الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات الرئاسة الأميركية·· وشبهة الفساد الإعلامي

انتخابات الرئاسة الأميركية·· وشبهة الفساد الإعلامي
9 ديسمبر 2007 23:14
تخوض الولايات المتحدة الأميركية حرباً في كل من منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بينما يزحف اقتصادنا القومي متباطئاً كما ثعبان مكسور الظهر، وفي الوقت نفسه تواصل أسعار النفط العالمي ارتفاعها نحو 100 دولار عن البرميل الواحد، في حين يزداد عجز المواطنين الأميركيين عن التداوي والعلاج من أي أمراض يتطلب علاجها أكثر من أقراص الأسبرين والاستلقاء والراحة· وفي ظل واقع كهذا، ماذا كسبت البلاد من ذلك اللقاء الصحفي الذي حشدت له شبكة ''سي إن إن'' عدداً من مرشحي الحزب الجمهوري الرئاسيين خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر الماضي، فيما أسمته ''حواراً'' لم يتجاوز حدود الحديث عن الهجرة والحصانة الإنجيلية وأحقية رفع العلم الكونفيدرالي؟ وفي الواقع فإن هذه الخدعة الإعلامية التي أطلقت عليها مجازاً تسمية ''حوار انتخابي'' تثير تساــؤلات جدية حول مدى ملاءمة شبكة ''سي إن إن'' من الناحيتين المهنية والأخلاقية للعب الدور السياسي الذي أناطه بها كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري· فقد أصبح اختيار الرئيس الأميركي اليوم، مسألة حياة أو موت أكثر من أي وقت مضى، ولذلك فإن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق أي مؤسسة صحفية تقحم نفسها طوعاً في عملية الانتخاب الرئاسي هذه، على نحو ما فعلت شبكة ''سي إن إن'' باستضافتها لحوار منذ أسبوعين، إذ يتطلب القيام بهذه المسؤولية، أن تكون المؤسسة الإعلامية المعينة، على قدر كبير من الحياد والموضوعية في إدارة الحوارات الانتخابية الرئاسية هذه؛ لكن وبالنظر إلى أداء الشبكة المذكورة في ذلك الحوار، فإن الصفات الوحيدة التي تخطر إلى الذهن في محاولة فهم ما حدث، هي الفساد وانعدام الأهلية والكفاءة· صحيح أن وصف مؤسسة ما بالفساد، هو أمر قاس وشديد الثقل، ولكن علينا أن نأخذ بالوقائع التالية: فالخدعة الرئيسية وراء ذلك الحوار، هي اختيار الأسئلة من بين جملة الأسئلة العادية التي بعث بها أفراد من عامة الشعب الأميركي إلى موقع ''يو تيوب'' المختص بتبادل أفلام الفيديو عبر شبكة الإنترنت، وهو الموقع الذي تملكه شبكة ''جوجل''· وبحسب المعلومات التي نشرتها شبكة ''سي إن إن'' فقد نظر موظفوها إلى نحو خمسة آلاف من الأسئلة التي بعث بها المشاركون، لاختيار عدد قليل منها يطرح على المرشحين الرئاسيين في الحوار الانتخابي المذكور· والمشكلة هنا أن موظفي شبكة ''سي إن إن'' قد اختاروا تكريس الخمس والثلاثين دقيقة الأولى من الحوار لمناقشة قضية واحدة هي الهجرة، التي تعتقد نسبة 96 في المائة من الأميركيين أنها ليست بالقضية الانتخابية الأكثر أهمية التي تواجهها بلادهم، استناداً إلى نتائج كافة استطلاعات الرأي العام الأميركي، مع ملاحظة أنها تركزت حول ماهية القضايا الأكثر أهمية من وجهة نظر الناخبين الأميركيين· وبما أن هذه هي الحقيقة، فإن السؤال الذي تجب إثارته هو: لماذا قررت الـ''سي إن إن'' جعل موضوع الهجرة قضية رئيسية لهذا الحوار الانتخابي الذي أجرته؟ ويرتبط بهذا السؤال تساؤل آخر حول المعيار الذي قررت بموجبه الشبكة تخصيص كل هذه المدة الطويلة من زمن البرنامج للحوار حول قضية أبعد ما تكون عن اهتمام الناخبين الأميركيين؟ والإجابــة المباشــرة عن هذين السؤالين هي أن ''لو دوبس'' -الشخصية الأكثر ميلاً للجوانب الخبرية في الشبكة-، جعل من معارضة الهجرة غير الشرعية والتجارة الحرة، موضوعين رئيسيين له، في التعبير عن نزعته الوطنية الشعبية الجديدة منذ مدة ليست بالقصيرة· وبما أن شبكة ''دوبوس'' تخوض معركة حامية مع منافستها ''فوكس نيوز'' فيما يتعلق بأيهما لديها القدرة على حصد نتائج استطلاعات الرأي العام الأميركي لصالحها، فقد ساد الاعتقاد داخل الشبكة بأن ما هو من صالح ''دوبوس'' هو من صالح شبكة ''سي إن إن'' نفسها بالضرورة· بعبارة أخرى، فقد قررت ''سي إن إن'' توجيه الحوار الانتخابي الرئاسي العام، لصالح خدمة مصالحها هي، أي أن تضخم قضية الهجرة وتعرضها بحجم أكبر من حجمها الطبيعي، ما يعني جذب المزيد من الجمهور والمشاهدين إلى برنامج ''دوبوس''· ذلك هو الفساد عينه، وهو نفس السبب الذي أرغم المرشحين الرئاسيين الجمهوريين على الإطالة في الحوار -رغم غياب الاختلاف الجوهري- حول قضية ثانوية، والأكثر أهمية أن هذا الفساد الإعلامي أرغم الناخبين الجمهوريين أيضاً على الانتظار طويلاً أمام شاشات التلفزيون ليستمعوا إلى ما يقوله مرشحو حزبهم الرئاسيون عن القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لهم، ولكن دون جدوى· ذلك أن آخر استطلاعات الرأي التي أجراها ''مركز بيو العالمي'' للرأي العام الجمهوري، أظهرت استمرار تأييد غالبيتهم للحرب على العراق· ووفقاً لنتائج الاستطلاع الأخير هذا، تؤمن أعداد مقدرة من الأميركيين بأن استراتيجية زيادة عدد القوات قد أتت ثمارها· وقد جاء في تلخيص ''بيو'' لهذه النتائج قوله: ''بينما يظل العراق قضية خلافية بين الحزبين، إلا أن تحسناً قد طرأ على نظرة الجمهوريين والديمقراطيين للحرب''· فعلى أقل تقدير، كان في رأي ما نسبته 51 في المائة من الجمهوريين أن الحرب تمضي على ما يرام في شهر فبراير الماضي· أما اليوم فقد قفزت هذه النسبة إلى 74 في المائة· وعلى رغم شكوك الديمقراطيين إزاء مسار هذه الحرب -أكثر من نظرائهم الجمهوريين- إلا أن عدد الذين ينظرون منهم إلى الحرب نظرة إيجابية، تضاعف هو الآخر في نتائج استطلاعات الرأي الأخير، من 16 في المائة في فبراير، إلى 33 في المائة مؤخراً· نخلص من هذه النتائج إلى أن شبكة ''سي إن إن'' قد أخفقـــت في أداء مهمتهـــا السياسيــة في هذه الانتخابــات، وأنـــه قد آن للحزبين الجمهوري والديمقراطي استبعادها من هذه العملية الانتخابية· تيم روتن كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©