الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البتراء··· الصخر إذا حكى

البتراء··· الصخر إذا حكى
8 ديسمبر 2007 23:29
عندما وضع الفيلسوف والشاعر اليوناني القديم ''فيلون'' قائمته الشهيرة التي دون فيها عجائب الدنيا قبل أكثر من ألفي عام، لم يعرف أن قائمته ستخلد هذه الأعمال الإنسانية العظيمة على مدى الدهر، وأنها ستبقى موئلاً للدهشة وإثارة الخيال وتقديس الجمال· ومدينة البتراء الأردنية معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فقد حفرها الأنباط في الصخر ورسموها وزينوها بأدوات بسيطة، ومع ذلك صمدت طيلة السنين لتجذب أنظار العالم لها وتبقى شاهد عيان على قدرة الإنسان على الإبداع والتحدي· والآن أصبحت البتراء إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة ليس بتصنيف شاعر أو مجموعة من علماء الآثار أو بعثة تنقيب فقط، بل بفضل تصويت أكثر من 40 مليون شخص من مختلف دول العالم· البتراء، عاصمة الأنباط العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية، أعظم وأشهر المعالم التاريخية في الأردن، وتقع على مسافة 262 كيلو متراً الى الجنوب من عمان، وقد وصفها الشاعر الإنجليزي بيرجن بأنها ''المدينة الشرقية المذهلة، المدينة الوردية التي لا مثيل لها· سميت البتراء بـ ''المدينة الوردية'' نسبة إلى لون الصخر الوردي الذي حفرت فيه، كذلك أطلق عليها اسم ''سلع''، وهي عبارة عن قلعة منحوتة في الصخر، ومن هنا جاء اسم ''بترا'' وتعني في اللغة اليونانية ''الصخر''، وما تزال رغم التحضر والمدنية في الأردن تحمل طابع البداوة إذ ترى الزائرين يعتلون ظهور الخيول والجمال لكي يدخلوا إليها في رحلة تبقى في الذاكرة مدى الحياة· شيء من التاريخ ونظرا لموقعها المتوسط بين حضارات بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام والجزيرة العربية ومصر، فقد أمسكت دولة الأنباط بزمام التجارة بين حضارات هذه المناطق وسكانها، وكانت القوافل التجارية تصل إليها محملة بالتوابل والبهارات من جنوب الجزيرة العربية، والحرير من غزة ودمشق، والحناء من عسقلان، والزجاجيات من صور وصيدا، واللآلئ من الخليج العربي· وقد حاول الرومان غزوها إلا أن الأنباط اشتروا استقلالهم بالمال، لكن لم يلبث الرومان أن قضوا على مملكة الأنباط وأسموها ''المقاطعة العربية''، غير أن الآثاريين عثروا على عملة سُكَّت في روما يعود تاريخها إلى سنة 58 قبل الميلاد نقش على أحد وجهيها الملك الحارث ممسكا جملا بيده وجاثيا على إحدى ركبتيه مادا سعفة من النخل· وقبل عدة أيام اكتشف فريق من طلبة الآثار في جامعة الحسين جنوب المملكة سوقاً نبطياً مغطى بالأقواس الحجرية، ومن المتوقع اكتشاف المزيد من السوق الذي يعتبر الأول من نوعه في البتراء الأثرية· في قلب الجمال يصل الزائر إلى قلب المدينة الوردية ماشياً على قدميه أو على ظهر جواد أو في عربة تجرها الخيول، ليجد نفسه وسط جمال منقطع النظير وأعجوبة جمالية تتفرد في مظاهرها ومفرداتها البديعة، وإذا نظر إلى الأعلى يشاهد أعظم المشاهد روعة تسبح في ضوء الشمس وإحدى عجائب الكون الفريدة التي حفرتها الأيدي في الصخرالأصم· وأثناء تجواله يرى مئات المعالم التي حفرها الإنسان من هياكل شامخة، وأضرحة ملكية باذخة، ومدرج كبير يتسع لـ 7000 متفرج، وبيوت صغيرة وكبيرة، وردهات وقاعات للاحتفالات، وقنوات الماء والصهاريج والحمامات، وصفوف الدرج المزخرفة والأسواق والبوابات ذات الأقواس والشوارع والأبنية· ولا تقتصر البتراء على آثار الأنباط وحدهم، إذ يستطيع الزائر أن يشاهد على مقربة منها موقعي البيضاء والبسطة اللذين يعودان الى عهد الأدوميين قبل 8000 سنة، وأن يسرح بصره في موقع ''أذرح'' الذي يضم بقايا معالم من عهد الرومان· وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون الذي يعتقد أنه يضم قبر النبي هارون ''عليه السلام''· السيق كل من يزور البتراء سيبقى في خياله مشهد السيق الساحر، وهو ممر بين صخرتين يبلغ طوله ألفاً ومائتي متر وعرضه في بعض الأماكن مترين وارتفاعه من ثمانين إلى مائة متر، ويزدان جانبا المدخل بطبقات من الصخر تتراكب وتتمازج ألوانها على نحو يسبي الأنظار، ويجسد قدرة الخالق وروعة الخلق، وعند الغروب، تنكسر أشعة الشمس على الصخر فترسم مشهداً تعجز عن تصوير جماله أبلغ الألوان وأجمل اللوحات، وإذ يهب النسيم عليلاً وتحتكُّ الرياح بالصخر ترتشف الأذن نغماً طبيعياً عذباً وتولد موسيقى حالمة تدغدغ الروح لتنقلها إلى عوالم من السحر لا تخطر على البال· الخزنة أمام الخزنة، يقف الزائر مبهوراً، فهي بناء منحوت في الصخر، يبلغ ارتفاعها تسعة وثلاثين متراً وخمسين سنتمتراً، وعرضها 28 متراً، وسميت الخزنة بـ ''خزنة فرعون'' لاعتقاد سكان المنطقة أن فرعون وضع كنوزه في الحجرة الموجودة في الطابق الثاني الذي تزينه رسومات الزهور والثمار والنسور· المدرج الروماني 33 صفاً منحوتة في صخر رملي رمادي تتسع لأكثر من ثلاثة آلاف متفرج هي المدرج الروماني، وفيه كان الرومان يقيمون احتفالاتهم المختلفة، وفي مقابله يرى الزائر مجموعة من القبور المنحوتة في الصخر عثر فيها على وعاء للخمر وزجاجة وتمثال لأحد الآلهة من الرخام وقد أصابه التلف، كما عثر على قطعة نقدية فضية للملك عبيدة الثاني (30-9 ق م ) وعلى حلقتين من الذهب للأنف، وعلى صحون فخارية جميلة يعود تاريخها للقرن الأول قبل الميلاد، وبين الخزنة والمدرج الروماني يشاهد السائح ساحة واسعة هي المذبح، وقد حفر فيها الأنباط بئراً كبيراً لأغراض تنظيفها بعد ذبح الذبائح للآلهة· قصر البنت أما البنت فقيل أنها ابنة فرعون، وهي أميرة ذكرت في قصة خرافية كانت تسكن القصر وتتألم من عدم وجود مياه جارية فيه، ثم وعدت أن تتزوج بمن يحضر المياه للقصر وتزوجت شخصاً كان طامعاً بها، وأما القصر فكان هيكلاً بناه الأنباط في القرن الأول قبل الميلاد تكريماً للإله ''ذو الشرى''· الدير هيكل ضخم أطلق عليه لقب ''قبر الأسد''، يرى الزائر على واجهتيه نقشاً لأسدين ضخمين يكادان لدقة التصوير أن يزأران، وواجهة الدير محفورة في صخر رمادي أصفر، ويبلغ عرضها 47 متراً وارتفاعها 40 متراً، وفي الدير غرفة صغيرة يبدو أنها كانت سكناً للنساك· وبعد··· من الصعب أن يجسد القلم جمال البتراء، هذه التحفة الفنية الخالدة التي تجمع بين طيات صخورها ونقوشها وحفائرها عبق الذاكرة البشرية، وأحداث التاريخ، وروعة الجمال الطبيعي ومشاهده الخلابة· إنها مكان ساحر يأسرك ويثير حواسك، ومناظرها الطبيعية تخلق مشهداً لا يمكن محوه من الذاكرة·
المصدر: عمان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©