الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة الإلكترونيات ونزاعات المعادن في الكونجو

صناعة الإلكترونيات ونزاعات المعادن في الكونجو
4 مايو 2009 00:38
ربما كانت جمهورية الكونجو الديمقراطية إحدى الدول التي لن يزورها معظمنامطلقاً، بينما تؤثر الحرب الدائرة فيها على أفراد وجماعات لن تتسنى لغالبيتنا رؤيتهم في يوم ما. غير أن العلاقة بين ارتفاع طلبنا على الإلكترونيات، والمعاناة الجماعية في بلدان مثل الكونجو، وثيقة إلى حد مرعب. وكم هو مثير للدهشة أن نجهل تماماً بصفتنا مستهلكين، تلك السلسلة المعقدة من الأحداث التي تربط بين التفشي الواسع للعنف الجنسي في جمهورية الكونجو، والمعادن التي تعمل بها أجهزة هواتفنا وحاسوبنا النقالة، ومشغلات الملفات الموسيقية mp3 وكذلك أجهزة تشغيل ألعاب الفيديو والكاميرات الرقمية وما إليها. لكن ومن حسن الحظ أن هناك خياراً لمواجهة هذا الارتباط بين العنف والمعادن التي تدور حولها النزاعات. ويتلخص هذا الخيار في ضرورة استخدام الشركات والمستهلكين معاً لقوتهما الشرائية، بهدف وضع حد لنزاعات المعادن الدموية الجارية في الكونجو. والمعروف أن الحروب الأهلية الطويلة التي يشهدها هذا البلد، أدت إلى اتساع دائرة العنف الدموي، الذي تتورط فيه مجموعات مسلحة شديدة التباين فيما بينها. وربما يكون مثيراً جداً لدهشة البعض القول إن الحروب الأهلية التي تشهدها الكونجو، تعد الأشد فتكاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتجدر الإشارة هنا تحديداً إلى أن العنف الجنسي أصبح سلاحاً رئيسياً من أسلحة الحرب يُستخدم على نطاق واسع ، من قبل الجماعات الكونجولية المسلحة. كما يجب القول إن هذه الحرب تسجل أعلى معدل عنف جنسي موجه ضد النساء والفتيات على النطاق العالمي. وتشير الإحصاءات التي غالباً ما تعكس أرقاماً أقل بكثير من الأرقام الحقيقية -بسبب امتناع عدد كبير من النساء والفتيات عن الحديث عن العنف الجسدي الذي يتعرضن له- إلى معاناة مئات الآلاف منهن من جرائم الاغتصاب الوحشي. وقد أدت هذه الجرائم إلى تمزيق أوصال الكونجو وتعميق الانقسامات الداخلية فيها. وفيما لو وقع جزء ضئيل للغاية من مثل هذه الجرائم في أي من الدول المجاورة لنا، لاستشعرنا قدراً كبيراً من القلق وهرعنا إلى وقفها على الفور. وعادة ما ترتكب هذه الأفعال في الكونجو من قبل أفراد الجيوش والمليشيات المسلحة المتعاركة حول ما يعرف بـ»المعادن النزاعية» أي تلك الكمائن التي يستخرج منها القصدير والتنجستين والتنتالوم والذهب. كما يعرف أن مليشيات مسلحة من كل من الكونجو ورواندا وأوغنده تمول عملياتها من خلال الاتجار غير القانوني بهذه المعادن، وتتصارع فيما بينها على السيطرة على المناجم ومحطات الضرائب داخل الأراضي الكونجولية. غير أن القصة لا تقف عند هذا الحد. ذلك أنه لدى الأمم المتحدة توثيق دقيق للكيفية التي تنقل بها الشركات المستثمرة هذه المعادن المتنازع عليها، من وسط القارة الأفريقية إلى عدة دول أخرى، وبخاصة الدول الآسيوية، حيث تتم معالجتها لتتحول إلى معادن نفيسة، إضافة إلى استخدامها في عدد واسع من المنتجات الإلكترونية الأساسية. وهذا ما يدفعنا إلى القول إن المستهلكين في كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا، يشاركون في تأجيج نيران تلك الحروب التي تمزق جمهورية الكونجو، وذلك بشرائهم لهذه المنتجات دون علمهم. وبسبب مشاركتنا جميعاً دون أن ندري في تلك النزاعات، فإن علينا أن نكون جزءاً من الحل، بكامل وعينا وإرادتنا. وفي وسع المستهلكين الأميركيين أن يمارسوا نفوذاً اقتصادياً قوياً على الشركات المستثمرة في مجال الإلكترونيات، عن طريق الضغط عليها وإلزامها بإبراز ما يثبت خلو منتجاتها المباعة من أي صلة بالنزاعات الكونجولية. كما يستطيع المستهلكون الأميركيون، ممارسة ما يكفي من الضغط من أجل ضمان إعادة توجيه موارد المعادن الكونجولية لمصلحة المواطنين، وليس لفائدة لوردات الحرب وقادة المليشيات، ممن يرتكبون الجرائم بحق الإنسانية هناك. هذا وقد أثمرت جهود شبيهة عن نتائج إيجابية من قبل. فقد عمت في كل من سيراليون وأنجولا نزاعات «الماس الدموي» في تسعينيات القرن الماضي. لكن وبفضل الضغوط المثمرة التي مارسها المستهلكون لمنتجات الماس على نطاق العالم بأسره، أرغمت تلك الدول على وضع حد لنزاعاتها. وها هي الآن تتجه إلى توظيف عائدات الماس لصالح المواطنين والتنمية. ما نعنيه تحديداً هنا -فيما يتعلق بالتصدي للنزاعات الكونجولية- أن قادة الصناعات في شركات «أبيل ماك» و»نوكيا» و»هيولت باكارد» وغيرها ملزمون بتوفير ما يثبت عدم تورط استثماراتهم، أو مشاركتها بأي صورة من الصور في انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في الكونجو. وفي هذا الالتزام ما يطالب الشركات والاستثمارات المعنية، العاملة في مجال الصناعات الإلكترونية، بتغيير ممارساتها الشرائية، بما في ذلك مطالبة من يمدونها بالمواد الخام المستخدمة في صناعة الإلكترونيات، بإبراز شهادة مصدر كل بضاعة من البضائع الخام التي تتلقاها شركات الإلكترونيات المذكورة. وفي الاتجاه نفسه ينبغي علينا تطوير الوسائل التي تمكننا من مساءلة هذه الشركات ومحاسبتها، مما يستوجب الحصول على تعهد علني من قبل الشركات المعنية بخلو منتجاتها ومبيعاتها من أي صلة تربطها بالنزاعات الدائرة في جمهورية الكونجو الديمقراطية، مع قابلية هذا التعهد للتحقق منه اعتباراً من العام المقبل. ومن حسن الحظ أن عدة شركات أعلنت منعها لمورديها من بيعها أي من مادة التنتالوم المستوردة من الكونجو. شيريل كرو مغنية أميركية حائزة على جائزة «جرامي» للغناء والتأليف الغنائي تسع مرات جون بريندرجاست مؤسس مشارك لمشروع Enough الهادف إلى وضع حد للإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بمؤسسة American Progress ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيوتر»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©