السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طيور بنغالية

13 ديسمبر 2007 15:04
أمامهما الشاطئ، مهجوراً ولا نهائياً، وفي الداخل عبر مسافات غير منتظمة تُلمح رؤوس نخيل مشدوخة من الأعلى محترقة ومطرقة· قال للشابة التي إلى جواره: ـ يبدو هذا المكان موحشاً· أترغبين في الانتقال إلى مكان اخر؟ تابع حركة إصبعها وهي تدفع إلى الوراء أوراق كتاب كانت تتصفحه، وحفيف أوراقه، في حركتها البطيئة، يثير شعوراً بعزلةٍ لا تطاق· قال: ـ أيشغلك الكتاب إلى هذا الحد؟ ـ امْ رفعت رأسها وعندما ابتسمت كانت سنّها الأمامية المكسورة قد أضفتْ عليها ملامح فتاة تعيسة وحائرة· قال: ـ ليس هذا مكاننا المعتاد· ـ لا أدري ـ كيف؟ لم يكن الجسر قريباً منا كما هو الآن، ثم إن الكشك··· ـ وماذا يعني؟ كان صوت الماء موحشاً· والباخرة نصف الغرقى لا تزال مهجورة في مكانها قرب الجسر، وصخور الشاطئ مخروطية سود منخورة من الداخل مثل خلايا نحل، وكسرة الشمس باردة وباهتة· تناولتْ ذيل ثوبها المدعوك ودست حاشيته تحتها، وهي تدنو منه· قال لها: ـ سأشتغل بحّاراً ـ وترضى أن تغيب عني؟ ـ ليس طويلاً· سآتي لك من هناك بأقراط من زمرد· التصقت به حتى انحشر الكتاب بين جسديهما وسقط على العشب في صوت مختنق· كانت أفياء الشجر وعتمة المكان تغيّبان ملامحه· قال: ـ ستعيشين أميرة· وبطرفي قدميها خلعت حذاءها فتراءت له أصابع القدمين رقيقة وبيضاء قال: ـ سترتدين ثياباً كشميرية من حرير، مطرزة بطيور بنغالية وعندما أومئ إلى ثيابك ستغادر الطيور قماشة ثوبك وتحط على ركبتيّ وستحدثني عن جسدك الناعم مثل الهواء· انشقت العتمة عن مكان فسيح مضاء: بحارة من حوله يقلعون المراسي مستجيبين لنداءاته بين نثار الوهج الباهر من السحاب الأبيض، وهو، في عرض البحر، يصوّب عينيه الى مكانها ويبتسم لها، والريح المثقلة بذفر حيتان البحر ترتد إلى خفّيه المعقوفين وتتدثر بين طيات ثوبها الهندي الصقيل، والسفينة تجري محملة بالعطور والألماس والنفائس· كانت أقدامهما المتدلية من المصطبة الأسمنتية، حيث كانا يجلسان، تلتف بحركة متبادلة· لمعت عيناه في عينيها فأغمضتهما وهي تؤرجح جذعها من دون ان تستطيع كبح حركته· سألته: ـ ماذا قالت لك الطيور عني؟ كان صوته يأتيها رخوا مثل حوافر الخيل على أرض طينية، وأشكال متلاشية وملتبسة تمر سريعاً على عينيها الغائمتين، وأصوات في داخلها كالنحيب لا تنقطع أبدا· بعد قليل جاء صوته من داخل العتمة: ـ ستعيشين أميرة يا حبيبتي· ومن بين انحناءات الشجر، حيث كثافة العتمة ورطوبة المكان، لمحت، أول مرة، ماسة بلون السكر المحروق تتوسط عمامته الهندية· تراخت قبضة يدها عن كتفه وسقطت إلى جانبه فاستعادت هدوءها· يمر الآخرون، خلف مقعدهما، مطرقين مثل أشباح تعبى، والمساء يذوي وخضرة المكان تزداد قتامة· نهضا، كانت عيناها مبتلتين وعروق زرق تنتفخ أسفل رقبتها وشريط الماء الأزرق لا ينقطع جريانه· تقدما خطوات في أرض الشارع· تبادلا النظرات: ماسته المشعة على عمامته وثوبها الكشميري تتواثب طيوره البنغالية بين ثنيات جسدها وهي في خطوها المتئد· وفي الظلام، عندما بدأت حافات المباني والأعمدة والأشجار تفقد وضوحها، كان المارة يبدون، كلما يقتربون منهما، كما لو أنهم يتباطأون في مشيهم، يحنون لهما قاماتهم في طقس هندي كالعبادة تاركين وجوههم الشمعية تنبعج تحت ضغط أكفهم المتضرعة· عبرا الإشارات الضوئية· تركا كشك بائع المرطبات وراءهما· وعلى بعد خطوات وضعت الشابة قدمها على حافة سياج، رفعت الى أعلى جوربها وشدّته بإحكام ثم لحقت بالشاب وكان قد أقعى على مؤخرته يحاور بائعاً متجولا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©