الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هومي بابا ·· والنقد ما بعد الكولونيالي

هومي بابا ·· والنقد ما بعد الكولونيالي
14 ديسمبر 2007 22:50
قدم التحليل النفسي كشوفاً ثقافية مهمة في تشخيصات الآخر وقراءة خطابه الكولونيالي· وأهم من اشتغل في هذا المجال فرانز فانون 1925 ـ 1961 وهومي بابا· كان الأول واحداً من الأسماء البارزة التي ساهمت مع أنطونيو غرامشي 1891 ـ 1937 وميشيل فوكو 1926 ـ 1984 بصياغة مفاهيم إدوارد سعيد 1935 ـ 2003 عن الاستشراق، ولمع اسم هومي بابا في الدراسات الثقافية والخطاب الكولونيالي وما بعده، ودرس بما عرف عنه من دقَّة وصواب ظاهرة المحاكاة وازدواجية التكوُّن الثقافي للشخصية الإنسانية، وساعد هذا على دخوله المرن في متابعة الخطاب الكولونيالي وتكوُّناته، واستفاد كثيراً من المشتغلين في حقل دراسات ''ما بعد الكولونيالية'' من ملاحظاته وتشخيصاته حول الخطاب وحدوده وعناصره وآليات اشتغاله وتطبيقاته، وكشف عن وجود ازدواجية في جوهر الاستعمار، وأحال ذلك إلى الوجود الأول لمبدأ المحاكاة الذي تنطوي على ثنائية ازدواجية أشار لها هومي في تمثيلات الخطاب الكولونيالي باعتبارها أقل من المقاييس الغربية· لفتت الجهود العلمية والثقافية التي قدَّمها هومي بابا ليكرِّس مع ''فرانز فانون'' الذي سبقه درساً علمياً من غير الممكن تجاهله وإغفال توصلاته عن الآخر، وهذا ما أفضت إليه دراسات هومي في وصفه للآخرية عند المستعمر الذي اعتبره مختلاً نفسياً، ليس على مستوى الأفراد والجماعات، بل على مستوى الدولة، وهو ما يعني أن تمثيلات الآخر التي ألصقها بالشعوب المستعمرة ما هي إلا سرديات كاشفة عن الاختلال في الدولة ومؤسساتها وخطاباتها الثقافية· يؤكد هومي أن المستعمر مبني داخل الخطاب الكولونيالي المُعوَّق، وهو الخطاب الذي يحدِّد تدني مرتبة السُّكان الأهليين بغية تبرير غزوه وما يترتب عليه من توليه حكمهم، كما أكد مختلفاً عن سبيفاك أن الناس التابعين يمكنهم التحدث، ويمكن استعادة الصوت الوطني اعتماداً على سردياتهم التي هي وسيلة إضفاء المعنى على التاريخ، حيث يوفر السرد ممكنات جديدة كانت خفية في فهم التاريخ· ونفهم من هذا الكلام أن السرديات تخيلات مجتمعية، زاخرة برموز تأسيسية تشير إلى مراحل الابتداء أو التقارب، وهذه السرديات هي أسطوريات السُّكان الأصليين وسلاحهم ضد اخضاعات الآخر ومحاولات اختزالهم واحتجازهم، وعلى الرغم من أنهم غير قادرين في البداية على التصريح والمعارضة، إلا إنهم يوظفون سردياتهم والاستفادة من معانيها وطاقة رموزها في ترسيم هوياتهم التي قشرها الآخر وفكفكها، لكن التخيلات المجتمعية تلملمها وترممها وينطوي هذا على صراع ، يمثل الحد الأدنى في مقاومة الخطاب الكولونيالي· تتميز خطابات المستعمر بتمثيلاتها الساحقة كما قال هومي بابا، وتصير إنشاءً متخيلاً يقدِّم سرداً يقتنع بأنه ممثل للسكان التابعين، وهو في حقيقته مجموعة ضخمة من الصور تظلُّ في تواجه طويل مع السرود الجوهرية، والرموز التأسيسية المنتجة للمعنى اللامتناهي في السرد، وكما قال ''إعجاز أحمد'' يسعى الآخر من أجل حيازة المعنى الكامن في الحاضر· ويبدو لي أن دعوة هومي بابا للتنوعات والاختلافات لم تكن لأسباب لها صلة بتشكُّلات الهوية/ الهويات والتعبير عن ضرورات الحراك والاطلاع على ثقافات الآخرين، وإنما لأنه معنيٌ بالفضاءات والخطابات، وفي ذلك إفضاءات عميقة تدلل على استحالة بقاء الثقافة، أي ثقافة منغلقة أمام التواصل الثقافي، واعتقد بأن لانشغالات بابا بفضاءات الآخرية سبباً آخر، لا من أجل وحدة من نوع ما بين الآخر وخطاباته، وبين السُّكان الأصليين وسردياتهم، وإنما من أجل إيضاحات دالة على استعدادات السُّكان للانفتاح وقراءة ما للآخر/ أياً كان· وفي مقال له قال هومي إن الخطاب الكولونيالي هو جهاز يعمل على الاعتراف بالاختلافات العرقية والثقافية والتاريخية· إن وظيفته الاستراتيجية الغالبة هي خلق فضاء للشعوب التابعة من خلال إنتاج المعارف بلغة تمارس عليها المراقبة وتتم إثارة شكل معقد من اللذة وغير اللذة· إنه ينشد التفويض من أجل استراتيجياته عن طريق إنتاج معارف المستعمر والمستعمر التي تكون نمطية مقولته لكنها تقدم تقويماً متناقضاً· اهتم هومي بابا بالقراءات المنمَّطة التي اتخذت شكلاً مُقولباً وشبه ثابت، لكنها ''مختلطة ومجزَّأة على نحو يثير الفضول''، وتكشف تلك الثقافات النمطية عن تنوعات في التوصيف الذي ألصقه الآخر بالسُّكان الأصليين بواسطة سردياته، وجعل الأسود متوحشاً ومن آكلة لحوم البشر، لكنه أكثر خنوعاً· إن الكائن الأسود هو تجسيد للجنسانية الهائجة، ومع ذلك فهو بريء كالطفل، إنه صوفي وبدائي وساذج، ومع ذلك، إنه الأكثر دنيوية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©