الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

السيطرة التي تؤدي إلى التهلكة

السيطرة التي تؤدي إلى التهلكة
7 ديسمبر 2007 23:31
العطر - قصة قاتل رواية الألماني باتريك زوسكيند الأولى، والتي جلبت له الشهرة الكبيرة، فهو المولود في العام ،1949 نشر روايته في العام ·1985 وقد أوصلت كاتبها إلى الشهرة العالمية من خلال ترجمتها إلى أكثر من عشرين لغة، ترجمها إلى العربية د· نبيل الحفار وصدرت عن دار المدى، وعرفت الرواية إقبالاً باللغة العربية، لذلك طبعت أربع طبعات، آخرها صدرت هذا العام· وقلما نجد عملاً يجد مثل هذا الإقبال، خاصة عملاً صعباً مثل رواية ''العطر''· رواية التملك يمكن اعتبار رواية ''العطر'' التي تجري أحداثها في القرن الثامن عشر، رواية تملك للعالم، وإن كان عن طريق الرائحة· وهذا السعي الأساسي لبطل الرواية جان باتيست غرنوي، الذي ولد وسط القذارة، وأعدمت أمه بالمقصلة بسببه؛ لأنها أرادت التخلص منه· وعندما كبر وجد نفسه يفتقد إلى الرائحة في الوقت الذي يمتلك الآخرون روائحهم الخاصة، إلا هو بلا رائحة· يعطيه فقدانه لرائحته الخاصة قدرة خارقة على تمييز الروائح وتحليلها شميّاً وإعادتها إلى عناصرها الأساسية، بالرغم من أنه لم يتدرب على ذلك تدريباً منهجياً· حتى أنه في ملجأ الأيتام الذي يؤويه، يجد المال الضائع لصاحبة الملجأ عن طريق الرائحة· وبالرغم من المحاولات المتكررة من قبل أيتام لملجأ للخلاص منه، إلا أنه يصمد في مواجهة هذه المحاولات، ويصمد حتى في مواجهة الأمراض الخطيرة مثل الجمرة الخبيثة· فمن ولد مثله وسط القمامة وعاش، لن يسمح للموت أن يداهمه بسهولة·· والصرخة التي أطلقها عقب ولادته، من تحت طاولة السلخ التي كانت تعمل عليها والدته، والتي دعا بها نفسه إلى الحياة وأمه إلى المقصلة، أراد بها الوليد الجديد أن يحسم أمره ضد الحب ولصالح الحياة· هذا الشخص القبيح، ولكن ليس إلى درجة أن يرتعد الإنسان من بشاعته، والذي لم يكن عدوانياً ولا خبيثاً، كان شخصاً انزوائياً· أخذ يشق طريقه عبر قدرته على الشم وتمييز الروائح، فكانت الرائحة كل حياته· مهنة الشم بالرغم من بداية عمله في مهنة الدباغة القاسية وهو طفل في الثامنة من عمره، وهي مهنة روائحها واخزة، فإن مهنته الحقيقية كانت الشم· كان دائماً ينمي قدرته على تحليل الروائح، حتى يستطيع تملك العالم شميّاً· يتوق إلى الخلاص من عمله، ويتمنى أن يعمل في مجال العطور· وعند إرساله في مهمة لإيصال الجلود إلى أحد العطارين في باريس، يستغل غرنوي هذه الزيارة ليقنع العطار بالديني، وهو من أشهر عطاري باريس بالعمل عنده· وذلك من خلال إعطائه صيغة عطر يحاول بالديني تحليله دون أن ينجح في ذلك· ولا يقتنع بالديني بأن يعمل غرنوي عنده إلا بعد أن يحضر له العطر الذي يحاول تحليله، وإن كان ذلك بطريقة عشوائية، لا تعتمد طريقة العطارين الاختصاصية، إلا أنه العطر نفسه· بهذه الطريقة يدخل مهنة العطارة وتحضير العطور، ينتج لمعلمه عشرات الأنواع التي تجد رواجاً كبيراً، يجبره على العمل بالطرق العادية، ويسجل النسب ويحفظها· وعندما يريد الانفصال يتركه معلمه بشرط، أن يغادر باريس ولا يعود إليها طالما معلمه حي· يوافق غرنوي على الشرط، يغادر باريس ليعيش متوحداً في الجبال لسبع سنوات متواصلة دون أن يرى بشري· عطر السيطرة يعود من وحدته الموحشة وأمامه هدف واحد وهو أن ينتج رائحة خاصة به، وأن يكون عطراً يستطيع التأثير به على الآخرين، ويجعلهم يأتمرون بأمره ويحبونه· يعمل في ورشة لصناعة العطر والبراهم، يجري تجاربه على استخلاص الروائح من كل الأشياء، يشم عبق فتاة، كان قد شم مثلها من قبل، وقتل الفتاة صاحبة الرائحة قبل سنين، ولكنه هذه المرة يسعى إلى امتلاك عبقها، هو لم يرها شم عبقها من وراء الجدران· وحتى لا يستنفد عبقها سريعاً، يضيفه إلى عبق أخريات، فيقتل أربعاً وعشرين فتاة من أجمل الفتيات وتكون هي الفتاة الخامسة العشرين بمثابة جوهرة التاج لعطره· وبالرغم من محاولات والدها الذكية لحمايتها من القاتل، بعد أن يدب الرعب في البلد الذي يسكنه؛ لأن قاتلا يقوم بقتل الفتيات الجميلات ويقص شعورهن، ينجح القاتل في الحصول على عبق هذه الفتاة، وينجح في صنع عطره السحري· تنكشف جريمته ويُقبض عليه، ويحكمون عليه بالإعدام سريعاً، ويجهزون منصة الإعدام، وعندما يخرجونه للإعدام يكون قد وضع عطره، فيحبونه ويصفحون عنه ويخضعون لإرادته، ويهرب من المدينة· وفي باريس، يضع عطره للتأثير على الآخرين، يلتفون حوله محبة، ولكنهم لم يلبثوا أن يهجموا عليه ويقطعوه ويأكلوه محبة أيضاً· فما وصل إليه باعتباره شاهداً على نجاحه، هو الذي أودى بحياته، وما جعله ينجو من المشنقة هناك، هو ذاته أدى به إلى التهلكة في باريس· وكأن كل تملك للعالم، هو مجرد وهم·
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©