الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل كان جوته مسلماً ؟

هل كان جوته مسلماً ؟
14 ديسمبر 2007 22:50
مرَّ حوالي 175 عاماً على وفاة يوهان فولفجانج فون جوته، الذي يُعدُّ من أعظم الأدباء الذين أنجبتهم البشرية· وقد ظل الألمان، منذ وفاته حتى الآن، لا يصدِّقون بل يشككون في أن جوته أشهر فلاسفة ألمانيا ورائد الرواية الحديثة كان مسلماً، وقد أثارت قضية الخلاف حول إسلام جوته من عدمه جدلاً واسعاً في ألمانيا؛ فهناك من يؤكِّد اعتناقه الإسلام، بينما لا يتصوَّر آخرون أن جوته كان مسلماً في يوم من الأيام· إذن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل كان جوته مسلماً بالفعل؟ وما هي الدلائل والبراهين على أنه مات على الإسلام؟ ولسنا هنا بصدد الحكم على أن جوته كان مسلماً أم لا، إنما هدفنا أن نسوق بعض الأدلة والبراهين على أن جوته كانت تربطة علاقة قوية بالإسلام والشَّرق والأدب العربي· شهدت مدينة ''فرانكفورت'' الألمانية ولادة ''يوهان فولفجانج جوته''، الذي يُعد رابع عظماء الأدب الغربي، إلى جانب مؤلف ''الإلياذة'' الشاعر الإغريقي ''هوميروس'' ومؤلف كتاب ''الكوميديا الإلهية'' الإيطالي ''دانتي'' والشاعر البريطاني ''وليام شكسبير''، في الثامن والعشرين من شهر أغسطس عام ،1749 وماتَ في فايمار في 22 مارس ·1832 كان والده جامعياً مثقفاً محباً للعلم والفنون، متمسِّكاً بالقيم والأخلاق· أما والدته، فيقال إنه أخذَ عنها رحابة الخيال الإبداعي، وكان جوته قد لفت انتباه أهله ورفاقه ومعلِّميه في طفولته بذكائه وقدرته الفريدة على الاستيعاب حفظاً وإدراكاً، وبموهبته المبكِّرة في الشِّعر والنَّثر وجميع الفنون، وقد ورثَ جوته من الأب القامة والنظرة الجادّة إلى الحياة، ومن الأم ورث صفاء النفس وحب المرح· كان البيت الذي عاش فيه جوته يسوده روح التدُّين اللوثرية الصارمة، وقد لعب هذا دوراً كبيرا ومؤثراً في التربية الدينية للأبناء، فكل يوم كانت هناك فترة مخصصة لقراءة ودراسة الإنجيل، كما كانت الصَّلاة يوم الأحد من الأمور المقدَّسة· وكان من أول الأشياء التي زعزعت إيمان الصبي خبر زلزال لشبونة الذي وقع في سنة 1755 والذي أهلكَ الله فيه المؤمنين وغير المؤمنين معاً، على حدِّ قوله، ولم تقض إجابة الأب على حيرة الصبي إزاء هذه الفكرة· في الدروس الدينية التي كان جوته يستمع إليها من أحد أصدقاء العائلة وهو ''يوهان فيليب فريزينيوس''، ومن خاله القس ''يوهان يعقوب شتارك''، لم يجد جوته إجابة مرضية عن أسئلته التي كانت تملأ نفسه وروحه حيرة وشكاً، وقد عبَّر جوته عن ذلك فيما بعد قائلا: ''لم تكن الكنيسة البروتستانتية إلا نوعاً من الأخلاق الجافة، ولم تكن المواعظ الدينية في الكنيسة تثير التفكير، ولم تكن التعاليم تستطيع إرضاء الأرواح''· كان جوته مهتماً فقط بـ ''العهد القديم''، إذ كانت قصص إبراهيم وإسحاق ويعقوب تثير خياله الجامح، وقد ظلَّت وجهة نظره نحو الكنيسة وعقائدها تتسم بالحيرة والشك، حتى وصلت فيما بعد إلى حدِّ الرفض، ووصف جوته تاريخ الكنيسة بأنه ''خليط من التضليل والتسلُّط''، وكان أهم ما زاد في نفوره من الأرثوذكسية اللوثرية قضية الخطيئة الموروثة التي شكلت أيضاً عاملاً كبيراً في ابتعاده عن الكنيسة· كان من أكثر ما ميز جوته عن كثير من أدباء الغرب هو الإطلاع على الأدب العربي الثري ما أدّى به إلى تأليفه كتاب ''الديوان العربي الشرقي''، بل أكثر من ذلك كتب مسرحية عن ''محمَّد صلى الله عليه وسلم'' وصفه فيها بأنه جاء بأفكار عالمية جديدة ليشيع السلام والمساواة والإخاء في العالم، وأراد جوته أن يكتب نصاً منصفاً عن هذه الشخصية العربية الإسلامية العالمية حتى إنه صوَّر النبي صلى الله عليه وسلم هادياً للبشر في صورة نهر يبدأ التدفُّق رقيقاً هادئاً ثم لا يلبث أن يندفع بشكل سيلٍ عارمٍ آخذاً معه البشرية نحو النهر المحيط ''رمز الألوهية''· لم يكتف جوته بالقراءة في الشعر العربي فقط، بل قرأ أيضاً في النحو والصرف، فقد كانت روحه متعطشة دائماً للعلم والمعرفة خارج حدود المكان والزمان حتى إنه توجد مخطوطات حاول فيها جوته محاكاة وتقليد الخط العربي· أما عن ''الديوان العربي الشرقي''، فلم يظهر فيه الأثر العربي فقط على شعر جوته وإنما ظهر فيه أيضاً بعض الكلمات العربية، بل إن جوته نفسه الحقً بالديوان فصلاً ضخماً يتضمَّن معلومات شارحة لموضوعاته ومعلومات عن الشِّعر الفارسي والعربي حتى يستطيع القارئ الألماني أن يفهم هذا العمل· والأكثر دليلاً على ذلك، استخدام جوته نفسه لكلمة ''ديوان'' وهي كلمة عربية ذات أصل فارسي وغير شائعة الاستخدام في اللغة الألمانية، مما يؤكَّد رغبته في إضفاء الروح العربية على هذا العمل، كما قرأ جوته أيضاً لبعض الشعراء المسلمين؛ فيذكر في قصائد ديوان أسماء ''جميل بثينة''، و''مجنون ليلى''، و''المتنبي''· قامت الكاتبة الألمانية ''كاتارينا مومزن'' بدراسة حول علاقة جوته بالإسلام، وقالت فيها: إن جوته في عامه السبعين أعلن على الملأ أنه يعتزم أن يحتفل بخشوع بـ ''الليلة المقدَّسة'' التي أنزل فيها (القرآن)، معترفة أن شاعر ألمانيا كان يحفظ العشرات من الآيات القرآنية، وأنه كان مؤمناً بوحدانية الله، وكان شغوفاً على وجه الخصوص بالآية الكريمة من سورة طه ويردِّدها باستمرار، وهي: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (طه/25)· وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (طه/26)· وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (طه/27)· يَفْقَهُوا قَوْلِي (طه/28)· كما أن مسلمي ألمانيا يتحدَّثون دائماً وبأدلة قوية عن اعتناق جوته للإسلام، واثقين في ذلك تمام الثقة، وتؤكِّد ذلك ''جماعة فايمر'' التي أطلقت على جوته اسم ''محمَّد'' تيمناً باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم· أما أدلَّة ''جماعة فايمر'' على إسلامه فهي كثيرة، ويسردها رئيس المجموعة ''أبو بكر ريجر'' في النقاط الآتية: - درس جوته السيرة النبوية بأكملها وقواعد اللغة العربية والشِّعر العربي، وكتب مجموعة أعمال شعرية تبين إعجابه الشديد بالدين الإسلامي عامة، وشخصية الرسول الكريم محمَّد على نحو خاص· - حرص جوته على تعلُّم اللغة العربية ودراسة الاستشراق ليقترب من الإسلام أكثر، ومن خلال التعلُّم الذاتي حاول أن يكتب العربية، حيث قام بشراء مجموعة من أعمال فن الخط العربي، ويقال إنه كان ينظِّم جلسات لقراءة (القرآن الكريم) في إحدى قصور الدوقات الألمان، ورفض فكرة الصلب المسيحية، وشكَّك ببعض أركان الدين المسيحي· ويختم أبو بكر كلامه بقوله إنه ووفقاً لوثائق تاريخية، فإن جوته لم يشاهد، وهو يصلِّي أو يصوم أو يحج ''بيت الله الحرام'' أو يؤدي الزَّكاة، لكنه يقال إنه شارك في نهار أحد أيام شهر يناير عام 1814 في صلاة الجمعة بمدينة فايمار مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين التابعين لحكومة روسيا القيصرية آنذاك· ينما يؤكِّد آخرون أن جوته كان يصوم رمضان مع المسلمين، ويتردَّد على أحد المساجد للصلاة فيه، وكان يحفظ آيات عديدة من (القرآن الكريم)، وكان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، كما إنه نطق مرتين بالشهادتين في كتاباته، إلى جانب آلاف الصفحات التي كتبها ممجِّداً ومادحاً النبي محمَّداً عليه الصلاة والسلام· عُرف عن جوته تصوفه، والتصوُّف في نظره هو الذي يجمع بين الشِّعر والفلسفة لأنه يتصدّى في الوقت نفسه لأسرار الطبيعة وأسرار العقل معاً، ومن أقوال جوته في المختارات النثرية ما يأتي: الشِّعر يدلُّ على أسرار الطبيعة، ويحاول حلها عن طريق الكلمة، أما التصوُّف فيدل على أسرار الطبيعة وأسرار العقل، ويحاول حلها عن طريق الكلمة والصورة· في قصيدة تحمل عنوان ''حوار'' يدعو جوته إلى التأمُّل في الطبيعة على هذا النحو: عليكم في تأمُّلكم للطبيعة أن تعتبروا الواحد ككل فلا شيء في الداخل، ولا شيء في الخارج ما في الداخل هو في الخارج هكذا تدركون دون تأخير الأسرار المقدَّسة بوضوح ولتبتهجوا بالضوء الحقيقي واللعب الجاد، فلا حي يُعد واحداً كل واحدٌ يُعد كثرة، ولذلك من السَّهل أن نربط رؤى جوته، التي تتصف بالتنافذ والشمولية من خلال تأثره بروح الشرق وبالإسلام· أخيراً، نسوق نماذج مترجمة من أعماله التي استلهم فيها بعض المعاني الإسلامية؛ فهناك قصيدة اسمها ''هجرة'' أشار فيها إلى رغبته في أن يهاجر كما هاجر النبي محمَّد صلى الله عليه وسلَّم من ''مكَّة'' إلى ''المدينة''· وفي المقطع الأول من تلك القصيدة يهاجر الشاعر إلى الشرق الصافي، وتعني تلك الهجرة الروحية إلى أماكن بعيدة مرحلة جديدة في حياة الشاعر، نقرأ منها: ''إلى هناك حيث الطُّهر والحق والصفاء أودُّ أن أقود الأجناس البشرية وأنفذ بها في أعماق الأصل السحيق حين كانت تتلقَّى من لدن الرَّب وحي السماء بلغة الأرض''· وفي كتاب ''الحكم'' من ديوانه يربط بين موضوع التسليم بمشيئة الله والتسامح، فيقول : ''من حماقة الإنسان في دنياه أن يتعصَّب كل منّا لما يراه إذا كان الإسلام معناه أن لله التسليم فعلى الإسلام نحيا ونموت نحن أجمعين''· خلاصة القول: إن جوته، وبصرف النظر عما إذا كان مسلماً أم لا، فسوف تظل مكانته عظيمة عند العرب والمسلمين، فكيف لا نحب من عشقَ الشرق وأحب الإسلام؟، ويكفي أنه ترك أثراً كبيراً في المستشرقين الألمان الذين تناولوا الإسلام بصورة إيجابية، ونقلوا الكثير عن الحضارة العربية والإسلامية، ولذلك يرى المستشرقون الألمان أن التراث العربي والإسلامي بحر يجب الخوض فيه، وقد أنفقوا سنوات عمرهم في هذا التراث قراءةً وتحقيقاً ونقداً وتحليلاً·
المصدر: برلين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©