الأب تلميذ لابنه

بعد أكثر من قرن على وفاته، صدرت الأعمال الكاملة للكاتب الرائد ابراهيم المويلحي· وهي باستثناء كتابه ''ما هنالك'' لم يسبق أن صدرت في كتاب، ابراهيم المويلحي هو والد محمد، صاحب ''حديث عيسى بن هشام''، ويمثلان حالة أدبية فريدة، فالأب تأثر فكريا وأدبيا بابنه، حيث نسج كتابه ''مرآة العالم أو حديث موسى بن عصام'' على منوال كتاب الأخير ''فترة من الزمن أو حديث عيسى بن هشام''· مرآة العالم جمع في كتاب وصدر بالألمانية عام 1954 كما يخبرنا ''روجر آلن'' الذي قدم وأشرف على اصدار الطبعة العربية من أعمال ابراهيم المويلحي، كان ابراهيم يعمل بالتجارة وادارة الأعمال خلفا لوالده عبدالسلام المويلحي، الذي كان مقربا من الخديو اسماعيل، فعينه في مجلس التجار والمحكمة الابتدائية، وفي عام 1872 خسر كل ثروته جراء المضاربة في البورصة وتدخل الخديو اسماعيل ليعوضه عن الخسارة، وحين أجبر الخديو اسماعيل عام 1879 على التنازل عن العرش واختار ايطاليا منفى له، لحق به ابراهيم المويلحي لكي يكون معلما لأبنائه، ومن هناك أصدر جريدة ''الاتحاد'' التي هاجم فيها الدولة العثمانية والسلطان عبدالحميد، مما أثار غضب الأخير، وترك ايطاليا بعد ذلك الى لندن ثم باريس وأخذ ينتقد الانجليز بشدة لاحتلالهم مصر ولموقفهم من السلطنة العثمانية، فتلقى دعوة من السلطان لزيارة اسطانبول· وهناك عُين في مجلس التعليم، حتى سمح له بالعودة الى مصر عام ،1895 حيث بدأ بنشر كتابه المهم ''ما هنالك'' في جريدة ''المقطم'' ووقعه باسم ''أديب فاضل من المصريين''· وهو يضم نقدا مريرا للأوضاع في قصر الخلافة وما يجري فيه من وشايات ومؤامرات الحاشية، تنبه جواسيس السلطان، وعرفوا مؤلفه الحقيقي، فتم جمع نسخ الكتاب واعدامها ومنع أي ذكر له، وقد بقيت نسخة في احدى المكتبات الخاصة التي أهديت الى دار الكتب المصرية وعنها صدرت هذه الطبعة· مرآة العالم أما كتابه ''مرآة العالم'' فقد نشرته مجلة ''مصباح الشرق'' التي اصدرها ابراهيم ومعه ولده محمد، ونشر فيها محمد ''حديث عيسى بن هشام'' وبعدها بفترة نشر ابراهيم ''مرآة العالم'' وهي حلقات تصب مباشرة، في النقد الاجتماعي والسياسي، البطل موسى بن عصام شاب مصري يلتقي بشيخ عجوز، ممتلئ بالحكمة، يأخذه هذا الشيخ الى مكان نادر مرتفع يمكنه من خلاله مراقبة العالم كله، حيث يرى رجلا ثريا جدا من محدثي النعمة، يرفض بشتى السبل أي طريقة، لفعل الخير أو المساهمة بشيء من ماله في عمل عام، ويزداد موسى غضبا حين يلفت الشيخ انتباهه الى معاناة الجنود المصريين في السودان، إذ يقومون بكل الأعمال والأعباء، بينما ''الزملاء'' من الانجليز في ما يسمى ''الحكم الثنائي للسودان'' لا يقومون بأي شيء·