الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الصحة العالمية... ملاذ في مواجهة إنفلونزا الخنازير

الصحة العالمية... ملاذ في مواجهة إنفلونزا الخنازير
4 مايو 2009 23:07
بالأمس كانت الصفحة الأولى لجريدتي اليومية المفضلة، تحتوي على صورة تُظهر رجال شرطة مكسيكيين يرتدون الزي الرسمي، والأقنعة الواقية من مرض إنفلونزا الخنازير، وتتدلى من جنوبهم مدافع رشاشة، ويبدون على أهبة الاستعداد للدفاع عن مواطنيهم ضد الانتشار المفاجئ لمرض إنفلونزا الخنازير• وأنا أعيش في وارسو، التي تبعد كثيرا عن مكسيكو سيتي، ولذلك لم أر مظاهر مماثلة لما رأيته في الصحيفة عن المكسيك• ولكن حتى لو كنت أعيش في باريس مثلا، فإن صدر صفحة جريدتي الأولى كان سيحتوي صورا مماثلة، وهو ما كان سيحدث أيضا لو كنت أعيش في ''سيدني'' أو''كوالالمبور''• ما أود قوله هو إنني في أي مكان يحتمل وجودي فيه، يمكن بسهولة تامة أن أصاب بنفس الهلع من إنفلونزا الخنازير، كما يمكن أيضاً أن أجد من يخبرني عن الإجراءات التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية للحيلولة دون انتشاره• ومنظمة الصحة العالمية، هي الملاذ الذي نلتجئ إليه في ظروف مثل هذه، وهو أمر طبيعي في الحقيقة نظرا لما تتمتع به من خبرة طويلة ـ 60 سنة ـ في التصدي لكافة أنواع الأمراض والأوبئة، ونظرا أيضاً للإنجازات التي حققتها خلال هذه الفترة، ومنها قيادتها الناجحة لحملة استئصال مرض الجدري من العالم في سبعينيات القرن الماضي• ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن منظمة الصحة العالمية هي المنظمة الدولية الوحيدة التي لا يمكننا الحياة من دونها• فعندما تنتشر الأمراض المعدية بسرعة عبر الحدود، فإنه يتوقع من المنظمة أن تعمل على تنسيق استجابتها مع مسؤولي الصحة العامة في الدول المختلفة، وكذلك تنسيق الحملة الإعلامية الدولية المطلوبة من أجل توضيح هذه الاستجابة• من حسن حظنا، أن المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية هي ''مارجريت تشان''، وهي مسؤولة صحة عامة خبيرة، لعبت دوراً كبيراً في جهود احتواء وباء''السارس'' الذي انتشر في هونج كونج عام ،2003 ولكن من سوء حظنا أن منظمة الصحة العالمية ليست منظمة خاصة قائمة بذاتها، وإنما هي منظمة تابعة للأمم المتحدة، مما يعني أنها تعاني من كافة الأمراض التي تعاني منها المنظمات الأخرى للمنظمة الأممية وهي: أنها ليست مسؤولة أمام ناخبين، وقلما يتم التدقيق على أنشطتها من قبل وسائل الإعلام، كما يتم اختيار رؤسائها وفقا للقواعد غير الشفافة التي تحكم اختيار شاغلي المناصب الكبرى في الأمم المتحدة• وعلى الرغم من أن''تشان'' تشغل نفسها معظم الوقت بمهام تقع في صميم اختصاصها، مثل الإشراف على الاستعدادات اللازمة لمكافحة أوبئة الإنفلونزا بأنواعها، إلا أن بعض أولوياتها الأخرى ـ من المهام ـ تعكس الأجندات السياسية لأعضاء المنظمة• فعلى سبيل المثال يتم تخصيص جزء كبير من ميزانية المنظمة كل عام لمعالجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد الفرص الصحية المتاحة للشعوب المختلفة كالفقر والتعليم والتغير المناخي، وهي كلها موضوعات مهمة، لكن المشكلة هي أنها تقع خارج نطاق اختصاصات منظمــــة الصحـــة العالمية، التي يجــب أن تكون معنيـــة في المقــــام الأول بمكافحـــة الأمراض المعديــــة• والأمر المثير للقلق، أن الوضع يزداد سوءا على الدوام، حيث ينفق الموظفون البيروقراطيون في المنظمة، مثلهم في ذلك مثل نظائرهم في المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة، جُل وقتهم في أداء مهام كتابية غير ضرورية تتعلق بأفكار ومفاهيم مشكوك في صحتها من الناحية القانونية'' مثل''الحق في الصحة''، في حين يشغل آخرون جزءاً كبيراً من وقتهم في التآمر من أجل خلق''بيروقراطية دولية''، تتولى القيام بتنظيم جميع عمليات البحث والتطوير المتعلقة بالعقاقير الطبية، في حين ينحرف آخرون عن المسار ويهتمون بموضوعات ذات طبيعة عمومية وغير متخصصة مثل السمنة، ووسائل الأمان الخاصة بسائقي السيارات• ليس غرضي من ذلك الطعن في كفاءة منظمة الصحة العالمية، غير أن النقطة التي أريد توصيلها هي أن منظمة على هذه الدرجة من الأهمية، يمكن أن تنجرف، بمنتهى السهولة، إلى هاوية اللاجدوى تحت تأثير الثقافة المؤسسية للأمم المتحدة• ولنا في هذا السياق أن ننظر إلى كم الجهود الدبلوماسية التي يتم إنفاقها على منظمات، وفعاليات ذات درجة أهمية أقل بكثير من فعاليات منظمة الصحة العالمية مثل المؤتمر الذي عقدته المنظمة الأممية خلال الأسبوع الماضي عن العنصرية والذي لم يحقق الهدف المنوط به بل تحول إلى منبر لتبادل الاتهامات والحض على الكراهية• الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أننا نميل عادة إلى التعامل مع مؤسسات الأمم المتحدة المهمة حقا وكأنها مرفق محلي للمياه، بمعنى أننا لا نهتم معظم الوقت بمن يديرها، ولا بكيفية إدارتها، ومع ذلك نتوقع منها في حالة الطوارئ أن تقوم بجهد خارق يفوق طاقة البشر• والآن، ونحن نوشك على الوقوف على حافة حالة طارئة من تلك الحالات قد يكون من الضروري أن نذكر أنفسنا بأننا إذا كنا حقا نريد أن نجد تلك المنظمة الدولية في الوقت الذي نحتاجها فيه فعلا فإننا يجب أن ندرك أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تم رصد نشاطها بشكل دائم وتوفير احتياجاتها المالية بشكل كامل• ويجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تتأكد بشكل مطلق من أن منظمة الصحة العالمية ستتفرغ تماماً للتركيز على مهمتها، لأنها في خاتمة المطاف، المنظمة الوحيدة المجهزة بالإمكانيات اللازمة للقيام بعملية الرصد والمراقبة لانتشار الأمراض الوبائية الجديدة• فلندعو من صميم قلوبنا ألا يكون هناك شيء آخر يمكن أن يشتت تركيزها هذه المرة• آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©