الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سُنَّة العراق··· بوادر خطر جديد

سُنَّة العراق··· بوادر خطر جديد
7 ابريل 2008 01:06
فيما أظهرت المواجهات الأخيرة في البصرة وبغداد الأخطار التي يطرحها العنف بين الأطراف الشيعية على الأهداف الأميركية في العراق، يتعين ألا ينصرف اهتمامنا عن بوادر خطر آخر يلوح في الأفق متمثلا في رجال القبائل من السنة الذين انضموا إلى قوات التحالف بقيادة أميركا واحتمال انقلابهم عليها، فلا شك أنه من العوامل الرئيسية التي ساهمت في تراجع العنف خلال النصف الثاني من العام 2007 هو تجنيد 90 ألف رجل عراقي -أغلبهم من السنة- لحماية المنشآت الحكومية الحساسة مثل أنابيب نقل النفط والمشاركة في نظام حماية الأحياء العراقية، وبالطبع واجه قرار تجنيد ما يطلق عليهم بـ''أبناء العراق'' الكثير من الشك والريبة، لا سيما أنهم إلى وقت قريب يرفعون السلاح في وجه الأميركيين، لكن وبالنظر إلى الخيارات القليلة التي كانت مطروحة في ذلك الوقت، لم يكن أمام قوات التحالف سوى قبول المجازفة، ولحد الآن يبدو أنها أثمرت نتائج مرضية· يذكر أن برنامج ''أبناء العراق'' كان في قلب ما أطلق عليه الجيش الأميركي ''حركة المصالحة من الأسفل'' والتي تسعى إلى إقناع العراقيين بالتوقف عن محاربة الحكومة وبعضهم بعضا على مستوى الأحياء وعلى الصعيد المحلي، لكن مع ذلك فقد لا تعبر كلمة ''مصالحة'' عن الحقيقة إذا كانت العبارة تستحضر مشاهد العفو والتوبة، لأن الهدف من البرنامج لم يكن سوى تحييد قطاعات عريضة من المقاتلين، غالباً من خلال دفع المال، على أمل أن يقود ذلك إلى مصالحة حقيقية في المستقبل، ولا يعني ذلك أن المصالحة العراقية مستحيلة، بل هي في نطاق الممكن إذا ابتعدنا قليلا عن مساعي المصالحة بين المذهبين الشيعي والسني والتدخل في خلاف يرجع إلى 1300 سنة ويصعب حله الآن، وكل ما نستطيع فعله لدعم جهود المصالحة هو نقل النقاش داخل العراق من العلاقات المذهبية إلى علاقة الأفراد العراقيين مع الحكومة ومع بعضهم بعضا على المستوى الشخصي· برغم أن حركة ''أبناء العراق'' التي أنشأتها القوات الأميركية ساهمت في تقليص مواجهة العنف ضد قوات التحالف، إلا أنها تقوم على أسس هشة، والأكثر من ذلك أن ''أبناء العراق'' هي عبارة عن حركة متنوعة تضم في صفوفها مجموعات قومية، وحساسيات إسلامية، وانتماءات قبلية، فضلا عن وجود عناصر سنية متطرفة في صفوف ''أبناء العراق'' كل همها إعادة هيمنة السنة على العراق، لذا ليس غريباً أن تثير هذه المجموعات المنضوية تحت لواء ''أبناء العراق'' شكوك الشيعة ومخاوفهم داخل حكومة بغداد، وفيما يتراجع النفوذ الأميركي لدى الحكومة العراقية مع مرور الأيام وتقل فرص تحقيق المصالحة مع تزايد التحديات على أرض الواقع، فإننا في حاجة اليوم إلى التركيز على الأولويات والتي في مقدمتها البحث عن مستقبل بناء ومجد لـ''أبناء العراق''، ولبلوغ هذا الهدف يتعين أولا إلقاء نظرة فاحصة على من يشكلون تلك المجموعات والدوافع التي تحركهم، بحيث يتضح أنهم لا ينتمون إلى طيف سياسي واحد، بل ينتسبون إلى أكثر من 125 حزبا ومجموعة قبلية تختلف في تطلعاتها المستقبلية، ويوجد من بينهم من يسعى إلى تحقيق أهداف تختلف تماماً عن تلك التي سطرتها القوات الأميركية، أو حكومة نوري المالكي، وفي هذا السياق لا يمكن لحل واحد أن ينسحب على جميع عناصر ''أبناء العراق'' والبالغ عددهم 90 ألف رجل· والتصور الرئيسي اليوم، هو أن يُدمج البعض منهم، 20 ألف فرد على سبيل المثال، في قوات الأمن العراقية على أن يُستوعب الباقي في وظائف مدنية وبرامج للتدريب، لكن الواقع يشير إلى أن الأمر أكثر صعوبة مما يبدو، ذلك أنه لأسباب سياسية وأخرى طائفية، يتحفظ المسؤولون والوزراء في الحكومة -أغلبهم من الشيعة- على إدماج السنة في قوات الأمن، يضاف إلى ذلك أن الحكومة لا تملك الكفاءة البيروقراطية اللازمة للتعامل مع هذا العدد الكبير من الموظفين· وهنا لا بد للقيادة الأميركية من الضغط على العراقيين لتجاوز هذه العقبات، لأنه من شأن إدماج ''أبناء العراق'' ليس فقط صرفهم عن المشاركة في التمرد، بل دعم فرص إشراك السنة الذين يتوفرون على صوت فاعل ضمن النظام السياسي الحالي، وفيما يتعلق بالمصلحة الأميركية لإدماج ''أبناء العراق'' فتتمثل في خططها المستقبلية لسحب قواتها والتي لا يمكن المضي قدماً في تطبيقها دون الوصول إلى حد أدنى من التسوية السياسية والأمنية بين الأطراف العراقية المختلفة، وإذا لم نتمكن من إدماج السنة في هياكل الدولة سيرتمي العديد من ''أبناء العراق'' في أحضان التمرد، ولعل هذا التخوف هو ما يفرض علينا وقفا مؤقتا لتقليص أعداد القوات الأميركية في العراق خلال هذه المرحلة· وهكذا ومن خلال فهم أفضل لأهداف الجماعات المختلفة التي يتشكل منها ''أبناء العراق'' نستطيع إحداث برنامج للتوظيف ما بعد الحرب، وتكريس الإدماج داخل الهياكل الحكومية، فضلا عن ترسيخ الحلول الأمنية على الصعيد المحلي، ثم تحسين شروط مواجهة التمرد من قبل الحكومة، وفي المقابل سيقود الفشل في إيجاد دور فاعل لـ''أبناء العراق'' إلى تراجع سلطة الحكومة، ومن ثم عجزنا عن سحب قواتنا ووقوع العراق تحت سيطرة الميلشيات المسلحة· مات شيرمان باحث بمعهد راند الأميركي ومستشــار سابق للجيش الأميركي في العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©