خيمة العمر

(أبوظبي)- لكِ هذا الحبُّ.. للفجر ترسم ملامَحه عيناكِ.. للأمل تزرعه أكفُّكِ الخضراء في حديقة القلب فتأتلق الحياة بألوان قوس قزح.. لكِ العيد وهدأة غنجه وبسمة صحوه ولهفة الانتظار.. لكِ ما تبقَّى لديَّ من براءة الطفل، وشغب الفتى، وزهوة الشاب، وهيبة الرجل.. لكِ الدموع الجاثمة على تخوم الجفن.. لك الكحل مرتسماً في فضاء العيون.. لكِ الفرح يا كلَّ الفرح.. لك تنهيدة العشق، وروعة اللقاء، ولوعة النأي.. لكِ بحَّة القصب في مزامير الرعاة.. لكِ بوح العصافير لغصون الشجر.. ولك شوق العشب إلى همس الماء في مواسم القيظ.. أمي: كلُّ عام وأنتِ ملكة القلب ومالكته.. وأنتِ غيمة العمر وخيمته.. وأنتِ انتظار الأرض للشمس بعد ليلة قارسة، كلُّ عام وأنتِ مآب الخاطر الكسير من رحلة خائبة... أمي: كان على الأرض أن تدور بي كثيراً، وعلى الأيام أن تتقاذفني كثيراً، وعلى الحياة أن تخلف الكثير من عهودها، حتى أعود إلى حضنك صبياً مضرجاً بعثرات أوهامه، لتمسحي عن جبيني عناء التيه في غياهب الأزقة القفرة، وترجعي بي إلى زمن العفة والبهجة، فإذا بتعب السنين يغدو ومضة في البال، وإذا بكل عطور الأرض تنحسر مخلية المكان والزمان لشذى الطهر ينبعث من ثوبك العتيق. أمي: لتأخذ الدنيا كلَّ ما أغوتني به من حطام.. كلَّ الوعود الواهمة، والأماني المخاتلة.. كلَّ أضغاث الفرح اللحظوي، ولتترك لي أن أصحو على صوتك الشجي يمطرني بالدعاء بعد صلاة الفجر.. أمي: كلُّ وسائد الدنيا خشنة إلا ذراعيك.. كلُّ الصباحات جاحدة إلا عينيك، كل الليالي موحشة إلا أن يضيئها بهاء وجهك الملائكي.. أمي: كنت واثقاً أنَّكِ ستغفرين لي أني أحببت سواك يوماً، فقد علمتِّني أن أعشق كل الكائنات التي تملك أن تجترح معجزة الأمومة..