السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مفتاح كنيسة القيامة بأيدي المسلمين منذ 500 عام

مفتاح كنيسة القيامة بأيدي المسلمين منذ 500 عام
2 يناير 2009 02:37
مع إطلالة كل عام ميلادي جديد، تذكرنا كنيسة القيامة في القدس بأماكنها المقدسة، التي تقع حالياً تحت براثن الاحتلال الصهيوني، وذلك عندما تتطلع الأنظار في العالم كله للصلوات والاحتفالات، التي تشهدها هذه الكنيسة· ورغم أنها ليست الأقدم بين الكنائس المسيحية، لكنها من دون شك الأكثر قداسة والأرفع مقاما· كنيسة القيامة ومن قبلها البقعة التي شيدت عليها، كانت دوماً على موعد مع التاريخ وفي قلبه، وحسب الروايات الإنجيلية القديمة فإن هذا الموقع القريب من أبواب القدس، والذي كان يعرف بتل الجلجثة أو القضاء باللغة الأرامية، شهد مايعرف في تاريخ المسيحية بواقعة صلب السيد المسيح على أيدي جلاديه الرومان وبتشجيع من يهود القدس، ثم عمد هؤلاء إلى ردم الجلجثة والقبر فوضع اليهود فوقهما طبقات كثيفة من التراب، وزرع المكان كحديقة للمعبد الذي شيده الإمبراطور هدريان للمعبود الروماني جيوبتر· وفي عام 326م وفي أعقاب إعلان الامبراطور البيزنطي قسطنطين المسيحية ديانة رسمية لدولته، توجهت والدته القديسة هيلانة إلى القدس، لتبحث عن الأماكن ذات الصلة بواقعة الصلب، وأغرت أحد اليهود المسنين بالذهب لإرشادها عن الجلجثة والقبر المقدس· وأمرت الملكة بعد العثور على الصليب بهدم التل الصخري حتى أصبح في ارتفاع القبر، وتم تنظيف القبر من الأتربة وبنى قسطنطين بمباشرة الملكة الأم بازيلكا، وكانت على شكل دائرة واسعة حولها عشرون عاموداً رخامياً، ويحيط بها جدار مستدير ينعطف في كل جهاته إلى هيكلين عن اليمين واليسار، وبينهما هيكل ثالث إلى الوراء يقابله المدخل الكبير ويضم الجميع قبة كبيرة، وهذا البناء البسيط عرف بكنيسة القيامة، واستغرق تشييده أربع سنوات انتهت في عام 330 م، وكان مهندس البناء سورياً يعرف باسم زينوبيوس· وبعد ذلك شيدت كنيسة الآلام على مقربة من كنيسة القيامة، وظلت منشآت قسطنطين قائمة حتى عام 614م عندما استولى الفرس على القدس، وقاموا بتخريب كنيسة القيامة وسرقة محتوياتها من الذهب والفضة· وبعد نجاح الروم في إجلاء الفرس أُعيد تجديد كنيسة القيامة وبعض أجزاء من كنيسة الآلام، ولم يتمكن بطريرك القدس من إعادة البناء الى سابق رونقه لكثرة النفقات، التي عجزت الدولة عن توفيرها بسبب نفقاتها العسكرية في حروبها مع الفرس· وفي عام ''638م - 15هـ'' فتح المسلمون القدس وأصر البطريك صفرونيوس، على أن يسلم مفاتيح المدينة التي كانت تعرف آنذاك بايلياء إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعطى الفاروق بنفسه خطاب الأمان لأهل المدينة وخطب فيهم قائلا: ''يا أهل ايلياء لكم مالنا وعليكم ما علينا''· وعندما دعاه صفرونيوس لزيارة كنيسة القيامة، لبى الخليفة دعوته وأدركته الصلاة وهو فيها فتلفت إلى البطريرك وقال: أين أصلي؟ فقال: مكانك صل فرد عليه عمر رضي الله عنه قائلا: ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر، ويبنون عليه مسجدا، فابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى، وجاء من بعده المسلمون فشيدوا في هذا المكان مسجد عمر، الذي تظهر مئذنته في خلفية صور كنيسة القيامة إلى اليوم· وحدث في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، أن حاول كهنة الكنيسة وكانوا من البيزنطيين فتنة المسلمين فأمر في عام 1009م واليه المسيحي على القدس، بهدم كنيسة القيامة ''فجعل طولها عرضا وسماءها أرضا''، وعاد بعد مفاوضات مع الامبراطور البيزنطي ومنحه الإذن بإعادة بناء الكنيسة· وقبل اختتام القرن الحادي عشر الميلادي نشبت الحرب الثانية حول كنيسة القيامة، ولم يكن الغزاة هذه المرة من الفرس، ولكن من حملة الصليب القادمين من أوروبا، واحتلت القدس في عام 1099م وسيطر الصليبيون على كنيسة القيامة والقبر المقدس، في دعوة لانطلاق الحروب الاستعمارية، لتنشب صراعات مذهبية بين الغزاة اللاتين أتباع المذهب الكاثوليكي من ناحية، والروم الأرثوذكس الذين هيمنوا على الكنيسة منذ إنشائها من ناحية اخرى· وفي ظل الاحتلال الصليبي عانى الأرثوذكس العرب والروم على حد سواء من تعنت اللاتين، وسيطرتهم على كنيسة القيامة، إلى أن وضع صلاح الدين الايوبي حداً لهذه النزاعات المذهبية، فبعد افتتاح المدينة في 2 أكتوبر 1187م، ورغم أن بعض رجال صلاح الدين أشاروا عليه بهدم كنيسة القيامة، كي لا يبقى لمسيحي الغرب حجة لغزو القدس، قام القائد الأيوبي بمعالجة النزاعات الطائفية المريرة بين المسيحيين في إطار خطته للحفاظ على الكنيسة، فعهد الى عائلتين مسلمتين هما عائلتا جودة ونسيبة بمفاتيح كنيسة القيامة، فتحتفظ الأولى بالمفاتيح بينما تتولى الثانية فتح الكنيسة واغلاقها، وقد جرى تنظيم دخول الطوائف الواحدة بعد الأخرى في يوم سبت النور من عام 1542م حسماً للنزاع بين هذه الطوائف، وإلى اليوم يتولى آل جودة ونسيبة تنفيذ هذا التنظيم الذي أُقر في المحكمة الشرعية العثمانية بالقدس في حضور قضاة مسلمين وممثلين عن الطوائف المسيحية· ومنذ ثلاثين عاماً ونيف يقوم الفلسطيني المسلم وجيه يعقوب نسيبة بفتح وإغلاق باب كنيسة القيامة، وفقا لمراسم ثابتة تبدأ من استلامه المفتاح من أمين مفتاح كنيسة القيامة عبدالقادر جودة، وسيره وسط كوكبة من رجال الدين الممثلين للطوائف المسيحية، الذين يدخلون الكنيسة وفقا لترتيب محدد ويغادرونها أيضا بنفس الترتيب· وقد تعرض بنيان كنيسة القيامة لتغيرات متعاقبة أهمها تلك التي أعقبت الحريق الهائل الذي امتد في عام 1808م، من كنيسة الأرمن الى أنحاء كنيسة القيامة، ولم يسلم منه سوى جانب من الجلجثة وكنيسة القديسة هيلانة وهيكل اللاتين· وقد قام الروم الأرثوذكس بعمارة الكنيسة بإذن من الخليفة العثماني، فأزالوا قبور اللاتينين الكثيرة التي شيدها الصليبيون، ثم تولى مهندس يوناني تشييد دعائم حجرية ضخمة لحمل الأسقف والقبة عوضا عن الأعمدة الرخامية التي تضررت من الحريق، مثلما تأثرت بشدة من التصدعات التي أحدثها زلزال ضرب القدس في عام 1834م· ولكن هذه التجديدات لم تفلح في الحفاظ على كيان القبة الوسطى، فسقطت وأعيد تجديدها مرة اخرى في عام 1869م· وبعد قرن ونيف تعرضت القبة لتصدعات خطيرة في عام 1977م، وفشلت الطوائف المسيحية في التوصل الى اتفاق، بشأن إعادة تشييدها إلى أن انتهت المفاوضات فيما بينها عام 1994م، على القيام بأعمال الترميم· وقد قام بتصميم القبة الحالية الفنان الأميركي ارانورمارت، وجعل وسطها على هيئة شمس يخرج منها اثنى عشر شعاعا، في اشارة رمزية لعلاقة السيد المسيح عليه السلام بتلاميذه من الحواريين· وتقع كنيسة القيامة الحالية بالقرب من باب الخليل، ويعرف الطريق المؤدي اليها بحارة النصارى، ويتوصل منه الى سوق القيامة، وهو مكان فسيح يقف فيه باعة التحف والأيقونات الدينية والشموع والهدايا التذكارية، التي تباع للحجاج والسائحين· وأمام الكنيسة ميدان فسيح مربع يسمى ساحة القيامة، وفي تلك الساحة كان يقف زوار الكنيسة لدفع رسوم الزيارة التي فرضها قانون استنه السلطان العثماني سليمان القانوني، إلى أن أمر الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي بإلغاء هذه الرسوم في عام 1832م، بعد خضوع القدس للحكم المصري، وتحيط بكنيسة القيامة عدة كنائس فرعية صغيرة منها كنيسة مار يعقوب الصغير وكنائس ماريوحنا ومريم المجدلية والأربعين شهيدا· والباب الرئيسي لكنيسة القيامة يقع في جنوب بناء الكنيسة، وكان هناك باب آخر في الضلع الغربي يدخل منه الزوار القادمون من حارة النصارى، ولكنه سد منذ عام 1808م وبعد الدخول من هذا الباب يجد الزوار إلى شمالهم مكان البوابين المسلمين من آل جودة ونسيبة، وإلى اليمين سلالم الجلجثة وفي المواجهة حجر أحمر ارتفاعه نصف ذراع يسمى المغتسل· وتحفل كنيسة القيامة بالهياكل المختلفة وكلها ذات صلة بحياة السيد المسيح عليه السلام أو القديسيين الذين زاروا القدس أو اقاموا بها، وتكاد تكون هناك هياكل وكنائس صغيرة لكل الطوائف المسيحية المعروفة في العالم·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©