السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثمودي يهرب أمام الفرعون من تدمر إلى الجوف

ثمودي يهرب أمام الفرعون من تدمر إلى الجوف
12 ديسمبر 2007 23:23
عام 610 ق· م· توفي الفرعون المصري أبسماتيك، وتولى العرش بعده ابنه نيخو الثاني· وكان من سوء حظ هذا الفرعون أنه لم يخلف من الكتابات ما يحفظ اسمه، فكانت المصادر الوحيدة عنه تنحصر فيما ذكرته الكتب المقدسة، وتاريخ هيرودوت· وبرغم أنه لم يكن قد مضى وقت طويل على انسحاب الجيش الآشوري من مصر، بغية التركيز على مقاومة بابل في الاستقلال، فقد تمكن نبوبولاصر من إعلان نفسه ملكاً على بابل المستقلة التي بدأت تهدد آشور نفسها· وفي عام 610 ق· م· أحكم نبوبولاصر قبضته بالاشتراك مع الميديين والأسكيثيين لإطباق الحصار على نينوى· سقطت نينوى، وانسحب الجيش الآشوري نحو حران· كان نبوبولاصر شيخاً كبيراً، فرجع إلى بابل، وأسند قيادة الجيش البابلي إلى ابنه وولي عهده الشاب نبوخذ نصر الثاني· وصلت هذه الأخبار إلى مسمع الملك المصري نيخو، فقرر إنقاذ آشور، برغم احتلالها السابق لمصر، ربما لأن تحالف الميديين والبابليين يثير قلقه أكثر من آشور· اندفعت عربات الجيش المصري تقطع الصحراء الفاصلة بين حران ومصر· يقول سفر ''الملوك الثاني'': ''صعد فرعون نخو ملك مصر على ملك آشور إلى نهر الفرات· فصعد الملك يوشيا للقائه فقتله في مجدُّو حين رآه''· تولى العرش ابنه يهوآحاز، والظاهر أنه قرر التصدي للفرعون بقصد الثأر لأبيه· يقول سفر الملوك: ''وأسره فرعون نخو في ربلة في أرض حماة لئلا يملك في أورشليم''، وعين أخاه يهوياقيم بدلاً عنه، واصطحبه معه أسيراً إلى أرض مصر· تقع ربلة المذكورة إلى الشمال من دمشق، وتشكل مع تدمر وحماة وقادش أهم المدن التي تقع إلى الجنوب من كركميش، المدينة التي حصلت فيها المواجهة الكبرى بين الجيشين المصري والبابلي· قراءتان لنص واحد كان الانتصار حليف القائد الشاب نبوخذنصر، الذي اندفع يطارد الجيش المصري إلى داخل الأراضي المصرية· وحين وصل إلى حدود العريش، بلغته الأنباء بموت أبيه نبوبولاصر، فأسرع بالعودة إلى بابل ليتبوأ عرش المملكة· يطلق الكتاب المقدس على الفرعون المصري اسم ''نخو''، أما هيرودوت فيسميه ''نيكوس''· وبسبب انعدام الوثائق عن هذا الفرعون، فقد ارتأى فيلكوفسكي في كتابه ''رمسيس الثاني وعصره'' أن نيخو المذكور لا وجود له، وأنه ليس سوى رمسيس الثاني الذي يجب تصحيح زمان حكمه ليصبح الملك الذي واجه نبوخذنصر· وجدنا أنفسنا في غمرة هذه الوقائع جميعاً ونحن نقرأ نقشاً ثمودياً نشره الأستاذ سليمان بن عبد الرحمن الذييب في كتابه: ''نقوش ثمودية جديدة من الجوف - المملكة العربية السعودية''· غير أن الأستاذ الذييب، للأسف الشديد، لم يحالفه التوفيق في قراءته· ففضلاً عن الأخطاء الكثيرة في معالجته لقراءة الحروف، فقد اعتبره ''أحد النصوص الثمودية العائدة إلى الحقبة الثمودية المتأخرة''· وقبل اقتراح قراءة جديدة، يحسن بنا تقديم صورة للنقش كما صوره الأستاذ الذييب· يرى الذييب أن قراءة النقش كالآتي: ل م ش ي ب ن ر ع و ل ك ت و ن أ س و أ س ي و خ ل ف و ن ز ف س ن ت ض م ن ع ل ذ م ر وقراءته ـ كما يرى ـ بواسطة مشي بن راع ومرضتُ، وأقام وعالج وشفي (سن) الجرح (المرض) سنة الوباء على مدينة ذمار· يبدو أن هذه القراءة غير موفقة، ولست أدري كيف فات على الأستاذ أن النقوش لا يمكن أن تجمع بين ضميري المتكلم والغائب· ولكن لا بد من احترام التحفظ الذي أبداه الذييب حين قال: ''يجدر بنا قبل البدء بالتحليل اللغوي لمفرداته الإشارة إلى أننا لا نستطيع الجزم بصحة التفسير المعطى أعلاه نظراً لأن العديد من مفرداته تحمل قراءات ومعاني متعددة''· فعلاً، سيجد القارئ أننا نختلف معه في قراءة جميع الكلمات تقريباً· بل نعتقد جازمين أن هذا النقش من أقدم النقوش الثمودية، وربما يكون أقدمها على الإطلاق، بل إن بعض حروفه هي أقرب إلى الكنعانية منها إلى حروف المسند الشمالي، كما هو الحال مع الكاف المقلوبة (التي قرأها الذييب همزة، بينما قرأ التاء خاء)· وندرج فيما يلي حروف النقش كما نراها: ل م ش ي ب ن ر ع و ل أ ت و ن ك س و أ س ي و ت ل ف و ن ز ف س ن ت ض م ن ع ش ذ م ر وقراءته: لمشّي بن راعول أتى ونكس وأسي وتلف ونزف سنة ضمَّ نيعوش ذمّر· الفرعون والفقير عُثِرَ على النقش في منطقة قارة المزاد في الجوف، لكن كاتب النقش (مشّي بن راعول) لا ينتمي لهذه المنطقة، بل وفد أو على حد تعبيره ''أتى'' إليها من (ذمر) أي (تدمر)، بالقرب من رعلة وإلى الشمال من دمشق· وقد وصل إليها منكوساً، أسياً، تالفاً، نازفاً، هرباً من واقعة مدمرة حصلت فيها· وقد حصل هذا سنة ضمَّ (نيعوش) تدمر إلى مملكته· ونحن نعتقد أن (نيعوش) هذا الذي يشير إليه النقش هو الفرعون (نيخو) في سفر الملوك الثاني، وهو نفسه (نيكوس) عند هيرودوت· أي أن هروبه من تدمر حصل سنة 605 ق م· يا لسخرية التاريخ! فرعون عظيم تنساه الكتابات حتى يشكك الناس بوجوده، ليأتي عربي ثمودي بسيط يكتب بخط يده المجهدة النازفة شهادة معاناته منه، وبالتالي شهادته على وجود هذا الفرعون· وبكتابته هذه ترك مشي بن راعول ما لم يخطر بباله أبداً، فقد بقيت حروفه البائسة آلاف السنين، بينما ذهبت كتائب الفرعون الجرارة· وبهذه الحروف المتبعثرة، قلب مشي بن راعول معايير الكبرياء في التاريخ· في حياته كان بحاجة إلى شهادة أبسط جندي في جيوش الفرعون، أما الآن، بعد أكثر من ألفين وخمسمائة سنة من ذلك الحدث، فإن جميع مآثر الفرعون (نيعوش) أو (نيخوس) وكتائبه وجيوشه الجرارة الهدارة بحاجة إلى حروف مشي بن راعول التي كتبها بيده النازفة هرباً من انتقام هذه الجيوش لتثبت أنها كانت موجودة ذات يوم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©