الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيصل الساري: أنا «ورطة» لمن يتخرج بعدي

فيصل الساري: أنا «ورطة» لمن يتخرج بعدي
21 مارس 2010 20:19
مشوار أراده الملحن فيصل الساري أن يكون مشوار عمر، بعد أن مزّقت أوراقه وحطّمت آلات العود لديه وإحداها لصديقه وليس له... لذلك كان «الساري» لا يستهويه إلا الليل يسير في عتمته، باحثاً عن شعاع النور بالتلحين ومتابعة الدراسة الموسيقية مع أساتذة شاءت الأقدار أن يلتقي بهم بعد طول عناء. هو «الساري» اسمه الفني الذي أطلقه عليه الشاعر أنور المشيري، حين لاحظ أن فيصل لا يلحّن إلا في الليل، أما اسمه الكامل فلن نبوح به لأنه صارع كي يصل إلى ما وصل إليه في عالم موسيقاه الداخلية، بعد تعرضه لمحاربة في الوسط العائلي ففضل الإبقاء على الاسم الفني... ويقول فيصل «الساري هو أيضاً اسم للذئب و «الديب» في مجتمعنا الإماراتي له وقع إذ حين يقال إن فلاناً «ديب»، فهذا يعني أنه رجل قوي». «استبدلت الرصاص والفحم والأوراق التي كنت أرسم عليها منذ المرحلة الإعدادية بأصابعي وبالريشة، وعود مكسور ألصقته بنفسي بأوتار حمراء، كانت الوحيدة المتوفرة حينما اشتريتها وصرت ألعب الأنغام، وأكتشف الآلة وأبحث فيها وأعبر عن حالي التي غرقت في فراغ كبير بعد أن حاربني أخي ومزق رسوماتي معتبراً أن الرسم حرام»، يقول ذلك فيصل، ليضيف أن العزف على العود الذي بدأ في نادي الفروسية في دبي، من خلال أخذ عود زميل له في النادي وعدم تركه إلى درجة بات فيها زملاؤه يخفون العود عن أنظاره لمعرفتهم بصعوبة انتزاعه من يديه... ولم يعد إلى الرسم. يقول «نشأ حاجز داخلي بيني وبين الرسم، لربما كان بسبب رؤيتي لرسوماتي المبدعة نسبة إلى عمري حينها تتمزق وتذرى كأنها لا شيء»... ويتذكر أن أخاه كان يرسم سابقاً ومن ثم مر بمرحلة اعتبر فيها الرسم حراماً، ليتحول من جديد فتكون مصادفة تحمل الكثير من التناقضات، وهي أن هذا الأخ نفسه سأل فيصل لو يترافقان لمشاهدة معرض رسم رآه «مميزاً» في شرحه لفيصل عنه! لم يكبت فيصل اندهاشه وحرقته، فقال لأخيه «هل تعلم أنك بنفسك قتلت فيّ موهبة كان مقدراً لها في الغالب أن تنمو وتتطور، وربما كنت سأصل إلى معارض عالمية حيث تباع لوحاتي بآلاف الدولارات!». هذا من الماضي، ومنه أن فيصل اضطر لإخفاء العود الذي ألصقه ووضع له أوتاراً حمراء اللون في طبقة علوية من المنزل، يلجأ إليها لساعتين أو ثلاث يعتقد فيها الأهل أنه في الخارج يلعب مع أترابه، في حين أنه كان لا يزال يكتشف الأصوات والأنغام التي تخرج من العلبة الخشبية. ويقول «بعض آلات العود تم اكتشافها وتعرضت للتهشيم، ومنها عود عراقي لصديق لي وليس لي، وعلى الرغم من أنني اشتريت له عوداً بديلاً، غير أن ما تحطّم ليس بالوسع تعويضه، لأنه ليس هناك في الدنيا عود يشبه الآخر». الأستاذية تأتي لاحقاً يعتبر فيصل نفسه طالباً ويرفض أن يطلق عليه لقب أستاذ قبل تخرجه من بيت العود في أبوظبي، على الرغم من أنه ملحن معروف غنّى له العديد من الفنانين، كما أنه ألّف «أوبريتات» ونال عنها جوائز، ومنها مثالاً لا حصراً أوبريت «حكاية وطن» التي صدرت «دي في دي» من إخراج سعود الملا. إن «رأسي هو الذي يلحّن» يقول فيصل، فهو بدأ التلحين مستخدماً آلة العود وتوصل إلى مرحلة يلحّن فيها دون الاستعانة بالعود. نال جائزة أفضل ملحن في مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية وجائزة أبوظبي للإبداع وشهادة تقدير من وزارة الداخلية... ويقول «التلحين مجال آخر، وسأبقى طالباً في العزف على العود إلى التخرج، فصحيح عندي خلفيتي الموسيقية وقد اجتهدت اجتهاداً شخصيا وأحمل شهادات، إنما أنا في النهاية لم أتخرج... وقبل تأسيس بيت العود هنا كنت مثل السائر في الظلمة من دون جهة ترعى عملي ولا أكاديمية. ففي البدايات رحت أبحث عمّن يعلمني في دبي والشارقة، وكان لحظي السيء أن تكبدت العناء وصرفت المال مع أشخاص تجار لا يصلحون لتعليم الموسيقى، إلى أن التقيت الأستاذ رياض حسن القادم من سوريا حينها وهو له الفضل الكبير عليّ في تعلم العزف على آلة العود، وهو أيضاً من المعروفين في صناعة العود، وأنا اليوم أعزف على عود صنعه لي وكنت أنتظر انتهاءه طيلة سنتين، كما أنتظر حالياً عوداً سباعي الأوتار وآخر سداسي من موريس شحاته من مصر». ويذكر أنه تعرّف على عازف البيانو الفنان سلطان الخطيب، فكانت رحلة أخرى تبحّر فيها معه في الموسيقى العالمية الخالدة وفي التاريخ الموسيقي والسولفيج والنطق ومخارج الحروف... ويقول فيصل «علّمني سلطان الخطيب تقنيات لاأزال أستعملها إلى الآن، فهو متخرج من هنجاريا ماجستير في الموسيقى وخامس عازف بيانو على مستوى القارة الآسيوية، وقد درس الأساليب والتقنيات... وكنا نحضر لأوبرا معاً وقد درّبني وعلّمني وشاءت الأحوال أن يتوقف المشروع. ويضيف «أنا لا أشجع فقط على تأسيس معاهد أكاديمية للموسيقى في الإمارات، إنما أطالب وبقوة المسؤولين بذلك، لأنه حان الوقت لأن يكون عندنا معهد عال للموسيقى». رأسه... كلمة يرددها عدة مرات خلال المقابلة معه في أرجاء بيت العود، أو يستخدم كلمة «العقل» ليتحدث عن نعمة مهمة جدا أعطاها الله سبحانه وتعالى للإنسان، وهو هذا الرأس الذي يدفعه لرفض إعطائه الألقاب الأكاديمية، إلا بعد تحققها أي بعد التخرج الذي أرجأه وهو مستعد لإرجائه كي يكون مقتنعاً بما توصل إليه، فهو اختار الأصعب لبرنامج التخرج ومنها مقطوعة لباخ سيعزفها على العود ستعزف حينها للمرة الأولى على العود، وأخرى لمعشوقه في الموسيقى الإيطالي نينا روتا ولجون سيرانو وللشريف محيي الدين حيدر والرحابنة (وينن؟) وجميل بشير ونصير شمّة. ورطة مع سبق الإصرار يريد الساري لدى تخرجه أن يشكّل «ورطة لمن سبقني وللذي يتخرج بعدي»... ويتحدث عن آلة العود بشغف من يخصص غرفة في منزل الزوجية لعدد منها، ليس لتجميعها وإنما بحثاً عن الصوت النغمي الأفضل، أما لماذا كما أشار سابقاً لا تتشابه آلات العود، فبغض النظر عن نوع الخشب المستخدم يسيء فيصل ألا تطور في صناعة الآلات الموسيقية في العالم العربي، ويقول «بوسعك أن تحصلي على جيتار بخمسمئة درهم يوازي أي جيتار في العالم، لأن الغرب وضع قواعد الصناعة وعزّزها، والجيتار من أبناء العود العربي الذي أتاهم إلى الأندلس، لكنهم طوروا في الجيتار حتى بات كآلة يحاكي البيانو فيما بقيت صناعة العود تقليدية لا قواعد ولا أسس لها تجعل من المتاح ضبطها بدقة وتوفيرها للناس... وأكثر من ذلك ثمة كتب نوتات موسيقية في العالم العربي حيث النوتات خطأ وليس كما كتبها المؤلف، وأنا بنفسي عمدت إلى تصحيح نوتات معزوفة للشريف محيي الدين حيدر، وهذا أمر مؤسف جداً، فكيف نطمح لأن تكون موسيقانا عالمية ولم نعمد إلى إصدار نوتات صحيحة! الصيني والأميركي والجنوب أفريقي يعزف لباخ ويعزف أي مقطوعة «غربية» لأن ثمة نوتة صحيحة وضبط للقواعد والأسس في حين أننا لا نزال بعيدين عن ذلك». ويردف «ليس هناك موسيقى غربية وأخرى شرقية، فالموسيقى عالمية ويبقى لكل عازف شخصيته و لكل فرقة شخصيتها. لماذا أستطيع وضع النوتة هناك وعزفها وهنا لا أجد كتاباً موسيقياً خالياً من الأخطاء؟ من المؤسف مثلاً حين نعلم أن العود آلة شاملة إذ تشمل الغربي والشرقي، ولم نعمد إلى وضع أسس لتصنيعها بشكل كبير، فحتى أسماء المقامات مختلف عليها في العالم العربي»!. مع العمالقة عن شمولية العود، يشير إلى الآلات الثابتة وتلك المتحركة ومن الأولى هناك الجيتار والبيانو لأنها مقسمة ضمن حدود للنوتات وليس بالوسع عزف العرب عليها، فيما الثانية المتحركة كالعود والكمنجة والتشيلو والكانترباص والبزق فبالوسع اللعب بالنغمة بالأصابع، وبالتالي بوسع الآلة المتحركة عزف الربع تون بحكم أنها حرة. يجري فيصل محاولات مع آلة العود لم يسبقه إليها أحد من قبل، مثل عزف مقطوعات غربية لباخ وسواه على العود، ويقول «سلطان الخطيب هو الذي نوّرني على باخ وهايدن وموزار وبيتهوفن وعلى عمالقة آخرين في الموسيقى، وهم متعمقون جدا في الخطوط والتوزيع وسواها». ويضيف :«أتواصل حالياً من خلال بيت العود في مسيرتي فهو القارب الذي أسير معه وأذهب إلى حيث يقودني، فبيت العود يقاد من قبل شخص خبير في مجال العود وعالمي، وأقصد نصير شمّة. نصير سبقنا بأشواط ومراحل وله خبراته الواسعة وأنا أتبع برنامجهم... وقد أشارك في حفل في باريس في أبريل وثمة بحث في مشاركة في مهرجانات بعلبك في لبنان خلال فصل الصيف، والإدارة هي التي تقرر خطواتنا ومشاركاتنا، وكل همي أن أمثل بلدي خير تمثيل». ويقول «عرفت أن الموسيقار زياد الرحباني حضر إحدى حفلات بيت العود أخيرا، ولم يحصل لي الشرف أن أتعرف عليه شخصيا، فقد تابعت الألحان التي أنجزها لوالدته السيدة فيروز، وهو بحق فنان جريء وينحدر من عائلة عظيمة في الموسيقى، وسوف يكون للراحلين عاصي ومنصور الرحباني معزوفة «وينن» في تخرجي وقد اخترتها لأن لحنها عبقري، وفيه استفهام عجيب وأفكار رائعة... لامسني هذا اللحن بالتحديد لأن فيه خصوصية فريدة مع أن كل ألحانهم فيها الكثير من التجديد والعبقرية في الموسيقى». التوزيع أيضاً يدرس فيصل الأداء ولكنه لا يركز على الصوت بحيث يغلّبه على اهتمامه بالعزف على العود، ويقول «صوتي صوت ملحن وليس مطلوبا مني أن يكون لدي إمكانيات مطرب في الأداء... إنما أن أغني بشكل صحيح ومن دون نشاز وأتمكن من تأدية المقامات، فبالصوت أوصل النغمة للفنانين الذين ألحن لهم، والعود آلة في التلحين لأن من يلحن هو المخّ». واهتمام فيصل بالتوزيع دفعه للاهتمام أكثر بدراسة التوزيع في بيت العود في أبوظبي، وقد ساعدته دراسته للموسيقى العالمية في هذه المسألة». أما عن ندرة الموسيقيين في الإمارات فيقول «ندرة الموسيقيين؟ سببها! للأسف أنه ليس لدينا معاهد أكاديمية وبيت العود مخصص للعود والقانون، فماذا عن الآلات الأخرى؟ ماذا عن معهد عال للموسيقى يعلّم أكثر من آلتين ويدرّس تاريخ الموسيقى والثقافة الموسيقية والتراث الموسيقي... ليس المطلوب مني أن أكون عازفاً وحسب، إنما أن أكون عازفاً مثقفاً،، عليّ تشريف بلادي في الخارج وبزيّي الوطني،... لقد أثرت هذه المسألة مرارا خلال لقاءات تلفزيونية ولكن لم أرصد أي ردود فعل بصراحة. ليس هناك إلا بيت العود وهي أول محاولة أكاديمية ولها مستقبل باهر، إنما هذا لا يمنع من التفكير بجدية بتأسيس معهد عال للموسيقى، فكل الفنانين الإماراتيين الذين نجحوا غير مؤسسين أكاديميا وقد وصلوا بجهودهم الخاصة ومن برع منهم كان من دون شك سيبرع بشكل مضاعف لو توفرت له فرصة أكاديمية. الفنان الأكاديمي الإماراتي الوحيد هو الراحل جابر جاسم، وقد درس في القاهرة، وهناك عبد الله بالخير درس أيضاً... إنما فايز سعيد- وهو نجم كبير- فلم يدرس أكاديمياً ولا يعرف النوتة». ويعود إلى آلة العود ليشير إلى أنه ليس في الإمارات عازفين منفردين إلا الخريج من بيت العود علي عبيد. بالزي الإماراتي على المستوى الأكاديمي، يشرح فيصل أن بيت العود يمنح شهادة أستاذ معترف بها في الإمارات موقعة من نصير شمّه المعترف أساساً بشهادته عالمياً، وأن هذا يتيح له تعليم طلبة والتعامل معهم بهذه الصفة ويكون له وزنه أكاديمياً. يحلم فيصل بتمثيل بلاده خارج الدولة ورفع اسم الإمارات في هذا المجال بالزي الرسمي في أية دولة في العالم، و«أن أقدم كونسرات بالمستوى الأكاديمي المطلوب، وأن أحقق نفسي موسيقياً، وأن أوصل ما تعبت للحصول عليه وباجتهادي الشخصي وفي بيت العود بعد معاناة طويلة مع التجار، إلى شخص يحب أن يتعلّم الموسيقى ويحب أن يستفيد، فأنا مستعد لتقديم مجهود 25 سنة أعطيتها من عمري على طبق من ذهب للراغب بالاستفادة والتعلّم». وفي الختام يقول «ترددت في البدايات وتخوفت من أن أتعرض للانتقاد في دراسة الموسيقى الغربية فأشار إليّ سلطان الخطيب- وهو ليس باستاذ عادي- أنها ليست موسيقى غربية إنما موسيقى عالمية. متى نصل إلى العالمية؟ متى نضع نوتة يعزفها الصيني والمكسيكي والمغربي والأفريقي والألماني... ؟ متى؟ متى تتوحد المناهج والمقامات وأسماء علامات الموسيقى في العالم العربي؟ متى يتوقف الخلاف الموسيقي وتتوحّد التقنيات والمنهج؟»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©