الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«المريحانة» تجسد الصراع البشري الشرس والفساد الإداري

«المريحانة» تجسد الصراع البشري الشرس والفساد الإداري
21 مارس 2010 21:27
قدمت فرقة مسرح بني ياس مساء أمس الأول بقصر الثقافة بالشارقة وضمن عروض اليوم الرابع من مهرجان أيام الشارقة المسرحية عرضها المسرحي «المريحانة»، من تأليف وسينوغرافيا وإخراج فيصل الدرمكي، وتمثيل عبدالله بوشامس ومحمد الظاهري وفرح ومحمد الهاشمي، ومن خلف الكواليس أيمن سرحيل مساعدا للمخرج، ومحمود الجارحي مديرا للخشبة، وياسر سيف مشرفا على الإضاءة وعبدالله بن حيدر في التنسيق والمتابعة. وقبل الشروع في قراءة وتحليل العرض لابد لنا كمراقبين لعروض الدورة الحالية والدورات السابقة للمهرجان أن نتساءل عن سبب إقصاء «المريحانة» من لائحة العروض الداخلة ضمن مسابقة المهرجان، خصوصا وأنه استوفى الشروط القياسية للعرض المسرحي، وأمتلك رؤية إخراجية ناضجة ومتماسكة ومتجاوزة أيضا لبعض العروض الأخرى الداخلة في المسابقة، كما أنه نال رضا واستحسان وإشادة كل النقاد والمشاركين في الندوة التطبيقية التي تلت العرض، هو سؤال نضعه أمام لجنة الاختيار، ولا نملك سوى الدهشة والاستغراب حيال قرارها باستبعاد وتهميش هذا العمل المميز رؤية وتجريبا ومعالجة! في مدونة المسرحية نقرأ الكلمة التالية لمجلس إدارة مسرح بني ياس « ها نحن نلتقي بكم في تجربة جديدة، قادمون من العاصمة الحبيبة أبوظبي، لنقدم عملا يليق باسم مسرح بني ياس، ونتمنى للمريحانة مشاركة جميلة وفعالة «. أما مخرج ومؤلف العمل فيصل الدرمكي فيقول» أيام بريئة نشتاق لها حين نتذكر المريحانة التي كنا نتأرجح عليها ونحن صغار، كبرنا وكبر الشوق معنا للجلوس على المريحانة مرة أخرى، ولكننا صنعنا مريحانتنا هذه المرة من جلد مخملي، لا نرضى أن يشاركنا أحد الجلوس عليه». كلمات ودلالات تشير مباشرة إلى جهود الفرقة وحماسها المتواصل لإثراء المشهد المسرحي المحلي، وتقديم أعمال وخامات أدائية وفنية تطمح لتطوير وتجويد لغتها المسرحية والذهاب بها بعيدا نحو إبداع لا يخبو، وطموح لا يذبل. ترتفع ستارة عرض «المريحانة» كي تكشف لنا على فضاء تجريدي مغمور بالسواد، إلا من إضاءات خافتة على خمس مراجيح موزعة برشاقة على المستويات العمودية والأفقية (لميزانسين) الخشبة، ونراها وهي تتلاطم بصمت في هواء معتم وهامد، تدخل الشخصيات بملابس سوداء كي تعزز المناخ الداكن للعرض، وتكشف تدريجيا عن معالمها الداخلية، وعن البيئة المكانية التي تتصارع فيها رغباتها المتداخلة والمتصادمة في آن، فالشخصية التي يقوم بأدائها الممثل عبدالله بوشامس تدير مؤسسة كبيرة، وهي تعمل بدهاء من أجل تثبيت المركز الذي تشغله، أما شخصية الموظف التي يقوم بأدائها الممثل محمد الظاهري، فهي شخصية طموحة وخبيثة في ذات الوقت وتمارس كل الألاعيب الماكرة لأخذ كرسي ومنصب المدير الحالي، بينما تقوم الموظفة التي تجسد دورها الممثلة فرح فتعمل على الخروج بأقل الخسائر من هذه المؤسسة المليئة بالدسائس والتجاوزات والفساد الإداري. وعندما تدخل هذه الشخصيات الثلاث في ذروة الصراع الشرس وتصل لمشارف اللعبة الخطرة والنهائية، تتمكن الموظفة من الاستحواذ على الغنيمة والظفر بمنصب المدير. مشهد النهاية هذا أفصح عن قدرات المخرج العالية ومعالجته الذكية للحدث الدرامي، وذلك عندما يحوّل الأرجوحة التي تتمسك بها المرأة إلى حبل نجاة وانتصار يعلو بها إلى سقف الخشبة، في إشارة موحية تتوفر على عدة دلالات وتأويلات تشاكس الواقع الاجتماعي والسيكولوجي المحيط بنا والمقيم أيضا في دواخلنا. تميز عرض «المريحانة» بالإضاءة الدالة على نوايا ومضامين العرض، والمكملة أيضا لسينوغراف الحبال الذي استحضرت الديكورات الوهمية لمكاتب المؤسسة ولمنزل الزوجة، دون الحاجة لتجسيد وشرح مبالغ من قبل الديكورات التقليدية والثقيلة قياسا بالرؤية المكثفة والاختزالية للعرض، استطاع مؤلف العرض ومخرجه أن يستحضر مواصفات الدراماتورج المسرحي وأن يخلق حالة حاضرة وحارّة ومتدفقة من الانشغال الذهني والتخيلي لدى المتلقي، رغم لجوئه غير المبرر للهجة المحلية التي لم تتناسب مع البنية البصرية للعرض. عموما فإن مسرحية «المريحانة» يمكن لها تتقاطع مع أعمال تجريبية وحداثية في المشهد المسرحي العربي والغربي، كما أن استمرار فيصل الدرمكي في هذا النهج وفي هذه الرؤية قد تقوده يوما لتدشين حركة مفصلية باهرة وخلاّقة في الاتجاهات المستقبلية للمسرح الإماراتي.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©