ينطلق في البحث عن العدالة في ممارستها كأنصاف من خلال ما يسميه بمنهج الاختيار العقلاني· عمل رولز على استقلال المفهوم السياسي للعدالة عن المنظورات الشمولية في تصوُّرها للخير· ففصل الحقّ عن الخير في مسعى منه لتأسيس فكرة ''الموقع الأصلي'' الرئيسية في نظريّة في العدالة التي يحدِّدها رولز وفقا لمبدأين هما: الأول: لكل شخص حق متساوٍ في أقصى قدر من الحرية مقارنة بمخطط مشابه للحريات للجميع، يلزم هذا عن الموقف الافتراضي للمتعاقدين كمتكافئين يستحقون معاملة متساوية، فلا يستطيعون التقاط مجموعة من الترتيبات التي تخرق هذه السمة الأساسية· أما الثاني فلابد أن تفي التفاوتات الاجتماعية بشرطين، هما: لابد أن تكون (أ) لأقصى فائدة للأقل حظاً، وتكون (ب) مرتبطة بمناصب ومراكز مفتوحة للجميع في ظل شروط تكافؤ الفرص· إن استقلال المفهوم السياسي للعدالة مسألة ضرورية لقيام الوفاقات المعقدة والإجماع المتداخل كما يراها رولز· فالوفاقات المعقدة لا تعني أن يُضبط مفهوم العدالة ويكيَف للتوفيق بين منظورات شاملة؛ كما لو أنه صمم بقصد إقامة التسويات بينها، أو تبنى طبقاً لأفكار كامنة في تلك المنظورات· ولا تعمل هذه الوفاقات على أساس خلافات محض جدالية حول المفهوم السياسي للعدالة· ففي صياغته لمبادئ العدالة لا يهتم رولز بمقدمات ومبادئ المنظورات الشاملة، فهو يستنتج هذه المبادئ من أفكار متضمِّنة في ثقافة الديمقراطية· لقد أستحضر رولز فكرة الوفاقات المعقَّدة ليكشف كيف يمكن للمفهوم السياسي للعدالة أن يكون ثابتاً ومستقراً في وجه اختلاف المنظورات الشاملة· وكذلك كيف يكون مستقلاً وسط مفاهيم متباينة للخير؛ بالإضافة إلى طريقة تحقيق انسجام العدالة مع الخير الشخصي· ومن هنا تأتي حاجة رولز لتفسيره لماذا تتولَّد قناعة عند الأفراد تكون كافية للقيام بالفعل وفقا لما تتطلبه العدالة في سياق المفهوم السياسي لليبرالية حيث العدالة كإنصاف نظراً لأن الكثير منهم لا يريدون أن يكونوا فاعلين مستقلين· فكرة الوفاقات المعقدة تقوم على أساس افتراض إن المواطنين الراشدين في مجتمع منظَّم يمكن أن يتبنوا استقلالية المفهوم السياسي للعدالة لأسباب قد تكون خاصة بوجهات نظرهم· والمذاهب السياسية الشاملة والمختلفة لها أن تتقبَّل هذا المفهوم، وأن تجد له المسوغات طبقاً لأسباب مقررة مسبقا داخل كل مذهب، فالكانطيون يقبلون المفهوم السياسي الليبرالي للعدالة لأسباب تتعلَّق باستقلالية حكم الشخص الراشد، والنفعيون يُقرُّون به لأنه يعزِّز، ولو بطريقة غير مباشرة، مبدأ المنفعة اجمالاً، بالإضافة إلى هؤلاء يقر به الكاثوليك أيضاً على أساس أنه تعبير عن طبيعة القوانين الإلهية، والحال نفسه يشمل الذين يتبنون مذهب التعدُّدية بوصف هذا المفهوم السياسي الليبرالي لسياسة للعدالة يقدِّم تبريراً كافياً لعدم الحاجة إلى اللجوء لمنظورات شاملة· يفترض رولز أن المجتمع المُنظَّم وفقاً لمبادئ العدالة يقبل بها رغم اختلاف تصوُّرات المواطنين للعدالة حيث يمكن أن تقود تلك التصورات إلى أحكام سياسية متشابه من موقع ذلك القبول؛ فالمقدِّمات المختلفة تمنح النتائج نفسها· تحمل فكرة الوفاقات المعقدة تبرير للمفهوم السياسي الليبرالي إذ أنها تفترض قبول المواطنين الراشدين لتسويغ المفهوم السياسي من ناحية العقل العمومي، حيث الأسباب والأفكار متضمنة في الثقافة السياسية الديمقراطية لديهم· وحتى مع الأسباب الخاصة الناتجة عن اختلاف وجهات نظرهم لأن هذا المفهوم السياسي للعدالة يكون منسجماً مع كل تصور ذاتي للأشخاص ككائنات أخلاقية، ومع الأديان والقيم والأفكار الفلسفية التي تشكل وجهات نظرهم· وعلى هذا الأساس تحصل الوفاقات المعقدة والإجماع المتشابك·
المصدر: لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©