السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الأماكن..

الأماكن..
5 مايو 2009 02:11
الأماكن الأليفة جزء منا، ونحن جزء منها، تشكّلنا بعناصرها، ونشكّلها بعناصرنا، وبتدقيق قليل نجد أن عناصر مكوّناتنا واحدة، وندّعي بأننا نختلف عنها بحنيننا إليها، يحنوّنا عليها، برعشة أفئدتنا، دون أن نجزم إن كانت الأماكن تحن إلينا أم لا، وكيفية ممارستها أو ترجمتها لهذا الحنين، فالجدران لا تسافر، والأشجار ثابتة، والكتب لا تنتقل وحدها، ورغم ذاك، قد تحنّ إلينا، قد نشعر بنافذة تفتح ذراعيها وحدها، وبشجرة تميل علينا فتقبّلنا، قد نسمع صوتا يدور في المكان ويسمعه الغريب الزائر فقط• الأماكن كأطفالنا الصغار، تعلم من يحبها ومن يكرهها، ولها أساليبها في التعبير عن حنينها، ربما بنظرة هادئة، ربما بابتسامة، وربما بالقفز مرة واحدة إلى أحضاننا، وهذه الأماكن، نشعر باحتوائها لنا وباحتضانها لتعبنا، فماذا يجمع بين الأماكن والطفولة؟ قد تكون النواياّ! لكل منا مكانه الأليف، وألفته المكانية، وتختلف الأماكن وفق تألق ألفتنا، وحاجتنا• والأماكن كالأشخاص، قد نألفها خلال دقائق، ونعود إليها في اليوم التالي برغبة وحب، وقد ننفر منها فتشعرنا بالضيق، ولا نفكر بمقابلتها مرة أخرى• بل إن بعض الأماكن تثير الضيق لمجرد التفكير بها، كبعض الأشخاص تماما• فالأماكن منابع طاقة، منها ما يجذبنا ومنها ما يطردنا، والأماكن نوايا وسجايا وتحايا، إن لم تبتسم فيها أرواحنا فهي منايا• حين نحنّ للأماكن تكون هي قد حنّت إلينا، فنقرر العودة دون أن نفكر بمن ينتظرنا، وبمن سنلتقي، والأشياء التي سنراها، وبرنامج زيارتنا، نعود إليها برغبة شديدة، فنجد فيها أحباءنا الأحياء والأموات، نعانق أشياءنا القديمة بنبض جديد، نتفقّد شجرة هنا ووردة هناك، صورة هنا وتحفة هناك، كتابا هنا ودفترا هناك، ثم تتسع الدائرة، فنتفقّد الجيران، والبيوت، ثم لا نلبث أن نصبح جزءاً منها• هنالك أماكن نحنّ إليها كبيوتنا، نعرفها كغرف نومنا، نشعر بألفتها، نتحرك في ممراتها باطمئنان، نسلّم على أصحابها كأننا نعيش بينهم• فهل ما يدفعنا للأماكن ذاكرتنا، أم شخوصها أم ثمة من يسكنها ولا نراه، يراسلنا ويشتاقنا ويخاطبنا على بعد آلاف الأميال• الإقامة ليست شرطا كافيا كي نألف المكان، العمل ليس شرطا أيضا، الشوارع، الدكاكين، الشواطئ، جواز السفر أيضا ليس شرطا كي نألف مكان صدوره، كلها ليست شروطا إن لم نجد فيها من يفتقد ظلنا، ويستدرجنا بطاقته الإيجابية المحبة المضيئة، إن لم نجد فيها من يصادقنا ومن يحبنا ومن يضمر لنا النوايا الجميلة، من يتمنى لنا نهارا سعيدا ومساءً أسعد•• هل نريد من الأماكن أكثر من أمنياتها لنا؟ والأماكن أيضا لا تريد منا أكثر من أمنياتنا لها• فالأمنيات تتحول إلى موجات ألفة، تشكل أرواحنا من جديد• حين تشعر أن مكانا يحتويك عانقه، وحين تشعر أن مكانا يزدريك، غادره، كي لا تصاب بالمرض• akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©