الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمن في بغداد... والثمن مدن في قفص جماعي

الأمن في بغداد... والثمن مدن في قفص جماعي
12 ديسمبر 2007 23:01
أعيد فتح شارع ''أبو نواس'' التاريخي في بغداد وسط تطبيل وتزمير رسميين كبيرين قبل أسبوعين· غير أن التجار في هذا الشارع -وبعد ثلاثة أعوام على توقف أنشطتهم التجارية- يواجهون تحديا جديدا يتمثل في التشديدات الأمنية المكثفة، كما يقول بعض التجار المحليين· اليوم، يعج شارع ''أبو نواس'' -الذي كان هدفا للسيارات المفخخة والهجمات بقذائف الهاون في وقت من الأوقات- بحركة من نوع آخر؛ إذ تجوب المنطقةَ مركباتُ ''هامفي'' العسكرية، وتتولى حراستَه شركات أمنٍ خاصة بتمويل أميركي، تقوم بتفتيش كل سيارة قادمة وتراقب التجار والسكان- إضافة إلى الزوار الشجعان القلائل؛ غير أن هذه الظروف تعني بالنسبة لـ''حسن عبدالله''، وهو صانع قطع الأثاث الخشبية، ركودا تجاريا مضمونا إذ يقول: ''إنه أسوأ من المنطقة الخضراء''؛ فالزبائن لا يأتون· والواقع أن شارع ''أبو نواس'' ليس الوحيد الذي بدأ يشبه الحصن؛ ذلك أن الأسوار والجدران مثل تلك التي تحيط بالمنطقة الخضراء المؤمَّنة، حيث يعيش ويعمل المسؤولون الأميركيون والشخصيات العراقية الرفيعة، أخذت تظهر في الأحياء عبر جميع أرجاء بغداد -''مناطق خضراء'' جديدة يتولى حمايتها حراسٌ عراقيون بتمويل أميركي· يعد توفير الأمن للمدنيين حجر الزاوية بالنسبة لجهود محاربة التمرد في العراق· وإذا كان الكثيرون الذين يعيشون في هذه المناطق ممتنون لعودة الهدوء الذي افتقدوه طويلا، فإنهم يرون أن الثمن هو مدينة منعزلة بشكل متزايد تشبه قفصا جماعيا· وفي هذا الإطار، يقول محمد رجب، وهو أحد سكان حي الغزالية: ''طريق واحد للدخول وآخر للخروج··· إنه كالسجن''· وقد انخفضت أعمال العنف في بغداد إلى أدنى مستوياتها منذ فبراير ،2006 وانخفضت الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية بنسبة 55 في المائة منذ يونيو المنصرم، حسب معلومات الجيش الأميركي· غير أن قائد القوات الأميركية في العراق، الجنرال ''ديفيد بيترايوس''، حذر الأسبوع الماضي من التقاعس، وذلك بعد يوم واحد على أسوأ تفجير تشهده بغداد منذ سبتمبر الماضي· ويُذكر أن يوم الأحد الماضي أعلن خبر مقتل قائد الشرطة في إقليم بابل، وهو حليف للولايات المتحدة، وبعد ذلك بيومين، تسببت هجمات انتحارية استهدفت حراس الأحياء في ديالي في مقتل 26 شخصا، فيما أسفرت عملية إطلاق نار في الموصل بمقتل حليفين قبليين للولايات المتحدة· ويمكن الوقوف على مدى التحول الذي تعرفه بغداد من خلال جولة بالسيارة عبر شوارعها الرئيسية، فالمناطق الغربية -عادل والعامرية والغزالية والجامعة، وكلها أحياء كانت حتى عهد قريب مسرحا لعمليات المتمردين السنة والمقاتلين المرتبطين بالقاعدة- باتت مناطق تحيط بها جدران يصل ارتفاعها إلى 12 قدما على الأقل، والطريق السريع الغربي تؤمنه عدة نقاط تفتيش تابعة للجيش العراقي· والواقع أن الأشياء التي تذكِّر بماضي المنطقة العنيف منتشرة في كل مكان: فالجسر الالتفافي مدمَّر، والمنازل عليها آثار الرصاص، والرسوم الجدارية كثيرة كتب في أحدها ''ليسقط بن لادن وجماعته البئيسة'' فيما تحمل لوحةٌ مهترئة عبارةَ ''مرحبا بكم في بغداد''· المشاهد تشبه مثيلاتها في أحياء غربية وجنوبية أخرى مثل (عامل والدرة والسعيدية)، حيث تحيط بهذه الأحياء أسياجٌ سلكية أحيانا، تمثل المكان المفضــل لتعليق اليافطــات السوداء التي تعلِن عن إحدى الجنازات، أو السوداء التي تعلن عن العطلات في الخارج· وفي شمال شرق بغداد، تمتد أميال من جدران الخرسانة التي يبلغ ارتفاعها 6 أقدام حول أحياء مثل جميلة والجزائر وأور على مشارف مدينة الصدر الشيعية· وعلى جدار من الخرسانة بالقرب من نقطة دخول يحرسها الجيش العراقي كُتبت عبارة ''معبر رفح''، في إشارة ساخرة إلى الحدود بين مصر وقطاع غزة؛ وفي هذا السياق، يقول ''حازم محمود'' -ضابط متقاعد في الجيش العراقي كان يقوم بجولة مع وزوجته في شارع ربيع-: ''إننا لسنا أحرارا، فحيُّنا محاط بالجدران، أما مسؤولونا، فموجودون هناك في المنطقة الخضراء''· وبعيدا عن حي جميلة ببضعة أميال، أسفل شارع محمد القاسم، تحيط أسوارٌ عملاقة يبلغ ارتفاعها 12 قدما حول الأحياء السنية مثل (الأدهمية والصليخ)· وعلى سور الأدهمية كُتبت عبارة لوك كان هنا قد يكون كتبها أحدُ الجنود الأميركيين· وكان السكان في وقت سابق من هذا العام قد تظاهروا ضد المخططات الأميركية القاضية ببناء الجدار، غير أن جدارا مماثلا بني حول (صليخ) قبل نحو أسبوعين بدون أن يثير ضجة كبيرة· وفي هذا الإطار، يقول ''أحمد عيدالله'': ''إذا كان زعماؤنا راضين عن هذا، فهل تتوقع منا نحن الفقراء أن نتكلم؟''، مضيفا: ''إننا نشعر بأننا سجناء داخل بلدنا''· وفي محاولة لرفع معنويات البغداديين المحاصَرين، نظم المسؤولون العسكريون الأميركيون والعراقيون حفلا بمناسبة إعادة فتح شارع ''أبو نواس'' عقب عملية تجديد كلفت 5 ملايين دولار ومولتها الولايات المتحدة· في هذه الأثناء، يرابط الحراس الأمنيون في نقطة تفتيش جديدة؛ ويقوم الجنود الأميركيون بدوريات في المنطقة؛ وتزين مشاهدُ بابل الجدران؛ في حين أن الأزقة الجانبية مغلقة والسيارات قليلة، والزبائن الوحيدون بأحد مقاهي الشارع هم أربعة رجال أمن متخفين· قال أحدهم: ''نحن في حاجة إلى هذا! فالمخطط الأمني لبغداد لم يُنجــز منه سوى 60 فــي المائــة''· أما الوحيدون الذين كانوا يستمتعون بوقتهم في شارع ''أبو نواس''، فهم الأولاد الصغار الذين كانــوا يلعبون بالكرة في الحديقــة، بينما تلوح عبر نهر دجلة من بعيد ''المنطقةُ الخضراء''· سام داغر- بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©