الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جدل السياسة والحجاب

7 ابريل 2008 01:10
قد يكون قطعة رفيعة من الثوب، ليس إلا، وهو أشكال وأنواع، فمنه الطويل، ومنه القصير، منه ما يغطي الشعر، ومنه ما يغطي الوجه، وحسب صحيفة ''لوموند'' الفرنسية، فيمكن للمرء أن يطلب من مصمم أزياء من ''فيينا'' أن يصمم له حجابا على طريقة الممثلة ''كاثرين زيتا جونس'' وعارضة الأزياء ''نعومي كامبل'' بلمسة فنية ساحرة· غير أنه مهما يكن الشكل الذي يتخذه، ومهما تريد أن تسميه، فإن الجدل السياسي الذي يحيط بالحجاب الذي ترتديه الكثير من المسلمات -وليس جميعهن- ليغطين رؤوسهن لن يزول، فبعد أن تم منع ارتدائه في المدارس الفرنسية وبعض مؤسسات الدولة في ألمانيا، هاهو الحجاب يعود إلى الواجهة مرة أخرى، مشكلا موضوع دعوى قضائية غير عادية يمكن أن تطيح بالحكومة التركية في حال كُسبت· تتهم الدعوى القضائية، التي رفعها المدعي العام الجمهوري في المحكمة العليا الحزبَ الحاكم بخرق الدستور التركي وتقترح طرد زعمائه -بمن فيهم رئيس الوزراء والرئيس- من السياسة، أما سبب النزاع في هذا الصدام القانوني الصعب بين ''علمانية'' الدستور التركي و''إرادة الشعب''، مثلما يصفها الحزب الحاكم أو ''ديكتاتورية الأغلبية'' -حسب تعبير المدعي العام الجمهوري-، فهو الحجاب بالطبع، ففي فبراير المنصرم، رفعت الحكومة حظرا كان مفروضا لفترة طويلة على ارتداء الحجاب في الجامعات، وهو ما أثار حفيظة وتخوف الأتراك العلمانيين· والواقع أن هذا النوع من الجدل ليس جديدا تماما في تركيا، فقد كانت الأحزاب السياسية في الماضي تُحظر -وكان رؤساء الوزراء يُشنقون في الماضي البعيد- لأنها ليست علمانية بما يكفي، غير أن ما يلفت انتباهي هذه المرة هو الدلالة المستمرة، مرة أخرى، لتلك القطعة البسيطة من الثوب· بالنسبة للبعض، قد يبدو هذا الموضوع أمرا تافها، فقد عنونت صحيفة ''إنترناشيونال هيرالد تريبيون'' على سبيل المثال افتتاحيتها بـ''زوبعــــة حــول الحجــــاب''، وبالنسبــة للأشخــــاص ذوي الهــوى الأنجلـــو-أميركي -وأنا واحدة منهم- فإن المسألة تتعلق بالحرية الشخصية: ضرورة أن يكون الحجاب مسألة ''اختيار''، بيد أنه إذا كان السياسيون يتصارعون حول موضوع الحجاب، فذلك لأن الحجاب يمثل ربما، في تركيا وبعض البلدان الأخرى على الأقل رمزا سياسيا، وليس مسألة ''اختيارات'' دينية· ذلك أن الحجاب، في بعض الأوساط التركية، لا يؤشر إلى إيمان مرتديته وتدينها فحسب، وإنما أيضا إلى إيمانها بنسخة معينة من الإسلام· إذ ينطوي الحجاب، في تركيا على الأقل، على دلالات حزبية وإشارة ضمنية إلى آراء مرتديته حول المرأة، وفي هذا السياق، أخبرتني المتخصصة في العلوم السياسية ''زينو باران'' قبل أيام بأن معظم زوجات القيادة التركية السياسية يرتدين الحجاب، وأن معظمهن أصبحن يرتدين الحجاب بعد زواجهن، وأن معظمهن لم يعملن أو يدرسن مرة أخرى بعد زواجهن، وهكذا، يمكن للقارئ أن يفهم دواعي شعور النساء اللاتي يردن شيئا مختلفا بالتهديد· لقد تم فرض الحظر في تركيا في عقد الثمانينيات بهدف حماية النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب، وكذلك الطالبات العلمانيات اللاتي يردن أن يظللن كذلك، وعلى مدى حوالي عشرين عاما، لقي الحظر نجاحا نسبيا، وبعد بضعة احتجاجات في البداية، تم القبول به على نطاق واسع، على الأقل إلى أن حاولت الحكومة الحالية التخلص منه مجددا هذا العام· والحقيقة أن الحظر الفرنسي للحجاب - بالرغم من السخرية التي ووجه بها على نطاق واسع حين تم فرضه في 2004- يعد في الوقت الراهن نجاحا كبيرا أيضا، على الأقل من قبل الحكومة الفرنسية، إذ لم يحدث انقطاع الفتيات بأعداد كبيرة عن الدراسة مثلما كان متوقعا، وفي هذا الصدد، يشير المسؤولون الفرنسيون إلى أن ثمة تراجعا في عدد النزاعات المتعلقة بالموضوع، مجادلين بأن الفتيات المسلمات سيجدن مع مرور الوقت سهولة أكبر في الاندماج ضمن المجتمع الفرنسي أيضا· لا نقصد مما تقدم القول إن المحكمة العليا في تركيا تستطيع أو ينبغي أن تنحي الحكومة، بيد أنه لا ينبغي أن ندعي أن الأمر غير مهم إذا قاموا بذلك، مثلما لا ينبغي أن نفاجَأ في حال وصل هذا الجدل إلى سواحلنا في يوم من الأيام، فالجدل حول الحجاب، في نهاية المطاف، ليس جدلا حول قطعة قماش، وإنما حول قدرة الإسلام العلماني على الصمود والاستمرار· آن آبلباو كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©