الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات تأتي أولاً

11 ديسمبر 2007 00:16
في خضم الجدل الذي أثير في أميركا حول العبودية خلال القرن التاسع عشر كان الشماليون يرون العبودية ستنتهي إلى زوال لأنها ببساطة لن تستطيع الانتشار في المناطق الشمالية حيث البيئة غير مساعدة على زراعة القطن، وأن نظام العبودية الرجعي سرعان ما سيتجاوزه الزحف الصناعي· لكن ''إبرهام لينكولين'' كان يصف تلك الحجج ''بالمهادنة''، مقراً أن العبودية قد لا تستطيع البقاء على المدى البعيد، إلا أنه كان يخشى من أن يتمكن ملاك العبيد من التأقلم مع التطورات اللاحقة، بل والازدهار أيضاً· فالخوف وارد من أن تخلق الثورة الصناعية أساليب جديدة للتربح من العبودية وإدامة نظامها· هذا النقاش القديم حول العبودية يبدو مألوفاً اليوم لما نشهده من مقاومة مدهشة من قبل النظم السلطوية في الصين وروسيا وفنزويلا وأماكن أخرى للانفتاح والديمقراطية؛ والواقع أنه لم يكن مفترضاً بتلك النظم أن تبدي هذا القدر من المقاومة، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة وتوقُع الكثيرين أن الدول ستتحول إلى الليبرالية حتى تنافس في الاقتصاد المعولم، وأن الليبرالية الاقتصادية ستقود إلى الليبرالية السياسية· وظهر اعتقاد مفاده أنه بمجرد اقتراب الاقتصاديات الوطنية من مستوى معين من الدخل الفردي حتى تبدأ الطبقة الوسطى في المطالبة بالسلطة القانونية والسياسية التي ستكون في المقابل أساسا للديمقراطية· ويبدو أن المؤمنين بالحتمية الديمقراطية التي تتخذ من الاقتصاد طريقاً لها، يشتركون في خاصيتين اثنتين تقوم الأولى على حتمية التقدم الإنساني، أي أن التاريخ البشري يمر بخط تصاعدي، أما الخاصية الثانية فتدعو إلى المزيد من الصبر والتريث حتى تنتصر الديمقراطية وتنبعث من رماد النظم السلطوية الآفلة· وهكذا وبدلا من مواجهة الأنظمة الاستبدادية والدعوة إلى الالتزام بتظيم انتخابات حرة ونزيهة، تم التركيز على إدماج تلك الأنظمة في الاقتصاد المعولم، بالإضافة إلى تشجيع سيادة القانون وتقوية مؤسسات الدولة، ثم ترك الديمقراطية تتقدم بوتيرتها الخاصة· وقد يكون ذلك صحيحاً على المدى البعيد لكنه في الوقت الراهن لم ينجح كما كان متوقعاً، فبدلا من الخضوع للإصلاح والتغيير استطاعت النظم السلطوية التأقلم مع المستجدات العالمية، حيث ساهم الازدهار الاقتصادي في كل من روسيا والصين والقائم على توسع التجارة العالمية إلى تعزيز تلك النظم وليس إضعافها· ويبدو أن الطبقة الوسطى المتنامية في الصين وروسيا مستعدة للابتعاد عن السياسة وعدم التدخل في شؤونها طالما تستمر الأموال في التدفق وطالما أن عقوبة النشاط السياسي هي السجن، أو الموت· وكما يؤكد الباحثان ''بروس بوينو دي ميسكيتا'' و''جورد داونز'' فإنه ''من الحقائق المغيبة أن التقدم الاقتصادي، بدلا من أن يكون قوة للتغيير الديمقراطي في الدول، يمكنه في بعض الأحيان تعزيز النظم القمعية''· والأكثر من ذلك كشف خبراء الديمقراطية في الآونة الأخيرة تهافت بعض الأساطير الرائجة كالاعتقاد السائد بأنه من الخطأ الدفع نحو تنظيم انتخابات في البلدان التي لم تطور سيادة القانون، أو لم تترسخ فيها مؤسسات الدولة· وبعكس من ذلك خلص ''توماس كاروثرز'' -من معهد ''كارنيجي''- إلى أن التجارب الماضية خلال العقدين الأخيرين أثبتت أنه من المستحيل إرساء سيادة القانون ومؤسسات دولة قوية في البلدان التي تنعدم فيها الانتخابات· فالنظم السلطوية قد تسمح بقوة الدولة طالما تحتكرها لنفسها من خلال قوات الأمن، لكنها تعادي المؤسسات الإدارية المحايدة التي يحتاجها تطور المجتمع والليبرالية· وبدلا من تعزيز الدولة يلجأ الديكتاتوريون إلى إساءة استخدام الدولة لإبقاء المؤسسات ضعيفة وبمنأى عن تهديد سلطتهم· والأمر نفسه ينطبق على سيادة القانون، إذ لاحظ ''توماس كاروثرز'' في إحدى مقالاته ''أن اعتبار فكرة تطور سيادة القانون في ظل النظم السلطوية هي خطوة طبيعية تسبق الديمقراطية يقلب القصة تماماً''، في حين أن غياب الديمقراطية في العديد من البلدان هو ما يعوق ترسخ سيادة القانون· والواقع أن الانتخابات تكتسي أهمية بالغة كما يشير إلى ذلك ''مارك بلانتر'' في كتابه الجديد ''ديمقراطية بلا حدود'' الذي يقر فيه بأن الانتخابات الحرة قد لا تضمن إرساء الليبرالية، لكن هذه الأخيرة لن يكتب لها الحياة بدون انتخابات· روبرت كاجان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©