السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مفهوم النُّخبة ـ 1 ـ

مفهوم النُّخبة ـ 1 ـ
14 ديسمبر 2007 00:10
يرتبط مفهوم ''النُّخبة''، من حيث نشأته وتكوينه، بالفكر الغربي الحديث سواء السياسي منه أم الديني أم الفكري أم الثقافي· لكن صلة هذا المفهوم بالفكر الغربي الحديث لا تعفينا من النظر في جذور وسياقات توظيفه في الثقافة العربية؛ فإذا كان مصطلح ''النُّخبة'' لم يظهر في نصوص الأدب العربي قبل الإسلام، خصوصاً النُّصوص الشِّعرية منها، كذلك لم يرد وبكل اشتقاقاته في النَّص القرآني، فإنه ظهر وتمَّ تداوله في عدد من النُّصوص العربية الشِّفاهية والمدوَّنة الواردة عن القرن الأول الهجري، بل الواردة عن العقود الهجرية الأولى؛ فلقد ذكر ''الزبيدي'' في معجمه ''تاج العروس من جواهر القاموس'' ما ورد على لسان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (ت 23 هـ) أو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (ت 40 هـ) من أنَّ أحدهما قال: ''وخَرَجْنا في النُّخْبَة''· والنُّخْبَة هنا هم المُنْتَخَبُون من النَّاس المُنْتقَوْنَ· وفي حديثِ ابْن الأَكْوَعِ: ''انْتَخَبَ من القَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ''· و''نُخْبةُ المتَاعِ: المُخْتَارُ يُنْتَزَعُ منه''· وعن اللَّيْثُ: ''انْتَخَبْتُ أَفْضَلَهُم نُخْبَةً''· وإذا كان هذا هو مُتداول الناس في المجتمع العربي الإسلامي القديم؛ فإن أوائل المعجميين العرب كانوا قد وظفوا مفهوم ''النُّخبة'' فيما وضعوه من معاجم كانت في خطابها الفكري والمعرفي نتاجاً لحركة المجتمع الثقافية، انعكاساً لطبيعة العقلية العربية ولتركيبتها المفاهيمية في كل المراحل الثقافية والأدبية التي مرَّت على المجتمع العربي والإسلامي، مثل: معجم ''العين'' للخليل بن أحمد الفراهيدي (100 ـ 175 هـ ) الذي تداول هذا المفهوم كمصطلح وليس كلفظ أو اسم أو فعل فقط· قال الفراهيدي: النُّخْبةُ هم خِيارُ الناس، ويقال: انتخَبْتُ أفضلهم نُخْبَةً وانتَخَبْتُ نُخْبَتَهم· كما أورد في سياق تعريفاته المعجمية مصطلحات مركَّبة تدلُّ على المفهوم من الناحية التداولية، مثل: مفهوم ''نخبةُ القوم''، ومفهوم ''نخبة السُّلطان''، و''جماعة من نُخْبة الناسِ وخِيارِهم''· المهم هنا أن دلالة الكلمة تحسب لمجموعة مُصطفاة من الناس في المجتمع تلك المجموعة التي تتمركز حول رابط ما، وتمارس وظائفها ضمن سياق محدَّد قد يكون مجتمعياً، وهذا ما تناوله الأزهري في كتابه ''تهذيب اللغة'' حيث قال: النُّخْبةُ هم جماعة تُختار من الرجال، ويقال هم نُخَبَةُ القوم· و''الرجال'' و''القوم'' هنا لا يعدوان أنْ يكوِّنا سياقات مجتمعية، وقد يكون السياق الذي تظهر فيه النُّخب؛ ثقافياً وفكرياً وفُقهائياً، يخصُّ جماعة تشتغل في علوم المعرفة وحقولها كما نجد ذلك فيما استخدمه عُلماؤنا وفقهاؤنا ومفكرونا القدماء من مفاهيم تدل على تخصُّصهم العلمي والحقلي مثل: ''القرّاء''، و''الرواة''، و''الفُقهاء''، و''العُلماء''، و''الكلاميون أو عُلماء الكلام''، و''الفلاسفة''، و''المناطقة''، و''المتصوِّفة''، و''الكتّاب''، وغير ذلك من المفهومات التي هيمن استخدامها وتداولها على استخدام وتداول مصطلح ''النُّخبة'' في المجتمع العربي والإسلامي بسبب هيمنة منظومة المفاهيم والمصطلحات والرسوم التي جاء بها النَّص القرآني، والذي طبع الثقافة العربية بميسمه من خلال جهازه المفاهيمي والمصطلحي، وهذا يعني أن مفهوم النُّخبة كان ذي منزلة ضعيفة مقارنة بكل تلك المفاهيم الإسلامية التي أتينا على ذكرها آنفاً· ولذلك ظل هذا المفهوم في الثقافة العربية الإسلامية عضوياً كمدلول في مجالات تداوله من حيث ارتباط أفراد النُّخبة أو عناصرها بسياق محدَّد، لكنه ظل أيضاً هامشياً كـ ''رسمٍ أو حدٍّ شمٍْ'' مقابل هيمنة مفاهيم ومصطلحات ورسوم كتلك التي أوردناها سابقاً عندما مارست منظومة المفاهيم القرآنية مركزيتها في الثقافة العربية والإسلامية طيلة قرون طويلة سالفة· رسول محمد رسول rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©